المقالات

الأخلاق من وجهة نظر الإمام الخامنئي

 
المجتمع الذي تشيع فيه الأخلاق الحسنة، و يتمتع فيه الناس بالأخلاق الطيبة كالتجاوز عن المسيئ و الأخوة و الإحسان و العدل و العلم و طلب الحق و الإنصاف و لا تنتشر بين أبنائه الصفات الرذيلة، سيعيش مثل هؤلاء الناس حياة الجنان. الهوية الحقيقية للمجتمع هي هويته الأخلاقية. أي إن الركيزة الرئيسية للمجتمع هي نموذجه الأخلاقي الذي يتشكل كل شيء علي أساسه. إذا فرغ الشعب إو البلد من المبادئ الأخلاقية و المعنوية فقد خسر هويته الحقيقية.
تم توضيح و تفصيل الأخلاق و المكارم الأخلاقية في الشرع الإسلامي المقدس، سواء تلك الأمور المتعلقة بالإنسان نفسه - كالصبر و الشكر و الإخلاص و القناعة - أو الأمور ذات الصلة بعلاقة الناس فيما بينهم - كالتجاوز و التواضع و الإيثار و تكريم البشر - أو الأمور المتصلة بكل المجتمع الإسلامي. للأخلاق الإسلامية مديات واسعة جداً. إنها الأمور التي انصبت عليها معظم جهود كل الأنبياء و الأولياء و الأديان الإلهية الكبري و جهود نبي الإسلام الأكرم و الأئمة و الشخصيات الكبري في الإسلام. و الحقيقة أن أحد الحدود الفاصلة بين الإسلام و الجاهلية هي مسألة الأخلاق.
كل الانحرافات التي تحصل في المجتمع تعود جذورها و أصولها إلي أخلاقنا، فالخصائص و الخصال الأخلاقية للبشر هي التي ترسم أعمالهم و توجهها. إذا كنا نشاهد اعوجاجات سلوكية في أحد المجتمعات أو علي مستوي العالم فيجب البحث عن جذور ذلك في الأخلاق الذميمة. و نحن نلاحظ علي مستوي‌ العالم أن غالبية الفجائع التي تنزل ببني البشر ناجمة عن الأخلاق السيئة و المفاسد الموجودة في أخلاق بعض الأفراد. طبعاً لا ننسي الأسباب السياسية و الاقتصادية. و لكن إذا بحثنا و دققنا في جذور كل هذه الأمور لوجدنا عنصر سوء الأخلاق فيها. مشكلات البشرية اليوم ناتجة عن حالات الطغيان السياسي في العالم و الطغيان يرجع إلي المشكلة الأخلاقية، كما أن مشكلات عموم الناس تعود إلي جهلهم غالباً.
إذا كان ثمة‌ اليوم في العالم ظلم و هيمنة، و الحضارة الغربية العنيفة تملأ العالم بأجواء العنف و الظلم و العسف و الباطل و هيمنة القوي الكبري‌ علي الشعوب و نهب أموالهم من قبل الأقطاب العالمية فما هذا إلا بسبب عزلة المعنوية و الأخلاق الإنسانية. حينما تكون المعنوية‌ و الأخلاق والفضيلة معزولة فسيتغلب الشر و الفساد و تعظم قيمة المال و القوة و لن يلاحظ أصحاب السلطة و الثروة أي مانع للوصول إلي أهدافهم و سيصبح العالم كما ترونه اليوم.
هناك في الديمقراطيات الغربية صلاحيات معينة تراعي فيها غالباً الانتماءات الحزبية. و في نظام الجمهورية‌ الإسلامية لا بد من الكفاءة الأخلاقية و العقيدية إلي جانب العلم و الكفاءة السياسية. لا يقول البعض إن الأخلاق و العقيدة قضية شخصية. نعم، الأخلاق و العقيدة قضية شخصية إلا أن العقيدة و الأخلاق بالنسبة للمسؤول ليست قضية شخصية بل هي قضية اجتماعية عامة لأنه يتحكم في مصير الآخرين. مثل هذا الشخص يحتاج فضلاً عن الكفاءة الذاتية و العلم و المعرفة الذاتية إلي شجاعة أخلاقية و تقوي دينية و سياسية و عقيدة سليمة.
قضية الأخلاق مهمة جداً. لذلك لا يمكن للنظام الإسلامي أن لا يكترث لثقافة شعبه و أخلاقهم. النظام الإسلامي ليس نظاماً يحصر تفكيره في الاحتفاظ بالسلطة و لا يأبه لسلوكيات جماهيره حتي لو وقعوا في هاوية أخلاقية. النظام الإسلامي يعاني من الأمور التي تتسبب في انحراف الناس و ضلالهم. هذا هو منهج الرسول الكريم و يجب علي‌ النظام الإسلامي أن يسير علي نفس المنهج. ليس بوسع النظام الإسلامي أن لا يبالي لآلآم الناس المعنوية و الجسمية و ضلالاتهم الفكرية و القلبية.
و أخلاقنا يجب أن تكون مطابقة لما نقوله و ندعو إليه. إذا كانت خطواتنا ثابتة في الطرق التي نؤمن بها و ندعو إليها و نثبت عملياً أن كلامنا يؤثر في البيئة التي ينتشر فيها عندئذ لن تكون هناك حاجة للإصرار و الضغط و القوة، إنما جاذبية العمل نفسها ستدفع الآخرين للانسجام معه و مواكبته و التناغم معه.
طبعاً في التحول الاجتماعي فإن الشيء الذي يصلح و يتغيّر متأخراً علي كل الأشياء الأخري‌ هو الأخلاق. و الأخلاق هنا ليست بمعني‌ السلوك. طبعاً سلوك الأفراد مع بعضهم و الذي يسميه العرفاء بـ « الأخلاق » هو أيضاً يتغيّر متأخراً بيد أن مرادنا ليس هذا. الشيء الذي يتغير عقب كل الأشياء الأخري هو أخلاق البشر سواء الأخلاق الفردية أو الأخلاق الجمعية، حيث للمجتمعات الإنسانية في العالم أخلاق متفاوتة و قد يعرف قوم بالعصبية و قوم بالركون للراحة و الدعة و... هذه تتغير متأخرة جداً. إذا كان ثمة شيء سلبي أو أخلاق ذميمة من هذا القبيل لدي قوم فإنها بطيئة التغيير جداً.
لحسن الحظ فإن شعبنا و خصوصاً شبابنا تقدموا كثيراً علي الصعيد المعنوي خلال هذه الأعوام الأخيرة. إلا أن التحول الأخلاقي ليس هذا و حسب. ربما أمكن القول إن التحول الأخلاقي للشعب أصعب و لذلك فإن المخاطب الأول و المسؤول الأول في مسألة التحول الأخلاقي هم الشباب الذين يستطيعون إنجاز المهام بسهولة أكبر. قلوب الشباب نورانية و فطرتهم سليمة نظيفة. تلوثهم بزخارف الدنيا و أدرانها و تقيدهم بأغلال ثقيلة من قبيل حب المال و الجاه و السلطة أقل بكثير، و بذا فالتحول الأخلاقي لدي الشباب أسهل. طبعاً يجب أن لا ييأس الكهول من التحول الأخلاقي في أنفسهم. التحول الأخلاقي معناه أن يترك الإنسان كل رذيلة أخلاقية و كل الأخلاق الذميمة و كل الطباع السيئة و القبيحة التي تؤذي الآخرين أو تؤدي إلي تخلف الشخص نفسه، و يحلي نفسه بالفضائل و الخصال الأخلاقية الحسنة. في المجتمع الذي يخلو من الحقد و سوء النية إذا كان لدي البعض أفكار جيدة فلن يستخدموها للتآمر علي الآخرين و غشهم و خداعهم، و إذا كان لدي البعض ثقافة و معلومات فلن يستخدموها في سبيل الإضرار بالناس و مساعدة أعداء الشعب، إنما سيريد كل أفراد المجتمع الخير لبعضهم فلا يحقدون علي بعض و لا يحسدون بعض و لا يشيدون صرح حياتهم علي حساب حياة الآخرين و لا ينشدون الاستحواذ علي‌ كل شيء. هذا هو التحول الأخلاقي و الحد الأدني للمسألة. لذلك كان الأساس في الثورة الإسلامية في إيران هو صناعة الإنسان و صناعة الإنسان هي بالدرجة الأولي إصلاح الروح و بناؤها. سكينة الإنسان تنجم عن الروح و الأخلاق التي ينبغي أن تستمد و تنبع من الدين. هذه هي صناعة الإنسان التي تغيّتها بالدرجة الأولي‌ كل الثورات الإلهية و بعثة الأنبياء. فالإنسان إذا تغيّر تغيّر العالم.

قائمة مراجعة وتحرير

شخصيات تركت: 500
التعليق مطلوب