المقالات

الشهيد آية الله حسين غفاري

 

إمام جماعة مسجد خاتم الأوصياء عجل الله تعالى فرجه الشريف ومسجد الهادي عليه السلام

مولد مجاهد

ولد الشهيد آية الله حسين غفاري عام 1295 في قرية دهخوارقان في مدينة تبريز التي تسمى في يومنا هذا آذر شهر. انه من أحفاد الحاج ملا محسن وهو من الشخصيات العلمية والدينية في آذر شهر الذي استشهد على يد الروس. كان والده عباس يعمل بجد وبمثابرة في الزراعة وكان يعمل في الفصول الأخرى في أعمال غير الزراعة. عندما كان طفلا، فقد والده في هجوم لعملاء وناهبي رضا شاه وتحمل معاناة فقدان الوالد. على هذا وبسبب الفقر والمشاكل الاقتصادية، اضطر ان يعمل بالزراعة أو كعامل برفقة شقيقه وشقيقته لتوفير حاجات الحياة.

انه بالرغم من معارضة عمه مع دراسته، اتجه إلى الدراسة والتعلم وكان في هذا المجال يشجعه خاله الأكبر المرحوم آية الله سيد محسن غفاري. كان يعمل منذ الطفولة والى جانب الدراسة والتعلم في الزراعة أو كعامل وتعلم المقدمات في مسقط رأسه عند الحاج شيخ علي وميرزا محمد حسين منطقي.

من تبريز إلى قم

سافر برفقة أخيه الأكبر لتوفير حاجاته المعيشية عندما كان شابا وحاول وبفتح حانوت ان يرتب شؤون حياته. لكنه لم يترك الدراسة فإلى جانب العمل اليومي تعلم دروس كشرح اللمعة والأصول والكلام. بعد فترة رجع إلى آذر شهر بسبب الفقر والبطالة وبالتزامن مع العمل كعامل، تعلم الرسائل والمكاسب عند خاله الكريم. وبما انه كان يمتلك الذكاء فبلغ المستويات العليا العلمية.

اتجه إلى قم عام 1324 عندما كان في الـ 30 من عمره لإكمال الدراسات العليا، عندما كانت مدينة قم تتحول شيئا فشيئا إلى مركز علمي وبحثي ومركز للفقه الإسلامي والشيعي، فأقام في هذه المدينة واستفاد من كل من آية الله فيض والقمي والخوانساري وبروجردي وحضر فترة ما في دروس آية الله حجت كوه كمره أي.

تعرف في فترة الدراسة مع عالم الدين المجاهد آية الله ميرزا علي مقدس تبريزي الذي يعد من العلماء الملتزمين والواعيين في تلك الآونة. كما كان يرأس تحرير أسبوعية الدين والحياة وكانت تنشر بحوث حول الدين الإسلامي والتشيع في الجوانب السياسية والاجتماعية لكن بعد 8 أشهر تم إغلاقها. ان الفقر كان العائق الأكبر في زواجه لكن طعم الفقر وفقدان الوالد والحياة البسيطة والتغلب على المشاكل في الحياة، صنعت من غفاري شخصية قوية وراسخة، على هذا وبما ان ميرزا علي كان يحبه فاقترح عليه الزواج من بنته وبدئا حياتهما المشتركة بمهر قليل وبسيط جاءت به زوجته وبدئا حياتهما بسرداب بأجر زهيد في أفقر مناطق قم فقرا تسمى باغ بينه.

مسجد خاتم الأوصياء؛ دليل على الشجاعة

أصبح آية الله غفاري عام 1334 إمام جماعة مسجد الهادي وبإصرار عدد من الأصدقاء أصبح إمام جماعة مسجد خاتم الأوصياء عجل الله تعالى فرجه الشريف. ان همته أدت بهذا المسجد ان يصبح محل توجيه الناس وأساس حركات اجتماعية وسياسية في الحي.

ان من أهم الأعمال التي قام بها في مسجد خاتم الأوصياء، هي إغلاق مركز كبير للفساد في تلك المنطقة. كان يعيش شخصا يدعي احمد شارق بالقرب من المسجد وكان الحي يعرف بحي شارق بسبب تواجده هناك. ان هذا الشخص كان من المقربين لـ أسد الله علم، مع انه لم يكن يتمتع بمكانة مرموقة. كان لهذا الشخص بستانا بالقرب من المسجد وكان البستان محلا للفساد والمنكرات.

في ليلة من ليالي الجمعة، إذ كان الناس يقرؤون دعاء كميل إذا بهم ويسمعون صوت الأغاني من البستان وهي مرتفعة، قال غفاري في نهاية المراسم مخاطبا المتواجدين: يجب إغلاق هذا البستان الليلة حتى لو انتهى بالتضحية بأرواحنا. ان الناس رفعوا شعار الله أكبر ودخلوا في البستان وطردوا كافة المفسدين من البستان. لاذ كل من كان هناك بالفرار وهو سكران ومنهم كان أسد الله علم الذي كانت من عاداته التواجد في الحفلات الليلية. على كل ومع انه تم اعتقال آية الله غفاري بسبب حدوث تلك الحادثة، لكن تم إزالة مجالس الفساد والمنكرات من البستان.

المنبر؛ منصة لمواجهة الطاغوت

طرح حسن علي منصور عام 1340 مشروع جمعيات الايالات والولايات (الأقاليم) فقام آية الله غفاري بمعارضة تلك القرارات وبدا نضاله منذ المنتصف الثاني من عام 1341 رسميا في مواجهة الطاغوت وتحدث في مسجد الهادي في معارضة المصادقة على القرار ووقع على بيانات برفقة علماء طهران وقام بنشرها وتوزيعها.

بعد تحريم عيد نيروز عام 1342 وإعلان الإمام الخميني قدس سره العزاء العام، هجم عدد من عملاء السافاك وعملاء الشاه على المدرسة الفيضية واستشهد الكثير من الطلبة القاطنين هناك. بالتزامن مع تلك الحادثة شهدت المدرسة الطالبية في تبريز أحداث مماثلة. ألقى آية الله غفاري خطابا شديد اللهجة في فروردين عام 1342 في مسجد الهادي في طهران. ان شجاعته في تلك الخطابة كانت كبيرة إذ عندما كان يقف في المنبر ويتحدث، كان جنود النظام يطوقون المجلس، لكنهم لم يجترئوا من القيام بأي عمل. كان فيما سبق وعند إلقاء المحاضرة دخل عقيد الشرطة في المجلس وهو غضبان، ووقف في نهاية المجلس واضعا يده على خصره، فصرخ الشهيد غفاري بشجاعة: سماحة العقيد، اجلس كسائر المتواجدين واستمع. لماذا أنت واقف؟ هل تريد إرعاب الناس؟

بعد ارتكاب المجزرة بحق العلماء وعلماء الدين المناضلين في نهضة الـ 15 من خرداد عام 1342، اعتقل آية الله غفاري وعدد من علماء الدين وتم سجنهم لكنهم لم يتنازلوا عن مبادئهم عند التحقيق وقاموا بدعم الإمام ومواقفه بثبات وقوة وأخيرا أطلق سراحهم بعد مرور 40 يوما برفقة كافة الخطباء وعلماء الدين.

كما تحدث حول قانون الإصلاحات الأرضية في آبان عام 1343 وأنذر الناس حول هذا القانون وتأثيراته ودعا الناس إلى معارضة القانون؛ اعتقلته قوات الشرطة بعد يومين من المحاضرة في مسجد خاتم الأوصياء وأودعته السجن.

كما انضم غفاري إلى العلماء المهاجرين إلى مدينة الري الذين جاؤوا من كافة أنحاء البلاد وتجمعوا دعما لإطلاق سراح الإمام الخميني قدس سره، وفي تلك الآونة أرسل آية الله غفاري برقية إلى كل من آية الله سيد محمود طالقاني ومهندس بازركان والدكتور سحابي، أدت إلى اعتقاله مرة أخرى في بهمن عام 1343 بتهمة "العمل ضد الأمن القومي" وإرسال ملفه إلى المدعي العام في الجيش. هذه المرة قضى فترة في السجن استمرت لـ 15 من فروردين 1344 وبعدما خرج آية الله غفاري من السجن أعلن خبر إطلاق سراحه إلى آية الله العظمى مرعشي النجفي في الحال.

في الـ 21 من فروردين 1344 وفي قصر مرمر أطلق الجندي رضا شمس آبادي الرصاص على الشاه بعد ترجله من سيارته إذ كان متجها إلى مكتب عمله. لم تصيب الرصاصات الشاه لكن قُتل ضابطان وكذلك شمس آبادي. بعد هذه الحادثة التي لم يصيب الشاه بأذى، طالب النظام من الناس بان يقيموا مجالس الشكر في المساجد كما أمر عملاءه بان يمهدوا الطريق لهذا العمل. على هذا كان من المقرر ان يتم في مسجد خاتم الأوصياء مجلسا. كان يعارض آية الله غفاري هذا الأمر، قام بتجميع مفروشات المسجد للغسل وهذا ما أدى إلى عدم إقامة المراسم في المسجد.

رفيق الإمام قدس سره

انه كان يحب الإمام حبا جما إذ اعتبر أي شكل من عدم الاحترام أو إهانة الإمام، كفرا. جاء في جزء من تقرير السافاك عن فحوى محاضراته: انه ذهب إلى المنبر وقال بان هناك مندوبا أهان إمامنا الإمام الخميني قدس سره، وان من يهين العلماء فهو وثني محض.

بعد هذه الخطابة ألقى لعامين ونصف في السجن ثم تغير أمر اعتقاله إلى الالتزام بعدم الخروج من المجال القضائي لطهران فأطلق سراحه.

بعد ان أطلق سراحه من السجن، وفي برقية أرسلها إلى النجف الأشرف كان قد هنأ دخول الإمام العزيز إلى النجف. وبهذا أبدى مقاومة وروح المثابرة. جاء في وثائق السافاك عن هذه البرقية: سماحة آية الله العظمى السيد الحاج روح الله الخميني، نهنئ دخولكم إلى عالم علماء الدين والإسلام.

جاء في وثائق السافاك بأنه كتب ردا على سؤال: هل تؤيدون ممارسات آية الله الخميني حول نشر الإعلانات والمعارضة مع الإصلاحات الحكومية أم لا؟ ان الإمام حسن العسكري عليه السلام اعتبر من الواجب إطاعة كافة العلماء واعتبر ان رفض قولهم هو رفض لقوله وذلك عند خاطب إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف: هم حجتي عليكم وأنا حجة الله والراد عليهم كالراد علينا.

التعذيب بالزيت الحار

اعتقلته قوات السافاك في تير عام 1353 بينما كان متجها من البيت بعدما كان في المسجد ودافع عن الإمام بشجاعة في أثناء التحقيق. هذا الأمر أدى إلى إثارة غضب المحققين وقاموا بتعذيبه بالرغم من كبر سنه إذ أدى إلى كسر أسنانه ويده وحرق رجليه بالزيت الحار.

انه لم يترك الجهاد حتى عندما كان مسجونا ولعب دورا بارزا في القضايا السياسية والعلمية والى جانب الدراسة قام بتدريس القرآن والفقه ونهج البلاغة. يقول ابنه: ان والدي كان يحاول ان يطالع 8 ساعات وكان يدرس 4 ساعات نهج البلاغة والقرآن والفقه وتاريخ الفقه. وحتى عندما كان مسجونا كان يقرا دعاء الافتتاح في كل الليالي وكان يقول في نهاية الدعاء إلهي اجعل الشهادة من نصيبي. ثم كنت أقول له ما هي فائدة دعاء الافتتاح؟ فكا يقول ان دعاء الافتتاح يتضمن طلب الشهادة في آخر عبارة منه وانه لم يكن يترك صلاة الليل حتى عندما كان قد تعذب وضُرب بالسوط.

يمشى زحفا وبأيدي وأرجل مكسورة

ان تصريحاته حول حكومة الشاه الصارمة والأجانب والتأكيد على حقانية نضال الإمام الخميني قدس سره وطريقه، قد زرع في قلب النظام وعملاءه الحقد والغضب تجاه غفاري على هذا تم انتقاله إلى الزنزانة الانفرادية وكان يتعرض للتعذيب يوميا ان كبر السن والضعف الجسدي، قلل من قوته تجاه التعذيب إذ  عندما قامت أسرته في آخر لقاء لهم به، شاهدوا الموظفين يحملونه نتيجة التعذيب إذ لم يكن بقادر على المشي يقول ابنه عن آخر لقاءه بوالده يوما قبل الاستشهاد: كان عملاء السافاك جاءوا بوالدي في آخر لقاءنا به وأيديه وأرجله مكسورة ولم يبق في فمه أكثر من ضرسين فقط أما وجهه وبدنه فقد كان منهاراً تحت التعذيب البربري، ووضعوه خلف الكرسي. ولم يجر بيننا أكثر من جملتين من الحوار انه قال أرى من المستعبد بان نلتقي ثانية.

يقول محمود بازركاني الذي كان مسجونا معه: ان السافاك قام بكافة الأعمال لكي يرغمه على الاعتراف ولم يحقق مرامه رغم استخدامه أنواع التعذيب حتى قرروا بان حلقوا لحيته ان وقع هذا الأمر كان كبيرا على نفسه ان هذا الأمر كان يمثل توجيه ضربة قاضية لع وعلى شخصيته. عندما حلقوا لحيته جاؤوا له الزنزانة فمنذ ان دخل الزنزانة لم يتفوه بأي كلمة ولم يتناول أي شيء بعد فترة ساءت حالته على هذا بدا السجناء بالصراخ وهذا ما أدى إلى نقله إلى المستشفى بعدما نقلوه لم يصلنا أي خبر منه حتى فكلما كنا نسأل عنه كلما نواجه رفضا في تقديم الإجابة حتى عرفنا في اليوم الثاني بأنه رحل عن الدنيا واستشهد.

وهكذا رحل هذا العالم الإلهي عن الدنيا في الساعة 2 ظهرا في 6 من شهر دي 1353 عن الدنيا وعن المكان المؤلم الذي قضى فيها الأيام الأخيرة فيها واجتاز اختبار العبودية ونال ما تمناه من وصال المعبود.

طلب السافاك من أسرة الشهيد وبعد الإعلان عن استشهاد ان يراجعوا إلى قسم الادعاء العام في الجيش لتسليم الجثة دون إثارة الضوضاء ودون ان يخبروا أحدا. بداية طلبوا مهددين الأسرة بأنه توفى في المستشفى نتيجة تعرضه للأمراض وان يوقعوا على هذا لكن رفضت أسرة الشهيد عن التوقيع على ورقة الوفاة على هذا اضطرت إدارة الأمن إرسال جثمانه ليلا لدفه بشكل خفي.

لكن وصل الخبر إلى الطلبة وأهالي مدينة قم وشاركوا في تشييع جثمان الشهيد في السابع من شهر تير صباحا. كما انضم عدد من مراجع التقليد عند تشييع الجثمان في الطرق إلى حرم السيدة معصومة سلام الله عليها. ان المتواجدين أطلقوا شعارات معارضة للحكومة أدت إلى اعتقال عدد من الطلاب. وارى الشهيد الثرى في مقبرة وادي السلام وكان يسمع صوت الناس المتواجدين من كافة أنحاء المقبرة والطرق المنتهية إليها إذ كانوا يرددون: قتل في زاوية من السجن وتلطخ بدمائه.

تحولت مراسيم تشييع الشهيد في ختامها إلى مظاهرات عارمة معارضة للنظام البهلوي وقامت الشرطة والسافاك بقمع علماء الدين والناس. تحولت كافة أنحاء مدينة قم إلى ساحة المظاهرات وتم اعتقال ما يقارب 600 شخص وحكم عليهم في السجن من 3 أشهر إلى 3 سنوات. بعد أيام أقام آية الله كلبايكاني مراسم كبيرة للمرحوم آية الله الشيخ حسين غفاري في المسجد الأعظم في قم. ان استشهاد آية الله غفاري كان له صدى واسع في أوساط الطلاب والتنظيمات والجماعات المناضلة وتجاوز التنديد به حدود البلاد وأرسلت شخصيات من لبنان وفلسطين والعراق وكافة الدول الإسلامية وحتى الأوروبية رسائل تعزية والتنديد بهذه الجريمة.

كما قال إمام الأمة حول استشهاد آية الله غفاري في الـ 13 من شهر آبان عام 57: ان ألمنا هو انهم حبسونا والقونا في السجن ان ألمنا هو انهم قصوا أرجل العلماء (إشارة إلى آية الله غفاري)، واحرقوا البعض بالزيت، ان ألمنا هو ان علماءنا حبسوا لعشرة سنوات و15 سنوات و8 سنوات و7 سنوات.

حنون ورءوف

يقول ابنه: ان أبي كان متقيا حقا. أي انه لم يكن من المتقين الذين يتظاهرون بالتقوى. ان بيتنا كان مليئا بالإيمان مع انه كان فقيرا. كان أبي حنونا في التعامل مع أمي وبنا جميعا ولم نر بان والدي يتحدث معي أمي بأمي في السنوات السبع الأخيرة من حياته كانت والدتي مريضة ولم تكن تستطيع القيام بأي عمل فكان يجب على الأطفال أم أبي غسل الظروف أو الملابس. كانت أمي تعاني من وجع المفاصل (الروماتزم) وكانت تلبس عدة ملابس كان أبي يغسل كافة الملابس بيده كنا نذهب إلى قم برفقة أبي عدة مرات ولم يكن أبي يتناول أي شيء خارج البيت، فنبقى جوعى حتى نرجع إلى طهران. كان يقول: ان أمكم وحيدة في البيت وإذا بقت المرأة في البيت وحيدة وتناول الرجل الطعام خارج البيت، فان الرجل ليس سعيدا.

كلمات من آية الله غفاري

عندما يخلص الشاعر نيته نحو الكعبة

يكسو الإحرام صبرا ورضاء

يتخذ طريق الصحاري كالغريب

فيترك العشيرة والبلد والأقرباء

لا يهرب من الشدائد ومعاناة السفر

ويتحمل شوك الجفاء في الطريق.

قائمة مراجعة وتحرير

شخصيات تركت: 500
التعليق مطلوب