Articles

وظائف المسجد فی الإسلام

 4/28/2015
  قال تعالى: فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَیُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یُسَبِّحُ لَهُ فِیهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِیهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِیتَاءِ الزَّکَاةِ یَخَافُونَ یَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِیَجْزِیَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَیَزِیدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ یَرْزُقُ مَنْ یَشَاءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ .

للمسجد فی الإسلام وفی حیاة الأمة أدوار محوریة وهامة، لا تقوم مؤسسة دونه بها ولا تعوضه بأی شکل من الأشکال، بل إن مؤسسات المجتمع المسلم تمتح من نورانیته وتتزین بروحانیته وتسری فیها معانیه.

المسجد المدرسة

المسجد مدرسة عملیة یومیة متکررة متجددة، یتعلم فیها المسلم النظافة والطهارة، والتنزهَ عن اللغو، والفرائضَ والسننَ، فیه تغشاه روحانیته ویتطلع إلى معالی الأمور دینا ودنیا، ولهذه الأهمیة البالغة کان أول ما بناه النبی صلى الله علیه وآله وسلم بعد هجرته مسجد قباء، قال ابن إسحاق: "فأقام رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بقباء فی بنی عمرو بن عوف یوم الاثنین والثلاثاء ویم الأربعاء ویوم الخمیس، وأسس مسجدهم".

وقد بُنی قبل مسکنه صلى الله علیه وسلم، فکان الأساس الرکین الذی قامت علیه الدولة الإسلامیة. ومن المسجد تخرج هؤلاء القادة الذین نشروا السلم والسلام فی العالمین. ومن المسجد سطعت أنوار الحضارة، ولم تکن قط من القصور والثکنات أو الفضائیات... ومن المسجد تخرج المصلحون والدعاة والقادة وأرباب المعرفة والفکر وسادة التربیة والتوحید والإعداد. یقول الإمام ابن تیمیه رحمه الله متحدثاً عن المساجد موضحاً ما کانت علیه فی عهد رسول الله صلى الله علیه وسلم: "وکانت مواضع الأئمة، ومجامع الأمة هی المساجد، فإن النبی صلى الله علیه وسلم أسس مسجده المبارک على التقوى، ففیه الصلاة والذکر والقراءة، وتعلیم العلم والخطب وفیه عقد الأولویة، وتأمیر الأمراء وتعریف العرفاء، فیه یجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دینهم ودنیاهم".

کما کان المسجد على مر التاریخ هو ذاک اللحام الذی یجمع أبناء الأمة على صورة واحدة قلبا وقالبا، ولا شک فی ذلک فمن مسمیاته الجامع، وظلت الأمة حاضنة للمسجد قائمة به ومنه، عمارة وتعمیرا وتموینا ودعما بالأوقاف والأحباس، فکان یحتل من المدینة والمدشر موضع القلب من الجسد، یضخ فی شرایین حیاة الناس دماء صافیة ملؤها الأمن والسلام والسکینة. وساد الإخاء بین أفراد المجتمع وعم التصافی. وحینما غاب دور المسجد أو غیب وتعطل، ظهر الأثر غما وکمدا على مستوى الفرد والجماعة وفی کل مناحی الحیاة، ولازالت الجهود حثیثة للتضییق على دور المسجد وشل وظیفته وتحجیم دوره.

إقامة ذکر الله

وهذه الوظیفة هی أم الوظائف، وما شیدت إلا لهذه الغایة قال تعالى: فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَیُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ . یرابط المؤمنون راکعین ساجدین، تالین مسبحین مهللین، تسمو أرواحهم وتتنور قلوبهم فیشعون نورا على الأمة ومن مناراته تأتی نسائم النصر والتمکین. الذکر دستور المحبة، ومن أحبه الله تولاه، وکتب له القبول فی الأرض فسارت دعوته على رؤوس الأشهاد. والفراغ القلبی والغفلة البعیدة عن المسجد وروحه وعن الله داء عضال یکبل العزائم.

التربیة والتعلیم

کلها وظائف قام بها المسجد من خلال حلق الذکر والعلم، فقد کان النبی صلى الله علیه وسلم یقرأ القرآن، ویعلمه أصحابه، ویفسر لهم أحکامه ومضامینه، وکل ذلک فی صور شتى کالقراءة فی الصلاة وخطب الجمع والأعیاد وصلوات الکسوف والاستسقاء والدروس الأخرى بعد الصلوات والمواعظ، وإجابته صلى الله علیة وسلم على أسئلة الصحابة، وتعبیر الرؤى التی کان یعرضها الصحابة على النبی صلى الله علیة وسلم، وکان رسول الله دائما معهم مرشدا وموجها.

الوظیفة الاجتماعیة

المسجد ملتقى جمیع المسلمین، ومن غاب سألوا عنه، فإن علموه مریضا عادوه، وإن کان له میت عزوه وواسوه، الجائع والعاری هناک یعرف، وما وجود أهل الصفة فیه إلا دلیل على مدى تکافل المسلمین فیما بینهم، فیحمل إلیهم الطعام، ویتسابق إلیهم أهل المسجد أهل البر والإحسان، وربما جاء الرجل فاصطحب واحدا أو أکثر یستضیفه لبعض الوقت، وجالس رسول الله صلى الله علیه وسلم أهل الصفة وآکلهم. یهب الجمیع حین ینادى "من یضیف ضیف رسول الله". فلهذه الوظیفة الاجتماعیة دور کبیر فی نسج علاقات المسلمین فیما بینهم وتعزیز الأواصر بین الأفراد حتى یصیروا جسدا واحدا إذا اشتکى منه عضو تداعى له الجمیع بالسهر والحمى. فی المسجد تقضى الحاجات، ویُتعاون على البر والتقوى.

إن المسجد کما کان - وکما ینبغی له - موعدا لأداء الصلوات، کان یحتضن الفقراء والمساکین.

الوظیفة القضائیة

وقد کان النبی صلى الله علیة وسلم یفصل بین الخصومات ویقضی بین المتخاصمین فی مسجده صلى الله علیه وسلم. ومضى الحال على ذلک فی عهد الخلفاء الراشدین من بعده. فی المسجد یحکم القرآن ویعرف القول الفصل فی الأحکام والحدود، والشهادة بأهمیتها.

من الانعتاق إلى الارتزاق والاستعباد

بهذه المعانی والوظائف التی سبق الحدیث عنها کان المسجد مقرا لإعلان العبودیة لله وحده إخلاصا وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ، وکان مکانا للأمن ومن دخله کان آمنا . إنها معان تدور حول تحریر العباد من أغلال الجاهلیة والنفوس والظلم والجور، کان هو المنطلق لإعلان الوحدانیة لله ثم تحریر العباد لیکونوا عبادا لله وحده لا مکانا لتنویم الهمم وتخدیر العقول. عن أبی هریرة رضی الله عنه قال: بینما نحن فی المسجد یوما خرج النبی صلى الله علیه وسلم فقال "انطلقوا إلى الیهود! فقال: أسلموا تسلموا! فقالوا: قد بلغت، فقال: ذلک أرید، فقال أسلموا تسلموا! قال فقالوا: قد بلغت، فقال: ذلک أرید، ثم قالها الثالثة، ثم قال: اعلموا أن الأرض لله ولرسوله وإنی أرید أن أجلیکم من هذه الأرض، فمن یجد منکم بماله شیئا فلیفعل وإلا اعلموا أن الأرض لله ولرسوله".

فما أحوجنا إلى مساجد من هذا القبیل یتخرج منها الجند لینطلقوا منه إلى أعداء الله، لیدافعوهم لینصروا دین الله. لکن -واحسرتاه- فقد أصبح المسجد فی قبضة الظلم والجبر إدارة لمحاربة الدعوة الصادقة، وینهى فیه عن قول الحق والعمل به. وانقلب الدور وانتکست الوظیفة وصار المسجد إطراء لحکام الجبر والجور وترسیخا لعقلیات القطیع، ولغا الخطیب قبل أن یلغو رواد المسجد وسلام على کلمة الحق، و"لعن الله من أیقظ الفتنة النائمة" سلاح یشهر فی وجه من یلتاع لهذا البتر البئیس لتعالیم الدین وهذه الانتقائیة، وتحکیم السلطان لا القرآن والکلمة الفصل للأوامر لا ما جاءت به السنة من جواهر.

المسجد مطلبا

لیس من شک فی أن المسجد یمثل حجر الزاویة فی تکامل الشخصیة المؤمنة المتکاملة، یجد فیه العبد نفسه، ویلقی بین یدی مولاه أحماله وآلامه وأحزانه، وکیف لا وهی خیر البقاع مهبط البرکات والرحمات، فیه تتلاشى الفوارق الدنیویة والاجتماعیة، فیصطف المسلمون قدما بقدم ومنکبا بمنکب ویتوجهون إلى خالقهم لا فضل لأحد على أحد إلا بما قدمت الأیدی، وکلهم توبة وإنابة استمطارا للرحمة واستنزالا للنصر والتمکین. والمتأمل فی حال مساجد المسلمین یدرک کم هی الهوة سحیقة بین الدور المنوط بالمسجد والواقع الذی یعیشه الیوم، فأضحى فی حکم الواجب على جند الله فی أفق الخلافة أن یحرروا المسجد من ربقة الاستکبار والأهواء والنزوات الفردیة والجماعیة حتى یکون منارا للهدى والإرشاد، "فی حکم الجبر ینبغی أن یکون تحریر المسجد من الإسلام الرسمی مطلبا أساسیا وقبل قیام الدولة ما أمکن".

وعلى الدعاة أن یفضحوا خطط الاستکبار المحلی والعالمی فی مضایقة المسجد وأهله، ومن أظلم ممّن منع مساجد الله أن یذکر فیها اسمه وسعى فی خرابها أولئک ما کان لهم أن یدخلوها إلا خائفین، لهم فی الدنیا خزی ولهم فی الآخرة عذاب عظیم . کما على المؤمن أن یخدم المسجد وأهله، ویوقظ النائم منهم تعبئة لتحریر الخطب الرسمیة من الولاء الفاسد والاستعباد الکاسد. المسجد موطن التأسیس لدولة القرآن، وإعادة التأسیس أیضا.

 


If you want to submit a comment, you should login to the system first. To login please click the login button.