الأخبار

العشر الأوائل من ذي الحجة ،أيام طاعة وعبادة وذكر...

إن لله تعالى نفحات على عباده تتجلَّى في أوقات وأماكن يختارُها المولى جل شأنه ويصطفيها ترغيباً في الطاعة ومُضاعَفة للثواب، حتى يزداد الناس حبًّا لله واستقامةً على سبيل الرشاد، من هذه النفَحات عشر ذي الحجة، من أول شهر ذي الحجة إلى اليوم العاشر منه وهو المسمى يوم النحر أو عيد الأضحى.
ويقول العلامة السيد علي فضل الله: دعانا الله إلى إحياء الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة بلياليها، بالصلاة والدعاء والتهليل والتكبير، والصيام عدا يوم العيد. ومن هذه الأيام المباركة، يوم عرفة الذي لا يختص بالحجاج وحدهم، وهو اليوم الذي تغفر فيه الذنوب، ويعتق الله عباده من النار. وتتوج هذه الأيام بيوم العيد، يوم توزيع النتائج لمن أحسن عملا ولم يقصر".

لم يرد الله سبحانه وتعالى أن تكون أيام شهر ذي الحجة أياما خاصة بالحجاج فقط، بل أراد لكل المسلمين أن يعيشوا الأجواء الروحية والإيمانية حيثما كانوا. ونحن أحوج ما نكون إلى التزود من بركات هذه الأيام ومن أجوائها الروحية، في مواجهة ما يتحدانا من طغيان المادة والشهوات ووسوسات الشياطين والنفس الأمارة بالسوء. وبذلك، نصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات التي نواجهها الآن.

واما الدكتور أحمد عمر هاشم من علماء الأزهر فقد قال: إنها أيام طاعة وعبادة وذكر, وتآلف وتعاطف بين جميع المسلمين.. من كانوا يؤدون فريضة الحج, ومن كانوا في أوطانهم, وحيث إن الأيام العشرة أيام عبادة وطاعة, وفيها من العطاء المتبادل بين المسلمين ما فيها, كما أن فيها من الألفة والمودة والتعاطف ما فيها, مما يستوجب على كل الموحدين أن يقدروا عظمة هذه الأيام, وما فيها من حرمة ومنزلة, ومن مودة ووفاق, فتكون الأيام الكريمة دعوة حق ونداء صدق, أن يثوب الجميع إلى رشدهم, وأن يتوبوا إلى ربهم, وأن يكونوا متحدين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.

وأضاف: وبعدها يكون العيد.. وللأعياد في الإسلام منزلة كريمة, وأهمية عظيمة.. إنها تمثل فواصل زمنية بين العبادات, وتعمل على تصفية القلوب, ونقاء الضمائر, وانتشار الألفة والمحبة بين الناس، وتتجلى إشراقاتها على المجتمع الإسلامي فإذا بهم يزدادون حبا ومودة, ويتم التواصي بينهم وبين أرحامهم, ويألفون ويؤلفون، وقد ارتبطت الأعياد في الإسلام بالعبادات, فعيد الفطر يأتي عقب فريضة الصيام, وعيد الأضحى يأتي مع عبادة الحج إلى بيت الله الحرام, فيكبر الناس ربهم على ما هداهم إليه من عبادات وطاعات.

وشرع الإسلام صلاة العيد وجعل في كل عيد عطاء من الأخ لأخيه, وأهله وذويه, ففي عيد الفطر يقدم زكاة الفطر للمحتاجين طهرة للصائم من الغلو والرفث, وطعمة للمساكين, وفي عيد الأضحى يذبح من كان قادرا أضحيته ويبعث بها إلى الأهل والفقراء والمحتاجين, وهذه الأضحية يغفر الله تعالى ذنوب صاحبها عند أول قطرة من دمائها.

وكانت الأضحية سنة مؤكدة, تحيي ذكرى فداء إسماعيل, حين رأى إبراهيم في المنام أنه يذبحه, وقال لابنه: فانظر ماذا ترى؟ فأجابه قائلا: يا أبت افعل ما تؤمر, فلما أسلما وتله للجبين, أي ألقاه على جبينه حتى لا ينظر إليه فتتأثر العاطفة, ناداه ربه: {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا, إنا كذلك نجزي المحسنين, إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم}، فكانت الأضحية سنة مؤكدة, وكانت إحياء لتلك الذكرى, وفي الوقت نفسه إطعاما للأهل والمحتاجين, وتوسعة على الأهل, وعلى العباد.

 أما الدكتور منصور مندور من الأئمة بوزارة الأوقاف المصرية فيقول إن الحكمة في تخصيص عشر ذي الحجة بهذه المزية اجتماع أمهات العبادة فيها الحج والصدقة والصيام والصلاة والذبح والذكر ولا يتأتى ذلك مجتمعا في غيرها, ثم أنها من الأشهر الحرم التي حرم الله تبارك وتعالى الظلم فيها: فلا تظلموا فيهن أنفسكم. ولحديث: إن لربكم في أيام دهركم نفحات, ألا فتعرضوا لها, فعطاء الله تعالى لا ينقطع عن عباده, فبين الحين والآخر تظهر مواسم الخير وتفتح أبواب الرحمات, إنها حقا تجليات مقربات يصيب بها من يشاء من عباده, وذلك بتطهير القلب وتزكيته عن الخبث والحقد والحسد والأخلاق المذمومة, وعلى العاقل أن يطلب الخير في مواطنه, فمن داوم الطلب يوشك أن يصادف وقت الفتح فيظفر بالغنى الأكبر ويسعد السعد الأفخر.

وإذا كنت فاتك الحج هذا العام فإن الله تعالى أتاح لك فرصة وفتح لك بابا من أبواب الخير تلج منه إلى رحاب الخير والغفران, وذلك بمضاعفة الأجر والثواب والرحمة والغفران في هذه الأيام المباركة التي يعدل العمل فيها عمل الجهاد في سبيل الله تعالى. وعن كيفية حصول من لم يحج على أجر الحج.

بدوره يقول الدكتور محمد أبو ليلة أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر: إن المسلم يحصل على ثواب الحج وهو في مكانه كأن يكون على نية دائمة إذا استطاع الحج فإنه سيحج, كما يكون عنده شوق لرؤية الكعبة وزيارة قبر النبي, صلى الله عليه وسلم, وجميع المشاهد والمناسك, ويعيش بقلبه مع الحجاج, ويتخلق بأخلاق الحج فلا يفسق ولا يلغو ولا يجادل في موسم الحج, وأن ينوي الأضحية إذا كان قادرا وإذا نوى أن يضحي فلا يقلم أظافره ولا يحلق شعره حتى يذبح الأضحية وأن يكون على خلق كأنه في البيت الحرام وبهذا يمكن للإنسان أن يحصل على أجر الحج وهو في بيته.
٤ ذوالحجه ١٤٣٧ ۱۴:۲۰

قائمة مراجعة وتحرير

شخصيات تركت: 500
التعليق مطلوب