الأخبار

حكايات من الأقصى

في ظل الأوضاع الخطيرة المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك، من مشاريع التهويد والاقتحامات ومخططات منظمات "الهيكل" المزعوم، والصمت المريب للأنظمة العربية والإسلامية، وعلى الرغم منها، تُنسج يومياً في المسجد الأقصى حكايات صمود لأشخاص ينادَون بـ "ناس الأقصى"، بفضل رباطهم المتواصل فيه.

الموقع الاعلامي لمركز متابعة شوؤن المساجد (محراب)، في ظل الأوضاع الخطيرة المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك، من مشاريع التهويد والاقتحامات ومخططات منظمات "الهيكل" المزعوم، والصمت المريب للأنظمة العربية والإسلامية، وعلى الرغم منها، تُنسج يومياً في المسجد الأقصى حكايات صمود لأشخاص ينادَون بـ "ناس الأقصى"، بفضل رباطهم المتواصل فيه، واستعدادهم غير المحدود لبذل أي جهد في سبيله. ففي كل يوم هناك حكاية، أو أكثر، تجسّد الواقع الذي يعيشه الأقصى وناسه، وتحدياتهم اليومية أمام غطرسة الاحتلال والمقتحمين.

ورغم أن الاحتلال يستخدم لغة البطش والقوة في تعامله مع المصلين، إلا أنهم ينتصرون بقوة إيمانهم وقناعتهم بعدالة قضيتهم وحقهم الخالص في المسجد الأقصى المبارك. وسنحاول من خلال أربع حكايات جرت هذا الأسبوع، أن نسرد الواقع اليومي في المسجد الأقصى، وأن نتعرف على الأحداث التي تنسج خيوطه.

انتو مش قدّ هديل

هديل، 10 سنوات، أرادت أن تدخل المسجد الأقصى صباح يوم الأحد. "اليوم ممنوع، إذا بترجعي كمان مرّة بضربك" زجرها عنصر الاحتلال الواقف عند باب الناظر. لم تعرف الطفلة المقدسية هديل الرجبي سبب منعها من الدخول، ومع ذلك لم ترضخ له وحاولت الدخول من أبواب أخرى، إلا أن الرد في جميعها كان مماثلاً؛ ممنوع!

بعد فشل محاولاتها دخول المسجد الأقصى، وقفت الطفلة هديل عند باب السلسلة، باكية، إلى جانب المرابطات المُبعدات عن المسجد. وبعد لحظات قصيرة، مرّ شخص من الداخل الفلسطيني ورآها وهي تبكي. وأمام إصرارها على دخول المسجد، أخذ الرجل بيدها وأدخلها معه بين جموع المصلين، على أنها ابنته، دون أن يلحظها جنود الاحتلال.

رغم صغر سنها، فإن الطفلة هديل، التي تسكن بالقرب من المسجد الأقصى، مرّت بتجارب كثيرة مع قوات الاحتلال فيه. آخرها كان الشهر الماضي حين اعتدى عليها أحد عناصر الاحتلال داخل المسجد، بحجة التكبير. "رأيت مجموعة مستوطنين في المسجد الأقصى، فبدأت فوراً بالتكبير. وإذا بشرطي يمسك بي ويدفعني بقوة ويتلفظ نحوي بعبارات بذيئة"، ببراءة الأطفال روت هديل حادثة الاعتداء عليها.

ضاعفت هذه التجارب من حب المسجد الأقصى المبارك لدى الطفلة هديل الرجبي، وكونت لديها مناعة من الخوف أو الخنوع لغطرسة عناصر الاحتلال. وفي صباح اليوم التالي كانت في طليعة الوافدين إلى المسجد الأقصى، وعبرت الحاجز وهي ترمق عناصر الاحتلال بنظرة تحدٍّ، أداروا وجوههم لتفادي روح النصر فيها، بعد أن فشلوا في ردعها عن القدوم مجدداً الى المسجد الأقصى.

"عملية اختطاف مُحكمة"

سيدتان وفتاة يمشين صباح الاثنين في الرواق الغربي للمسجد الأقصى المبارك، ويقتربن من باب السلسلة. فجأة ومن دون سابق إنذار، انقضّ أربعة عناصر احتلال على المصليات الثلاث واقتادوهن خلال ثوان معدودة خارج أسوار المسجد، في مشهد يشبه عمليات الاختطاف المحكمة، كما أفاد شهود عيان.

"نحن نعتبر ما جرى بمثابة عملية اختطاف نفذها الاحتلال في المسجد الأقصى"، قال مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكيسواني في حديثه لـ "كيوبرس". وأضاف: "اختطاف المصلين هو اعتداء على حرمة المسجد الأقصى ودائرة الأوقاف الإسلامية، ومن شأنه أن يوتّر الأوضاع في القدس والمسجد الأقصى"، قال محذرا.

إكرام غزاوي، والدة إحدى المختطفات، هرعت فور سماعها نبأ الاختطاف إلى باب السلسلة للبحث عن ابنتها. إلا أنه فور وصولها، اعتقلها عناصر الاحتلال إلى جانب ابنتها، وحولن جميعا إلى مركز "القشلة" للتحقيق.

استنكار دائرة الأوقاف لعملية الاختطاف، لم يشفع للمختطفات في مركز القشلة. إذ لم تفرج قوات الاحتلال عنهن إلا بعد تحقيق مطوّل حتى ساعة متأخرة من المساء، وسلّمت ثلاث منهن أوامر مثول أمام محكمة الصلح في القدس المحتلة.

وفي اليوم التالي، بعد انتهاء جلسة محاكمتهن، أصدر القاضي أوامر إبعاد بحقهن تراوحت مدتها بين 45 يوما إلى ثلاثة أشهر، لتنضم المقدسيات الثلاث إلى ركب المبعدات والمبعدين عن المسجد الأقصى. إلا أنه فور خروجهن من أروقة المحكمة، هتفت إحداهن قائلة: "مش رح يكسرونا .. راجعين".

بعد عودته الأسبوع الماضي من رحلة العمرة، خرج الحاج طه شواهنة (أبو علي) من سخنين برفقة صديقه من قرية المكر، لزيارة المسجد الأقصى المبارك. ولم يخطر في بالهما أنهما سيقضيان اليوم في غرف التحقيق في القشلة، وأنهما سيبعدان عن المسجد الأقصى 30 يوما، بتهمة ارتكاب "جريمة" التكبير.

إلا أنه في اليوم التالي، كان الشيخان يحتسيان القهوة عند أحد أبواب المسجد الأقصى، وابتسامة عريضة على وجهيهما. "لن يستطيع الاحتلال أن يمنعنا من الوصول إلى المسجد الأقصى. سنبقى مرابطين هنا إلى أن ندخل مجددا"، قال الحاج أبو علي بينما كان يوزع الحلوى على المصلين أثناء دخولهم، ويكبِّر بصوته الجهوري.

ويمضي الشيخان أبو علي وصديقه أسبوعهما مرابطين عند مداخل المسجد الأقصى، يستقبلان المصلين بابتسامتهما المعهودة، ويقابلان استفزازات المقتحمين أثناء خروجهم من باب السلسلة، بالتكبير والتهليل. ولا بد لأي شخص يزور المسجد الأقصى قريبا، أن يلتقي الشيخَين عند أحد مداخله، فيحتسي معهما القهوة أو يقرأ سورة من القرآن الكريم، أو ربّما يطلق معهما العنان للتكبير رداً على استفزازات المستوطنين. 

دموع الشوق والقهر

"دخلت وجاهدت نفسي ألّا تسبقني الدموع، ولمعت عيناي من الفرح برؤية القبة الذهبية، وقد عانقتني فرحة الجميع، إلا عيون حاقدة متربصة ترقب الفرحة عن بعد لتنغصها".

كتبت المقدسية خديجة خويص (أم أحمد) على صفحتها في الفيسبوك، في يومها الأول من عودتها إلى المسجد الأقصى المبارك. فبعد انقضاء ستين يوما من الإبعاد عن المسجد الأقصى، عادت صباح الاثنين وهي تحبس دموعها شوقاً، للقاء من رابطن على أعتابه طيلة فترة الإبعاد.
" أبقِ عينك عليها " أمر ضابط أمن الاحتلال في المسجد الأقصى أحد عناصره.

ولم يكفّ هذا العنصر عن مراقبة أم أحمد حتى اعتقلت في مركز شرطة "بيت الياهو"، بتهمة الإساءة إلى شرطي. وبعد تنغيص فرحة العودة، أفرجت قوات الاحتلال عن أم أحمد لتعود إلى المسجد الأقصى، بينما لم تستطع هذه المرّة أن تحبس دموعها، قهراً.

وفي اليوم التالي، استيقظت أم أحمد وفي عينيها بريق من الأمل والإصرار؛ لن يستطيع أحد أن ينتزعه، كما قالت. وتوجهت باكرا إلى المسجد الأقصى واثقة الخطى، تمشي ملَكاً.

 

 حكايات من الأقصى حكايات من الأقصى

 

 

١٢ رجب ١٤٣٦ ۱۷:۳۷

قائمة مراجعة وتحرير

شخصيات تركت: 500
التعليق مطلوب