Articles

الشهید آیة الله فضل الله نوری

 8/3/2014

إمام جماعة مسجد نوری ها (الشیخ فضل الله حالیا)

حب میرزا الشیرازی

ولد الشهید الشیخ فضل الله کجوری الشهیر بـ نوری فی الثانی من ذی الحجة عام 1259 فی قریة لاشک فی منطقة کجور الواقعة فی مدینة نور مازندران وترعرع فی القطاع المرکزی الحالی لنور. کان والده ملا عباس مازندرانی کجوری الشهیر بـ بیش نماز من الأشخاص الموثوق بهم فی المنطقة ومن علماء الدین البارزین. بعدما أکمل فضل الله دراساته الابتدائیة، فی مدینته هاجر إلى طهران وأکمل دراسات السطح فیها. ثم هاجر إلى النجف لإکمال دراساته وحضر صفوف کبار العلماء کـ میرزا حبیب الله رشتی والشیخ راضی وشیخ مهدی آل کاشف الغطا ومیرزا شیرازی وأصبح مجتهدا بارزا وفقیها شهیرا. ان هیبة الأستاذ ومهابته ذکاءه، جعل الطلبة الشاب مجذوبا إلیه إذ ترک حوزة النجف واتجه إلى سامراء بعدما هاجر میرزا الشیرازی إلى سامراء.

فی طهران؛ من إمام الجماعة إلى السیاسة

ان المکانة السیاسیة والاجتماعیة الخاصة لإیران أدت إلى رجوع الشیخ فضل الله إلى طهران عام 1303 بعدما أمره میرزا الشیرازی بهذا الأمر وبهدف توجیه المجتمع الإیرانی وقیادته. انه بعد الهجرة إلى طهران أصبح إمام الجماعة فی مسجد نوری ها وقام بالکتابة فی مجال العلوم الإسلامیة وتدریسها. ان معرفته بالفقه والأصول وکافة العلوم الأخرى ومعرفته بالقضایا المجتمع الیومیة، أدت به لکی یصبح محل اهتمام الطلاب وعلماء الدین. کانت صفوف درس الشیخ فی طهران لها أهمیة ووزن خاص وکان یفتخر الکثیر من علماء الدین بالحضور فی صفوفه وکان یستفید الکثیر من المجتهدین من علمه کما کان الکثیر من علماء طهران یحضرون فی صفوفه.

فی نهضة التنباک

ان الشیخ فضل الله لعب دورا کبیرا فی نهضة التنباک؛ التی کانت أول ثورة شاملة بقیادة علماء الدین. انه کان أول عالم یقوم بدعم میرزا آشتیانی وفی خضم هذه الحادثة کان مندوب میرزا الشیرازی الأمین فی طهران. إذ بعد إلغاء معاهدة حصر التنباک وما لم یتأکد میرزا الشیرازی بواسطة الشیخ فضل الله من إلغاء المعاهدة، لم یلغی حکم تحریم استعمال التنباک. فی الواقع بعد تحقیق الانتصار فی حادثة تحریم التنباک قد بدا بحرکة إصلاحیة بمحوریة علماء الدین.

فی حادثة مسیو نوج

فی شهر محرم عام 1324 إذ کان الخطباء فی المجالس الدینیة ینتقدون حکومة مظفر الدین شاه المضطربة، نُشرت صورة من مسیو نوج البلجیکی الذی کان یعمل فی دائرة الجمارک الإیرانیة، وهو فی لباس علماء الدین. اعتبر العلماء والمتدینون الصورة إهانة لعلماء الدین ولهذا أقاموا مظاهرات فی السوق. ان هذه الحادثة فی طهران إضافة إلى إحداث المدن الأخرى منها غضب أهالی کرمان بسبب التعامل السیئ لحکام کرمان مع علماء الدین هناک وغضب أهالی خراسان وقزوین وسبزوار من الحکام المحلیین، أدت إلى ظهور حالة من الاستیاء على مستوى البلاد. ان الناس والتجار اعتصموا فی مسجد فی طهران. انضم إلیهم آیة الله طبطبائی وآیة الله بهبهانی وأقیمت مظاهرات، لکن القوات الحکومیة شنوا الهجوم علیها. لجأ علماء الدین برفقة الناس إلى حرم عبد العظیم علیه السلام وعبروا عن مطالبهم هناک للشاه إذ کان أهمها تنفیذ قوانین الإسلام وتأسیس عدالتخانة. بعد ما تمت الموافقة مع مطالب المهاجرین، عاد علماء الدین والناس إلى المدینة لکن عارض عین الدولة مع مطالبهم لانها کانت تحد من سلطاته وقام بسجن ونفی المطالبین بالعدالة. شدد الناس من وتیرة النضال وقاموا بمظاهرات بقیادة علماء الدین وانضم الشیخ إلى المناضلین لدعم نهضة المطالبة بعدالتخانه. انه فی بدایة التعاون معهم قال: اننی لا أرضی بإهانة علماء الدین والشرعیة ولا أترککم وحیدا فکل ما تقومون به اننی أوافقکم لکن یجب ان یکون الهدف هو الإسلام والشرع.

لو کان الهدف تقویة الإسلام، لما کانت بریطانیا تدعمه

بعد هجرة العلماء وعلماء الدین إلى مدینة قم، أصبحت المدینة تعیش حالة عطلة وأصبح الناس قلقین. ان هذا القلق جعل حکومة بریطانیا الاستعماریة ان تستغل الظروف وتتغلغل فی النهضة. وبهاذ تنافس الحکومة الروسیة التی کانت تدیر الأمور فی بلاط قاجار. على هذا وبواسطة الماسونیین والمثقفین التابعین لها تغلغلت فی صفوف المناضلین وبواسطة بث شائعة هجوم الحکومة على الناس، مهدت الأرضیة لاعتصام الناس فی سفارتها وبهذا بدا الاعتصام فی السفارة. کان من رواد هذا الاعتصام حاج أمین الضراب وحاجی شاهرودی وعدد آخرین. ان نهضة عدالتخانه التی کانت لها أسس إسلامیة، أضفى علیها الطابع الغربی منذ هذه المرحلة وأصبح الناس یتحدثون عن الحکومة الدستوریة شیئا فشیئا. ان المطالبات کانت فی بدایتها تتبلور فی تنفیذ قوانین الإسلام وتأسیس عدالتخانه، لکن حلت المطالبة بالحکومة الدستوریة ومجلس الشورى القومی محلها.

فی لقاء جمع ممثلی الحکومة بالمعتصمین والعلماء، سال الشیخ فضل الله نوری عن الأعمال التی تقوم بها الحکومة مستقبلا وقبل بتحدید سلطة البلاط والحکومة، لکنه احتج على "الحریة التامة" واعتبرها خلافا للشرع کما اعتبر وضع قانون فی النقیض من قوانین الإسلام بغیر الجائز. هذا الأمر کشف عن عمق اختلاف رؤیته مع المطالبین بالدستوریة الآخرین. على اثر القبول لمطالب المناضلین رجع العلماء وعلماء الدین المعتصمین فی قم، إلى طهران لکن المعتصمین فی السفارة الذین کانوا یتناولون الطعام من اوانی السفارة البریطانیة، لم یخرجوا من السفارة وطالبوا بتغییر مجلس الشورى الإسلامی بمجلس الشورى الوطنی؛ أما الشیخ فضل الله الذی لم یکن یتحمل هذا الأمر کما یبدو من کتاباته قال: یا صاح لو کان القصد تقویة الإسلام لم تکن بریطانیا الداعمة وإذا کان الهدف العمل بالقرآن لم یکونوا لیخدعوا العامة ولم یلجئوا إلى الکفر ولم یجعلوهم مکان لصون الأسرار ومساعدین لهم أی أحمق یقبل بان الکفر یدعم الإسلام؟

أخیرا وبعد مفاوضات وتغییر مجلس الشورى الإسلامی إلى مجلس الشورى الوطنی، خرجوا من السافرة وبعد هذا وبانتخاب المندوبین، افتتح المجلس یوم الأحد الثامن عشر من شعبان 1324.

الدستور

من أهم أعمال المجلس کان إعداد الدستور. هناک رأیان مختلفان حول الدستور. کان علماء الدین وعلى رأسهم الشیخ فضل الله نوری یطالبون بدستور یکون على أساس الإسلام والشریعة وان المثقفین ذی النزعة الغربیة الماسونیین یطالبون بقانون مماثل لقوانین الدول الغربیة ومع الأسف کانوا یشکلون أغلبیة المجلس.

قدم الشیخ مقترحات حول الدستور للمجلس. منها ذکر المذهب الجعفری کمذهب رسمی للبلاد واصل إشراف الفقهاء على قوانین مجلس الشورى الوطنی إذ تعبر عن ذکاءه السیاسی. مع هذا عارض المجلس مع نظریاته وانه ترک المجلس احتجاجا.

إشراف الفقهاء على الدستور

بعد اتساع رقعة المعارضة مع الدستور، اضطر المجلس إلى الاهتمام برأی الشیخ وقام بتلبیة مطالب الشیخ وإزالة عیوب الدستور فی إطار متمم الدستور. بینما کان یرى تیار المطالب بالدستوریة نفسه منتصرا فی الساحة. ان الشیخ یعبر عن هذه الحادثة بألم: إلى ان کتبت التعالیم الملعونة التی سمیت بالدستور لکن لم تکن الفرقة التی تتمسک بأمور حل القضایا وعقدها وقبض المهام وبسطها، تقدم المساعدة بل انها کانت تعلن صراحة وعلنا بانه لا یمکن ان تطبق الدستوریة مع القواعد الإلهیة والإسلامیة وبهذا القرارات لا تقبلنا الدول الأجنبیة کثورة دستوریة. لکن هذا المنطق القوی لاستدلاله أدى إلى المصادقة على اللائحة المقترحة على ید أغلبیة أهل مجلس الشورى. فمنذ تلک الفترة تعرض الشیخ فضل الله إلى هجمات المثقفین ذی النزعة الغربیة الماسونیین والجاهلین الآخرین.

الشیخ المظلوم

منذ ذلک الحین، أصبحت الحریة ذریعة للصحف لکی تشن الهجوم على المقدسات الدینیة والمذهبیة. کما تم الهجوم على مجلس العزاء فی أیام الفاطمیة التی یقیمها الشیخ ومنع إقامتها فی المسجد الجامع وتم مصادرة الخیمة. فی الیوم التالی، اجتمعت جماعة فی مسجد الصدر وقامت بتحریض الناس فی خطابة ناریة وهجموا على بیت الشیخ. أخیرا قام تقی زادة بإهانة الشیخ فی المجلس وأطلقت صحیفة صور اسرافیل على الشیخ ألقاب کـ تاجر بائع الدین والشیخ فضل الله عدیم النور ومن مواد الفساد ومصادر البغض والعناد التی تجاوزت معارضته وخیانته الحدود.

معارضة الدستوریة

مع انه بجهود الشیخ ودعم علماء النجف، تمت المصادقة على أصل إشراف الفقهاء لکن بأعمال تغییرات کأصل ثانی متمم للدستور، لکن استوعب الشیخ فضل الله الذی کان یرى بأم أعینه إهانة الصحف الدین والأئمة المعصومین علیهم السلام، بان لا ضمانة لتنفیذ أصل إشراف الفقهاء وتطبیق القوانین مع شریعة الإسلام وإذا لم یتم اتخاذ تدبیر أساسی فی یومنا هذا فلا یمکن القیام بأی عمل غدا. انه لم یکن یعارض الحکومة الدستوریة وکان بحثه یدور حول الحکومة فی المجتمع الإسلامی فی إیران. انه کان یرى بان الدستور والقوانین الحقوقیة والجزائیة الأخرى یجب ان تتطابق مع قوانین الإسلام ذلک لان شعب إیران شعب مسلم ویتبع هذا الدین وعلى هذا اقترح بان تکون الحکومة دستوریة مشروعة. انه قال مرارا قسما بالله تعالى لا أعارض الدستوریة بل أعارض الملحدین والفرق الضالة والمضلة التی ترید ضرب السلام، یبدو بانکم قرأتم الصحف التی تهین الأنبیاء والأولیاء. ان مواجهة فکرة الدستوریة والمشروعة لم تقتصر بطهران وکانت فی المدن الأخرى لکن مع هذا کان المطالبین بالدستوریة أقویاء ومظلیین إذ کانت الأجواء السیاسیة والاجتماعیة موافقة تماما مع المطالبین بالدستوریة وهذا ما أدى إلى مطالبة البعض بنفی الشیخ کما خطط البعض لشن الهجوم على بیته. ان الشیخ فضل الله نوری وبغیة إیصال رسالته إلى الناس بأفضل الأشکال هاجر برفقة الناس إلى حرم عبد العظیم علیه السلام واعتصم هناک. بعد تواجد الشیخ فی حرم عبد العظیم وإرسال رسالة إلى علماء طهران، انضم إلیه عدد کبیر من الناس کما انضم إلیه بعد 3 أو 4 أیام 18 عالم مجتهد و50 واعظ و300 طلبة و200 تاجر وفی الواقع انضم إلیه ما یقارب ألفین شخص.

انه وفی إحدى خطاباته قال مخاطبا المتواجدین فی الحرم: قلت مرارا وأعید القول بانه لم أعارض الدستوریة وتحدید السلطنة ولا یمکن لأحد ان یرفض الأمر. بل من الضروری وجود الدستور والقوانین، لإصلاح أمور المملکة وتحدید السلطنة وتحدید القوانین وواجبات الدولة. لکننی أرید اعرف انه فی المملکة الإسلامیة التی یوجد فیها مجلس الشورى الوطنی وان القوانین التی یجب ان تتطابق قوانین الإسلام والقرآن أم تعارض القرآن والکتاب السماوی؟!  انه اخرج القرآن من جیبه واقسم بانه لا یعارض الدستوریة والمجلس بل انه کان أول من طالب بالدستور ولا أعارضه لکن الدستوریة وکما قلت بجل ان تتطابق مع الدستور والقوانین الداخلیة للشرع.

ان المعتصمین أصدروا صحیفة لإیضاح مواقفهم وأهدافهم تسمى اللائحة. ان المجلس الذی کان یشعر بالخطر من فضح الأمور والدعایة التی تستهدفه، فاتجه السید بهبهانی وطبطبائی إلى مکان الاعتصام کی یشجعوا الشیخ على الرجوع. انه قال فی الأحادیث التی تمت بین الجانبین قال: أ لا نتحدث عن الماضی؟ هل تقولون بان نغض الطرف عن دیننا ومذهبنا ونکون فی خوف للحفاظ على أرواحنا، إذا لا تریدون ان تقیموا هنا فنقوم ونتحه نحو قم إلا تریدون ان تبقوا فلنذهب إلى العتبات العالیات أو إلى خراسان. أنا وأنتم ننتمی إلى طبقة واحدة اننا نشترک فی الأمور الحسنة والسیئة. اننی أتعاون معکم کی تتم مطالباتکم کافة لابد ان یکون ولی المسلمین مسلما وان الولی غیر المسلم لا ینفعنا ان المجلس أمر جیدا لنا وان الدستوریة قضیة ضروریة لکن الدستوریة لا یجب ان تخرج قوانینها عن طریق الشرع المقدس النبوی بتاتا... بعد هذه الأحادیث، قدم طبطبائی اقتراحه حول رجوع الشیخ والمرافقین له ثانیة، ووعد بان یتم تلبیة المطالب الثلاثة للشیخ. ان الشیخ نوه بالضمانات السابقة التی لم تأت بأی نتیجة وتطرق إلى قضیة تلو الأخرى وقال: ان الوثیقة التی تریدون منحها أیای لا تختلف عن سابقتها، لا، لا تعطوا سندا. لا تعطوا ضمانات. اذهبوا إلى المدینة سالمین واطرحوا القضایا فی المجلس فإذا وافقوا ولبوا طلباتنا ونحن نرجع إلى المدینة کما أتینا بأنفسنا. بعد نشر بیان أعلن بان مفردة الدستوریة لا یمکن ان تعارض الدین والأحکام الشرعیة. بعد هذا البیان الذی کان یتضمن إجابة على مطالب المعتصمین بمستوى الکلام والکتابة، ترک الشیخ فضل الله وأصحابه الحرم، والعودة إلى المدینة لکن ومن خلال برنامج دقیق یهدف إلى بث التفرقة وانهیار المعتصمین وسار المطالبین بالدستور فی العمل على نفس المسار السابق.

اغتیال الشیخ

ان الشیخ فضل الله کان یعمل فی دراسة العلوم الإسلامیة والبحث فی جوانبها وبقی کما کان سابقا ینطلق من موقف معارض ومناضل الدستوریة الأوروبیة. ان حضور الشیخ وأصحابه کان یمثل عقبة أمام المطالبین بالدستوریة أصحاب النزعة الغربیة. على هذا انهم جعلوا برقیات من علماء النجف اعتبروا فیها الشیخ مسببا فی إثارة الفوضى والفساد. من الملفت بانه جاء فی إحدى البرقیات: ان الشیخ فضل الله وبسبب الإخلال فی إصلاح المسلمین ساقط من مرتبة الاجتهاد. ان المزورین الجاهلین لم یکونوا یعرفون بان العلم والاجتهاد لیس من قبیل الأمور التی یمکن جردها من الأشخاص. غیر ان جهل المجتمع کان یکفی لکی تترک الدعایة إثرها وبعد هذا تم التخطیط لاغتیال الشیخ وتعرض الشیخ فضل الله لهجوم مسلح وجرح.

سقوط الدستوریة وظهورها ثانیة

بعد وفاة مظفر الدین شاه، وصل محمد علی شاه إلى عرش السلطنة. کان مستبدا ولم ولن یکن لیخضع الدستور. فضلا عن هذا ان کان قد تربى عند الروس وکان یعارض تسلیم حکومة مقالید الحکم، تحکم وفقا لمطالب بریطانیا ومصالحهم. على هذا شن الجنود الحکومیین برفقة قزاق الروس على المجلس. قتل عدد من النواب وتم اعتقال الآخرین أو نفیهم وتم إزالة الدستوریة عن الکون. بعد هذه الحادثة ضغطت بریطانیا برفقة منافستها روسیا على محمد علی شاه کی یصدر مکتوبا بأسرع وقت ممکن لتکوین البرلمان ثانیة. وانه على أثر هذا الأمر أصدر مرسوما فی شعبان 1326 أمر فیه رئیس الوزراء کی یقیم الانتخابات فی کافة أنحاء البلاد ما عدى مدینة تبریز. ان مرسوم تکوین البرلمان ثانیة فی ظل التدخلات السافرة لحکومة بریطانیا وروسیة، جعل الشیخ فضل الله کی یعلن معارضته صراحة مرة أخرى ویدعو علماء البلاد بالمعارضة فی کافة أنحاء البلاد. کان الشیخ یصر: ان الدستوریة یجب ان تکون لکن الدستوریة المشروعة والبرلمان المحدود ولیس الفوضى.

على إثر هذه الحادثة، ثار المطالبون بالدستوریة فی أصفهان وکیلان فسقطت المدینتین نتیجة هذا الأمر وتم عزل مشیر السلطنة. بعد نشر هذا الخبر ثانیة، توترت الأوضاع. أما نتیجة هذا الأمر، تقدیم مشروع على ید شخص یدعى کریم دواتکر من لجنة المعاقبة، لاغتیال الشیخ إذ تم تنفیذه لیلة الـ 16 من ذی الحجة عام 1326 عندما کان یرجع الشیخ ومرافقین له من الصلاة إلى بیوتهم.

ان نبأ شن الهجوم على البرلمان ومقتل المطالبین بالدستوریة جعل قوات الشمال بقیادة سبهدار تنکابنی وقوات البختیاریة بقیادة سردار اسعد بختیاری، ان تشن هجوما على طهران والسیطرة على المدینة. بعد إخفاق القوات الحکومیة وفتح طهران، لجا محمد علی شاه إلى السفارة الروسیة. ان فاتحی طهران، کونوا مجلسا فی بهارستان یسمى المجلس الأعلى.  ان هذا المجلس عزل محمد علی شاه من السلطنة واختار احمد شاه ملکا، قسم المناصب الأخرى الحکومیة بینهم. ان أغلبیة المطالبین بالدستوریة الذین تسلموا مقالید الحکومة، کانوا من عملاء روسیة وبریطانیا. ان الحکومة التی تسلمت مقالید الحکم، لم تکن حکومة دستوریة حتى بالمعاییر الغربیة. ان فاتحو طهران وأنصار الدستوریة أی سردار اسعد وسبهدار تنکابنی، لم یکونوا یؤمنوا بالحکومة الوطنیة. ذلک لان العناصر الرئیسة لأیدیولوجیة الدستوریة، هی الإطاحة بنظام شبه إقطاعی إیرانی ورفض الحکومات المحلیة من أمثال سبهدار وسردار اسعد.

هل انضوی تحت بیرق الأجنبی؟!

ان الدستوریین وبعد إقامة الحکومة، قاموا بقمع معارضی الدستوریة. ان أنصار الاستبداد أی الشاه وأنصاره، لجئوا إلى مکان ما لکن بقت الدستوریة المشروعة بقیادة الشیخ فضل الله بقت کالجبل مقاوما وراسخا.

قدمت مقترحات مختلفة للشیخ فضل الله کی یلجا إلى مکان ما. أرسل سعد الدولة رسالة له مفادها انه تحدث مع الوزیر المختار الروسی والبریطانی واعددنا مکانا مناسبا لکم فی السفارة کی تبقوا بمنأى عن الخطر. فرح أصحاب الشیخ فضل الله بعد سماع الخبر، لکن الشیخ لم یبدی أی ردة فعل تجاه هذه الرسالة ویرد کما ینقل مردوخ کردستانی: اننی اعتبر مذلة للعالم المسلم بان یکتب فی تاریخ الکفر والإسلام بان عالم من علماء المسلمین وبعد 70 عام من الخدمة للعالم الإسلامی لجا إلى السفارة الأجنبیة خوفا من الموت، فان الموت بالنسبة لی أفضل من الاعتصام. ان الطریق الأخیر الذی یبدو لی هو: غض العینین ومد الرجلین وقول الشهادتین ورضینا بقضاء الله تعالى ونصبر على بلاء الله تعالى.

اقترح علیه بالانضواء تحت رایة دولة هولندا وهی دولة محایدة ونضعها على البیت کی تبقوا فی مأمن. قال الشیخ مستهزئا: یجب وضع بیرقنا على السفارة الأجنبیة کیف یمکن ان یسمح صاحب الشریعة لی الذی ابلغ الأحکام ان الجأ إلى خارج الشریعة.

کما قال ردا على مقترح آخر بهذه العبارات: هل یجوز لی إذ بیضت لحیتی بعد 70 عام إذ بیضت لحیتی للإسلام، ان انضوی تحت بیرق الأجانب: ولن یجعل الله للکافرین على المؤمنین سبیلا. اننی أرضی بان اقتل مائة مرة وأحیی وان یقوم المسلمون والإیرانیون بتمثیلی لکن لا الجأ إلى الکفر.

أخیرا شن المطالبون بالدستوریة الهجوم على بیت الشیخ فضل الله انتقاما من الشیخ فضل الله واخذوا بالشیخ إلى الشرطة. بقی الشیخ فضل الله فی الشرطة لعدة أیام وفی الثالث عشر من رجب أخذوه للمحاکمة إلى کلستان. یقول مدیر نظام نوابی من أعضاء الشرطة ومن حراس الشیخ فضل الله حکایة محاکمة الشیخ بهذه العبارات:

کان أعضاء المحکمة 6 أشخاص إذ جلسوا إمام الشیخ على الکراسی، کان یوجه الشیخ إبراهیم زنجانی وهو مدعی عام المحکمة، الأسئلة للشیخ. انه عند محاکمة الشیخ هجم علیه وأهانه وقال للشیخ: اننی اعلم منک یا شیخ. سأله عن تکالیف الاعتصام ووضح الشیخ الأمر له وقال لم نکن نمتلک المال للاستمرار فی الاعتصام. طلب الشیخ أثناء المحاکمة بسجادة للصلاة وإنهم أذنوا له بذلک. وضع الشیخ عباءته على الأرض بالقرب من المکان وصلى صلاة الظهر لکن لم یسمحوا له ان یؤدی صلاة العصر. سألوه عن الاعتصام. دخل یفرم خان من الباب التحتی فی القاعة ووقف خلف الشیخ ان الشیخ لم ینتبه للأمر. مضت عدة دقائق وحدث أمر غیر حالة القاعة. اننی شاهدت من الشیخ شجاعة وجرأة لم أراها طیلة حیاتی. فی أثناء المحاکمة سال الشیخ: من منکم یفرم؟ فقام الجمیع احتراما لیفرم من مکانهم وأومأ شخص بیده إلى یفرم بالاحترام إذ کان وراء الشیخ. وقال هذا هو یفرم خان. ان الشیخ وکما کان واقفا على الکرسی ومتکئا على العصا بیدیه فدار إلى الخلف وقال بغضب وعنف: أ أنت یفرم؟ رد یفرم: نعم. ورد فورا: هل أنت الشیخ فضل الله؟ قال نعم. قال یفرم هل أنت من حرمت الدستوریة. رد الشیخ: نعم أنا من فعلت هذا واحرمها حتى ابد الدهر. ان مؤسسی الدستوریة هم ملحدین واخدعوا الناس. بعد هذا دار رأسه. وعندها خرجت الکلمات من فمه بهیبة خاصة ولم تخرج نفسا من أحد وکان الجمیع صامتین. سیطر الخوف على المتواجدین فی القاعة اننی کنت أرجف وأقول بنفسی ما هذا العمل الخطیر الذی قام به الشیخ فی هذا الوقت. کان یفرم رئیس الشرطة وقائدها. ان قضیة محاکمة الشیخ فضل الله کانت تدور حول تلک الأسئلة.

لا تأخذوا من وقتی

قالوا عما جرى بعد محاکمة الشیخ فضل الله: بعد المحاکمة، اخذوا الشیخ إلى النظمیة وترکوه فی الساحة. قال الشیخ إلى أحد المسئولین المجاهدین بهدوء: إذا کان یجب أن أذهب إلى هناک (وأشار بیدیه إلى میدان توبخانه) فلا تؤخرونی، وإذا کان یجب أن أذهب إلى هناک (وأشار إلى غرفة حبسه) فلا تعطلونی أیضاً. فأجاب ذلک الشخص بأنه سیتعین ذلک فوراً، وصعد بسرعة إلى الأعلى وعاد سریعاً وقال: تفضل هناک (وأشار إلى میدان توبخانه). وذهب الشیخ باطمئنان وهو یتکئ على العصا إلى باب النظمیة ان عدد من الأشخاص أغلقوا باب النظمیة وکان الشیخ واقفا عند الباب ونظر إلى الناس وثم اتجه إلى السماء وتلا هذه الآیة المبارکة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم.

فی الـ 13 من رجب 1327 وفی یوم میلاد أمیر المؤمنین علی علیه السلام وقبل ساعة من غروب الشمس، تم توفیر معدات الشنق فی ساحة توبخانه واتجه الشیخ البالغ من العمر 70 عاما إلى المشنقة بهدوء ومتکئا على العصا. یقول تندر کیا عن الحادثة: عندما وصل إلى المشنقة رجع دار فجأة إلى الوراء ونادى خادمه بالقول ناد علی انه أزاح الناس من طریقه ووصل إلى الشیخ وقال نعم تفضل. هدأ الناس على صخبهم لیروا ماذا یرید الشیخ، کان الجمیع بانتظار ما یریده الشیخ... أدخل الشیخ یده فی جیبه الجانبی وأخرج کیساً وألقى به أمام ناد علی وقال: "فتّت هذه الأختام یا علی"! لم یکن یرید ان یحصل الأعداء على الأختام کی یجعلوا منها وثیقة. حطمها ناد علی الأختام أمام أعین الشیخ لکی یتأکد من الأمر وقال لناد علی: "اذهب الآن". وثم مشى ووصل إلى الکرسی الموضوع تحت المشنقة. فوقف أمام الکرسی رمى عصاه نحو الناس فانتشلوها. کانت عباءة صغیر على کتفه وقام برمیها فانتشلها الناس. ورمى بالعمامة أمام الناس، فانتشلوها أخذوا الشیخ من أبطیه وارتقى الکرسی من الجانب الأیسر. تحدث إلى الناس نحو عشر دقائق. ما سمعته من کلامه وبقی فی ذاکرتی هو هذه العبارات: إلهی أنت الشاهد أنی قلت لهؤلاء الناس ما کان یجب علیّ قوله. إلهی أنت الشاهد بأننی أقسمت للناس بقرآنک وقالوا انها علبة سجائره... إلهی أنت الشاهد أنی فی هذا النفس الأخیر لا زلت أقول لهؤلاء الناس أن مؤسسی هذا الکیان ملحدون خدعوا الناس... هذا الکیان خلاف الإسلام... محاکمتنا أنا وأنتم ندعها إلى النبی محمد بن عبد الله (ص)...".  لم ینتهی من حدیثه بعد إذ أخذ یوسف خان الأرمنی عمامته عن رأسه ونفضها فقال الشیخ بصوت مرتفع: "أخذوا العمامة عن رأسی، فسیأخذونها عن رأس الجمیع". انه بالرغم من الضعف والشیخوخة والمرض، إلا انه تفوه بآخر کلماته بشجاعة وجرأة قل نظیرها وان الإیمان والعشق بالهدف المقدس فحسب هو الذی یؤدی بالشخص ان یبدی صمودا أمام الموت والشهادة. انه کان شجاعا لدرجة کأن المشنقة کانت ترجف من عظمته وهیبته. قبل ان یدخلوا الحبل فی رقبته أرسل أحد المطالبین للدستوریة رسالة له بانک وقع على الدستوریة وأنقذ بنفسک من القتل. قال الشیخ فضل الله: اننی رایة نبی الإسلام صلى الله علیه واله وسلم فی المنام وقال لی أنک ضیفی اللیلة القادمة واننی لم أوقع علیها. بعد لحظات أدخلوا الحبل فی رقبته وأزاحوا الکرسی عن رجلیه ورفعوا الحبل.

نزف الدماء من جثمانه

بعد إعدامه نقلوا جثمان الشیخ الشهید إلى ساحة الشرطة ووضعوها على کرسی وسط الساحة. هجم المطالبون بالدستوریة وآخرون من کانوا یکرهون الدین على الجثمان وضربه القوات المسلحة بالبندقیة وضربه الآخرون برجلهم، حتى نزف منه الدماء انهم منعوا تسلیم الجثمان إلى أسرة الشیخ وبعد فترة من الزمن سلموها إلى أسرتهم. وضعت جنازة الشیخ فضل الله مدة سنة ونصف فی غرفة فی داره سراً بشکل أمانة. ودفن فی إحدى مقابر الصحن المطهر للسیدة المعصومة سلام الله علیها.

کشف إعدام الشیخ الشهید النقاب عن وجه مدعی الحریة والعدالة المزورین وعرف الناس بان الدستوریة لم تکن إلا سرابا. تم إبعاد علماء الدین الآخرین من المجلس والحکومة ومهدت الأرضیة لفصل الدین عن السیاسة.

If you want to submit a comment, you should login to the system first. To login please click the login button.