المقالات

الشهيد آية الله محمد مفتح

 

إمام جماعة مسجد الجواد ومسجد جاويد ومسجد قبا

في دار الشفاء

 ولد الشهيد آية الله الدكتور محمد مفتح عام 1307هــ.ش في مدينة همدان في عائلة دينية. وترعرع في أحضان أسرة محبة لأهل العصمة والطهارة عليهم السلام. كان والده الشيخ محمود مفتح المعروف بميرزا محمود، من أساتذة الحوزة العلمية في همدان. انه تربى في الصغر في أحضان والده وتعلم الأحكام الإسلامية النيرة عند أبيه. في هذه الفترة رغب في تعليم العلوم الإسلامية المضيئة وحضر مجلس تعليم أبيه وتعلم الأدب على يده وتعلم المقدمات في مجلسه المنور وترعرع عند والده. دخل المدرسة في السابعة من عمره وبعد الانتهاء من هذه الفترة وبسبب حبه الكبير لتعليم العلوم الإسلامية، التحق بالمدرسة العلمية للراحل ملا علي همداني وفي هذه الفترة شعر بانه حصل على بحر عذب ليروي عطشه للدراسة. على هذا اجتاز في مرحلة قصيرة مقدمات الدروس الدينية وهاجر إلى قم بعد استشاره العلماء وكبار همدان وبتوصية وإرشاد أبيه وهو في الـ 16 من عمره أي بعام 1326 وأقام في حجرة في مدرسة دار الشفاء، التي كانت محلا لتدريس كبار العلماء والباحثين وعكف على تحصيل العلوم الدينية.

من الحوزة إلى الجامعة

انه لم يكن يتوقف عن البحث وكان يحضر درس الكثير من المدرسين من الحوزة لاختيار أفضل أستاذ، حتى وجد ضالته في دروس آية الله العظمى الحاج السيد حسين بروجردي والإمام الخميني والعلامة طبطبائي وآية الله محقق داماد وآية الله سيد محمد رضا كلبايكاني.

انه في هذه الفترة تقدم على باقي الطلبة من زملائه لأنه كان طالبا فاضلا ومثابرا وكان يعرف الأدب والفقه والأصول الفلسفة جيدا وبلغ المراتب العليا الدراسية بسرعة وبلغ مرتبة الاجتهاد في فترة قصيرة. وبما انه كان مطلعا بالفلسفة فان مجلس درسه كان من أعظم دروس الحوزة العلمية في قم إذ يحضرها عدد غفير من الطلاب.

كما درس عام 1333 في فرع المعقول في كلية الإلهيات والمعارف الإسلامية في جامعة طهران وبذل مساعي كبيرة في وقت قصير وحصل على درجة ممتازة من الحكام عند مناقشة أطروحته إذ كان الحكم كل من حسين علي راشد تربتي والراحل سيد كمال الدين نور بخش والشهيد مرتضى مطهري. وتخرج من الجامعة حاملا شهادة هذا الفرع ثم استمر في الدراسات التقليدية في الجامعة في فرع المعقول وذلك في كلية الإلهيات عام 1341 واستطاع ان يحصل على شهادة الدكتوراه وكان موضوع أطروحته الحكمة الإلهية ونهج البلاغة وتمت المصادقة عليها بدرجة ممتازة من قبل مجلس الجامعة وكان المشرف الأستاذ الراحل سيد محمد مشكوت.

انه كان أستاذ مشرف عام 1350 في ترجمة كشف المراد والاعتقاد والشواهد الربوبية وأطروحات أخرى.

الحياة الاجتماعية والسياسية

ان أفكار الشهيد مفتح وكيانه كان ممزوجا بهدف إصلاح الأمة الإسلامية. عندما كان يدرس في الحوزة والجامعة، كان يربي الطلاب والطلبة تربية صحيحة وفي دروسه كان يضع البحث في القضايا الأخلاقية والاجتماعية وفقا للتنوير السوسيولوجي المحيط به وكان يقوم بتهذيب النفس والجهاد مع الشيطان الداخلي فضلا عن تعلم النصوص الدراسية ويشجع على معرفة الذات الشاملة ومعرفة النواقص وحلها.

كما استطاع إلى جانب العلامة مطهري وآية الله بهشتي وبإدارة صحيحة للنضال الشعبي وأداء الدور الناشط في التنظيم والتخطيط، ان يلعب دورا في توجيه النضال الإسلامي.

انه يقول عن أهمية توجيه الأمة الإسلامية: نحن نحمل مسئولية كبيرة أينما كنا وفي منصب عملنا وبما اننا مسلمون يجب ان نسعى في حفظ الإسلام وبالتحديد علماء الدين يحملون مسئولية جسيمة.

ان الإمام الخميني قدس سره أوكله عام 1340 و1342 للذهاب إلى خوزستان لتوعية الناس وحضر في مدينة آبادان وخرم شهر والأهواز وألقى خطابات حماسية وبليغة وغير من الوضع العام السائد على تلك المدن في فترة قصيرة حتى شعر السافاك بان وجوده يمثل خطرا في محافظة خوزستان ونشر صوره ووزعها على المطارات ومحطات القطار وشركات نقل المسافر ومنع دخوله المحافظة.

بعد المصادقة على لائحة جمعيات الولايات والايالات كان من ضمن علماء الدين قاموا بفضح النظام من على المنابر.

العمل التنظيمي؛ من مركز التلاميذ إلى مجمع معرفة الإسلام

بعد الانتهاء من الفترة الأولى الجامعية عام 1341 وبالتزامن مع التدريس في الحوزة العلمية، بدا التدريس في الثانويات في مدينة قم. وقام بتكوين الجمعية الإسلامية للتلاميذ في مدينة قم بمساعدة آية الله بهشتي. يقول آية الله بهشتي: بالتعاون معه تم إنشاء المركز الإسلامي للطلاب في قم وهو أول مجمع إسلامي كان يجمع الطلبة والطلاب والمعلم والطالب ومختلف الجماعات وكان تجليا من التنسيق بين كافة طبقات المجتمع بمحورية الإسلام العزيز والرؤية الحية والبناءة للإسلام.

كما قام في الأربعينات وبغية التعريف بالإسلام المحمدي الأصيل وعبر نشر الكتب والرسائل الإسلامية في مختلف الموضوعات ان يؤسس تنظيما يحمل عنوان الجلسات العلمية لمعرفة الإسلام وبهذا بدا عمله بغية التعريف بالإسلام الأصيل والثقافة الإسلامية. لو لم يغلق السافاك أبواب المركز، فمن المؤكد كان يعتبر في يومنا هذا من أهم المراكز العلمية في العالم الإسلامي. ان إقامة مختلف الجلسات في المجمع أدت إلى نشر الكتب وإعداد الكثير من المؤلفين من خلال هذه الجلسات، يمكنهم من تقديم الإجابة على متطلبات الجيل الشاب. فمن الكتب التي نشرها المجمع في الفرصة القصيرة ونشرت في المجتمع الإسلامي، يمكن الإشارة إلى الإسلام رائد النهضات (إسلام بيشرو نهضت ها).

مسجد الجامعة

طرد من التربية والتعليم في مدينة قم عام 1347 بسبب نشاطه الدءوب والمستمر والدور الكبير الذي لعبه في صحوة المسلمين وشعبيته الكبيرة في صفوف الشباب والمدرسين ونفي إلى المناطق الجنوبية لإيران الحارة. بعدما قضى فترة النفي منع من التواجد في مدينة قم واضطر إلى الإقامة في طهران عام 1349.

وجهت كلية الإلهيات الدعوة له للتواجد في هذه الكلية وبالتزامن أقام صلاة الجماعة في مسجد الجامعة بدعوة من الجمعية الإسلامية في جامعة طهران. على هذا وبواسطة التواجد الكبير في المساجد، جعل المسجد موقعا للنضال كما كان في زمن ظهور الإسلام قاعدة للنضال وتطور الإسلام ونموه. أما عن اختياره المسجد كقاعدة للنضال، فقال: ان هذه الثورة بدأت من مراكز علماء الدين ورسخت في قواعد المسجد وخلدت بواسطة الأمة المسلمة.

مسجد الجواد عليه السلام؛ قاعدة معرفة الإسلام

حضر آية الله مفتح وباقتراح من بعض الكبار في مسجد الجواد عليه السلام في طهران وذلك بعد الحضور في مسجد الجامعة، وجعل هذا المسجد مركزا لنشاطاته العلمية والنضالية. انه بالتعاون مع الأستاذ مطهري وآية الله بهشتي وحجة الإسلام والمسلمين باهنر وأصدقاء آخرين أقام صفوف مختلفة في المسجد وطرح القضايا الإسلامي في إطار حديث وطابع جديد، رحب بها الشباب.

ان صفوف معرفة الإسلام وبالتحديد صف تفسير القرآن الذي كان يدرسه بعلم ووعي، كانت من القضايا الملفتة للنظر التي كان الشباب والطبقات الأخرى في المجتمع يستفيدون منها، ان تلك الصفوف والأجواء الحماسية والمبنى الحديث وصالة مكتبة المسجد في ظل أجواء تلك الفترة التي كان الطاغوت مهيمنا على الساحة، أدت إلى تحويلها إلى مجلس للنقاش العلمي وقاعدة للنضال مع النظام الظالم. ان النظام وبعد مشاهدته تلك النشاطات، أغلق أبواب المسجد كي يمنع نشاط هذا العالم المناضل.

مسجد جاويد؛ قاعدة علمية للنضال

بعد إغلاق مسجد الجواد عليه السلام عام 1352، بدأ نشاطه في مسجد جاويد وفضلا عن إمامة المسجد كان ينظم برامج أخرى منها يمكن الإشارة إلى تكوين صفوف العقائد ودعوة الخطباء وكبار الوعاظ وتأسيس المكتبة وصفوف معرفة الإسلام والسيسيولوجيا وتاريخ الأديان والاقتصاد والفلسفة وتفسير القرآن ونهج البلاغة التي كانت تقام على مستوى كبير وتحظى بترحيب مختلف الطبقات، فانه حول المسجد إلى قاعدة علمية ونضالية في مواجهة نظام الشاه المنحوس. ان نشاطاته الكبيرة وترحيب الناس الكبير به وتربية الجيل الشاب في هذا المسجد أدى بالسافاك إلى الهجوم على المسجد في الثالث من آذر 53 وبعد محاضرة آية الله الخامنئي واعتقل آية الله الخامنئي وآية الله مفتح وألقي بهما في السجن وتم إغلاق المسجد.

مسجد قبا؛ ميعاد الباحثين عن الحقيقة

بني مسجد بالقرب من حسينية الإرشاد إذ كان يتمتع بمكانة جيدة وأقام آية الله مفتح بعدما أطلق سراحه عام 1354صلاة الجمعة فيه وسموا المسجد في اجتماع بحضور آية الله طالقاني والأستاذ مطهري، مسجد قبا.

كانت تتم برامج في مختلف المجالات في المسجد، أهمها إنشاء صندوق قرض الحسنة وصالة لمحاضرة وصفوف التاريخ والتفسير والمعارف. أصبح مسجد قبا كمسجد بني في صدر الإسلام، محرابا للباحثين عن الحق والحقيقة ومركز لنشر الإسلام المحمدي الأصيل ونهضة الإمام الخميني قدس سره الإسلامية. استطاع توجيه الدعوة لشخصيات سياسية ثورية بارزة ومن جهة ثانية بناء العلاقة مع الباحثين في العالم الإسلامي، ان يعطي مكانة خاصة للمسجد. زار آية الله مفتح جامعة الأزهر في رحلته إلى مصر ودعا شخصيتين متخصصين وأستاذين بارزين في الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر للحضور في طهران وإلقاء محاضرة في ذكرى سنوية تأسيس صندوق قرض الحسنة في مسجد قبا، لكن بعد العودة من مصر، منعت السافاك تنفيذ البرنامج.

انه عمل على إقامة الجلسات في المسجد وأقيمت لأول مرة في تاريخ إيران المعاصر بحضور ما يزيد على 30 ألف شخص. أبدى الناس للاستماع إلى المحاضرات إعجابا، إذ امتلأت الشوارع المحيطة بالمسجد. ان الشهيد مفتح ونظرا إلى ترحيب الناس، عمل على زيادة البرامج وتوعية الناس بالحركة الإسلامية ومبادئ الحركة والثورة الإسلامية.

قضية فلسطين

بالتزامن مع بلوغ نشاطات المسجد ذروتها، وفي خضم الحروب الأهلية في لبنان، عندما قام الكيان الصهيوني بالتعاون مع أنظمة المنطقة العميلة بقمع الشيعة في لبنان وقمع الفلسطينيين المسلمين في لبنان، سافر الأستاذ مفتح لجمع المساعدات لمنكوبي الحرب في لبنان، إلى لبنان وبعد دراسة وضع الشيعة هناك، وصل إلى نتيجة بان أهم سبب لتخلف الشيعة في لبنان، هو التخلف الثقافي. نظرا إلى ان ما قام كافة مراجع تقليد الشيعة بأعمال مثل بناء المستشفى، فقام الأستاذ مفتح بالقيام بالقضايا الثقافية لشيعة لبنان وعمل على القيام ببرامج قصيرة المدى وطويلة المدى.

اشتملت أول برامج قصيرة المدى على توفير الأموال لدراسة أطفال شهداء لبنان إذ نجح في توفير المال لملابس وطعام الكثير ممن تبقى من الشيعة المنكوبين في الحرب وأرسلهم إلى المدارس.

من جهة أخرى وفي إطار برامج طويلة الأمد، وبالتعاون مع الإمام موسى الصدر؛ قائد الشيعة في لبنان ورئيس مجلس الأعلى للشيعة (إذ كان زميل الشهيد مفتح في الحوزة العلمية في قم) لتأسيس مجمع تعليمي للشيعة، خصص المساعدات بإعداد وشراء ارض مناسبة لإنشاء هذه المراكز. ان قضايا العالم الإسلامي وبالتحديد قضية القدس كانت تكتسب أهمية له إذ قام بتدوين قرار المظاهرات العامة لأول مظاهرات يوم القدس التي أقيمت عام 1358.

المسجد؛ مصدر الثورة الإسلامية

بالرغم من المسئوليات الجسيمة، الملقاة على عاتقه إذ كان عضوا في مجلس الثورة ويتولى رئاسة اللجنة ورئاسة الكلية والنشاطات الجسيمة والكبيرة الأخرى، فانه كان يقيم الصلاة في مسجد قبا وحافظ على حصن المسجد. انه كان يقول دائما: ان منشأ المسجد كما الإسلام نفسه هو المسجد، يجب الحفاظ عليه واستقطاب الشباب الأعزاء لهذا الحصن. ان مفتح وفي الـ 28 من خرداد عام 1353 وفي حكم له اختير كعضو في لجنة الإشراف على التعيينات في كلية الإلهيات، كما خصص لإرشاد الطلاب في الجامعة يومين في الأسبوع في مسجد الجامعة.

كما اختير في اسفند عام 1357 في اجتماع مجلس التنسيق بمشاركة الأساتذة والطلاب والموظفين، كوكيل مؤقت وتولى المسئولية حتى استشهاده. انه كان عضوا في مجلس تنمية التعليم العالي في البلاد وعضوا في هيئة التدريس في جامعة طهران.

النظرة العلمية والثقافية، حتى في اللجنة

 ان الشهيد مفتح بعد انتصار الثورة الإسلامية، قدم إطار لجان الثورة الإسلامية، بالتعاون مع آية الله محمد رضا مهدوي كني وآية الله مطهري وآية الله بهشتي وانه تولى بنفسه مسئولية لجنة المنطقة 4 فضلا عن التعاون مع آية الله مهدوي كني. في هذه اللجنة انه كان يقوم بالأعمال التعليمية والدعائية فضلا عن القيام بالأعمال العسكرية والأمنية. وحول قصر الشباب سابقا إلى مركز للنشاطات الثقافية إلى جانب لجان الثورة الإسلامية، إذ كان سابقا مركز لتحريف الشباب. كان تكوين صفوف عقائدية والسياسية وتدريس نهج البلاغة وتقديم مساعدات مبدئية، ضمن برامج هذا المركز الثقافي. كما كان له دور في إنشاء جمعية علماء الدين المناضلين واستمرار نشاطاته.

ان الشهيد ونظرا إلى الاهتمام الخاص بالقضايا الثقافية التي كانت الصحف تؤدي دورا كبيرا في توعية الناس، تقبل مسئولية صحيفة اطلاعات ومهد الأرضية لإحداث تغيير جوهري في مؤسسة اطلاعات، بواسطة التخطيط الدقيق.

الآثار والمؤلفات

انه في حياته المليئة بالبركات وفضلا عن دروس الفقه والأصول والدراسات، قد قام بدراسات وبحوث عميقة في العلوم الأخرى كالتفسير والفلسفة والكلام والملل والنحل وترك آثار ثمينة، تعبر كل منها عن عمق الفكر والإمعان في تحليل مبادئ العلوم الإسلامية، منها يمكن الإشارة إلى:

حاشية على أسفار ملا صدرا، انه قام بالإمعان في هذا الأثر الفلسفي الكبير طوال التدريس وكتب حاشية عميقة وعلمية على الكتاب باللغة العربية. ان هذا الأثر بقي مع الأسف لحد الآن مكتوبا يدويا ولم يطبع. ترجمة تفسير مجمع البيان وهو أكثر تفاسير الشيعة أهمية إذ قام بنشره بمساعدة آية الله الشيخ حسن نوري همداني وعدد من علماء قم. أسلوب الفكر في علم المنطق (روش انديشه في علم منطق) إذ يعتبر هذا الكتاب كنص دراسي في الحوزة والجامعة وكُتب عام 1336. كتاب الحكمة الإلهية في نهج البلاغة وهو أطروحة دكتوراه الشهيد. آيات المبادئ العقائدية في القرآن ويشتمل على جزء من محاضرات الأستاذ. وحدة طبقتي عالم الدين والجامعي (وحدت دو قشر روحاني ودانشكاهي) ويبرز هواجسه حول وحدة الحوزة والجامعة.

الشهادة

في الـ 27 من آذر عام 1358، ترك آية الله مفتح عند الثامنة صباحا ودخل عند التاسعة كلية الإلهيات. في هذه الأثناء جاءت دراجة نارية تقل 3 ركاب من الشارع الفرعي باتجاه الكلية. ترجل عن الدراجة إرهابيان وسارا في اتجاهين مختلفين ودخل كل منهما في شارع وبعد الدخول إلى الساحة اتجهوا إلى شرفة المبنى الأمامي لكلية الإلهيات. عبر الإرهابي الثاني على بعد مسافة 15 مترا ووقف أمام الكلية في الرصيف. أما الإرهابي الثالث الذي كان يقود الدراجة النارية وبعد ما نزلا الراكبان، اتجه إلى الزقاق الواقع أمام الكلية وتوقف بداية الزقاق ونزل من الدراجة النارية واتجه إلى الشارع الرئيس وهو قلق. وصلت السيارة التي تقل آية الله مفتح عند الساعة التاسعة إلى الكلية.  اتجه الإرهابي الثالث الذي كان يراقب الأمور إلى داخل الزقاق ورفع قبعته بأيديه للدلالة على إصدار أمر الإرهاب ثم وضعها على مرآة الدراجة النارية ورجع. عندما وقفت سيارة الأستاذ في الشارع المقابل للكلية وفي هذه الأثناء، ان السائق كان ينظر إلى الأستاذ من مرآة الداخلية للسيارة وقال له بخوف وقلق: أستاذ أستاذ، لكن اخذ الأستاذ مذكراته وكتبه وقال بهدوء: حياتنا بيد الله تعالى لا تقلق.

نزل الدكتور ودخل الكلية. في هذه الأثناء اتجه الإرهابي الثالث الذي كان واقفا أما كلية الإلهيات نحو السيارة ورمي السائق (الضابط الشهيد أصغر نعمتي) بعدة رصاصات عندما كان ينزل واستشهد فورا. رجع آية الله مفتح بعد سماع صوت الرصاصات إلى الوراء فاستهدف الإرهابي الثاني الأستاذ وهو في ساحة الكلية. ان حارس الدكتور الشخصي قام بالمواجهة واتجه الأستاذ في خضم نيران الحارس (الشهيد شهيد جواد بهمني) والفرصة السانحة، نحو مبنى الكلية بسرعة لكن لم يمهله الجاني واستهدف يده وكتفه ورجله بعدة رصاصات.

ان الإرهابي الذي قام باستشهاد السائق، استهدف الأستاذ بمساعدة رفقائه، عند الباب وخلف الحارس الأستاذ وثم اتجه فورا إلى الدراجة النارية وبعد تشغليها استعد للفرار. عندما دخل الدكتور إلى شرفة مبنى الكلية، اتجه إرهابي نحوه ووجده في زاوية، لا يمكن للأستاذ الفرار وبينما كانت الدماء تنزف من جسد الأستاذ ولطخت عباءته بالدماء، استهدف رأس الأستاذ بعدة رصاصات. وبعدما أنهى المجرمون عملهم تركوا المكان، أما الدكتور فانتقل إلى مستشفى أمير اعلم. ان الفريق الطبي قام ببذل المساعي لإنقاذه لكن بالرغم من جهود الأطباء إلا ان تضميد الجراحات لم يجدي نفعا وبالتزامن من أذان الظهر انتقل إلى رحمة الله تعالى في الساعة الثانية عشرة يوم 27 آذر 1358.

رسالة سماحة الإمام الخميني قدس سره الشريف بمناسبة استشهاد مفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

إنا لله وإنا إليه راجعون

حينما يكون منطق القرآن؛ (إنا لله وإنا إليه راجعون) ومسيرة الإسلام تقرّ بأن الشهادة هي الهدف في هذا المسير، وأولياء الله عليهم السلام ورثوا الشهادة، وشبابنا الملتزمون طلبوا وما زالوا يطلبون أن يدعى لهم بالشهادة، عمد الحاقدون العاجزون عن كل شي‏ء إلى القيام بعمليات اغتيال بشعة. بماذا يخيفوننا؟

إن أمريكا تخادع نفسها في أن تستطيع بثّ الرعب في قلوب أبناء الشعب-الذين هم جنود القرآن-منع مواصلة السير في طريق الحق، وتوجد نوعاً من التراجع عن الجهاد المقدس في طريق الله. غير مدركة بأن الخوف من الموت يتسم به من جعل الدنيا لنفسه دار قرار، وقد غفل عن الدار الأبدية والقرب من الرحمة الإلهية. لشد ما عميت قلوب هؤلاء إذ لا يبصرون المشاهد الملحمية لشعبنا العزيز والشجاع في كل حالة استشهاد وما بعدها وهي تتجلّى لأعينهم. (صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون).

 إنهم يعرفون أنه مضت ألف وثلاثمائة عام على ملحمة كربلاء، لكن دماء شهدائنا تغلي وشعبنا يسطّر الملاحم. سماحة حجة الإسلام المفكر المحترم الشيخ مفتّح واثنان من حرس الإسلام الأعزاء رحمة الله عليهم نالوا الشهادة، والتحقوا بالرفيق الأعلى، وخلقوا ملحمة في قلب شعبنا وشبّاننا الواعين، وزادوا من حرارة جذوة نهضتنا الإسلامية، وأعطوا ثورة الشعب زخماً مضاعفاً. أسأل الله أن يقبلهم في جوار رحمته الواسعة، ويرفدهم بنور عظمته. كنا نأمل أن تتم الاستفادة من معرفة الأستاذ المحترم ومن لسانه وعلمه في طريق الإسلام ودفع عجلة الثورة؛ ونأمل أن نستفيد من شهادة أمثال هؤلاء. أبارك لرجال الإسلام الأبطال هؤلاء استشهادهم، وأقدم في الوقت نفسه تعازيَّ لذويهم وشعب الإسلام. والسلام على شهداء طريق الحق.

روح الله الموسوي الخميني

27/9/58

(صحيفة الإمام، ج 11، ص 320-321).

من أحاديث سماحة قائد الثورة الإسلامية حول آية الله مفتح

الشهيد مفتح كان من التجليات الثقافية الذي لم يكن يؤطر الإسلام في مرحلة العمل بالأشخاص والزوايا والخلوة. انه استوعب الإسلام بشموله وعموميته في الاعتقاد ولعمل في المعرفة والتحقيق وكان يبحث عنه. ان الشهيد مفتح كان كثير النشاط في حياته وقليل الظهور والتظاهر.

قائمة مراجعة وتحرير

شخصيات تركت: 500
التعليق مطلوب