Articles

الآثار الأخلاقیة للانتظار (٢)

 5/1/2015
عرفنا فی الحلقة السابقة ان الشخص المنتظر للإمام علیه السلام انتظاراً ایجابیاً, لابد ان یکون منسجما مع الروح التی یحملها الإمام علیه السلام, فیبتعد على الظلم والجور.
وفی هذه الحلقة سنتحدث عن صور أخرى من صور الانتظار الایجابی.
إن من صور الانتظار الایجابی الأخرى للإمام المهدی علیه السلام عند الأفراد والمجتمعات هو السعی للتمهید للإمام المهدی علیه السلام تمهیداً عملیاً، وهذا التمهید یکون بشتى الوسائل, منها التمهید الفردی بان یجهز الإنسان نفسه وان یعدها فعلاً لظهور الإمام المهدی علیه السلام.
فعندما نقرأ فی دعاء الافتتاح (اللهم إنا نرغب إلیک فی دولة کریمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فیها من الدعاة إلى طاعتک والقادة إلى سبیلک).فمعنى هذا انه لابد ان یکون للمنتظر طموح إلى المستوى الذی یهیئ نفسه لمستوى القیادة, ولمستوى الدعاة فی دولة الإمام المهدی علیه السلام, بمعنى انه لا ینتظر فقط لاجل ان یستمتع بمکتسبات الدولة التی ستأتی وستقام.
ومعنى (تجعلنا فیها من الدعاة إلى طاعتک والقادة إلى سبیلک) الواردة فی الدعاء هو ان یهیئ الفرد نفسه من الآن فلو ظهر الإمام علیه السلام فعلاً فهو _ای الفرد_ سیکون بالمستوى الذی یکون فیه من الدعاة ومن القادة فی دولة الإمام المهدی علیه السلام.
ومن الدور الایجابی لانتظار لدولة الإمام المهدی علیه السلام تمهیداً عملیا هو التطویر العلمی _ان صح التعبیر_، فهناک مسؤولیة العقل ودور العلم ومؤهلات الفرد. أی الأسباب الطبیعیة.
وهذا هو السر الذی تشیر فیه الروایات إلى وجود دولة ممهدة للإمام المهدی علیه السلام وان یکون التمهید تمهیداً على کل الأصعدة بما فی ذلک الصعید العلمی العملی والصعید التکنولوجی.
والأمر الآخر الذی یعتبر من الانتظار الایجابی أیضاً هو ان الإنسان لابد ان یتحمل دفع ضریبة المعاناة, والروایات عندما تتحدث عن المنتظرین لدولة الإمام المهدی علیه السلام تتحدث عن المعاناة, وتتحدث عن الماسی, وتتحدث عن الصعاب التی تمر على هؤلاء المنتظرین, فقد جاء فی الحدیث الشریف عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (ان اجر الرجل منهم کأجر خمسین من صحابة رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم) والسر فی ذلک هو ما قاله رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم (إنکم لو حملتم ما حملوا لم تصبروا صبرهم) بمعنى ان الفرد المنتظر علیه ان لا یستسلم لأیة مواجهة مهما کان نوعها وهذا هو معنى الضریبة.
وان أتباع مدرسة أهل البیت علیهم السلام المنتظرین للإمام المهدی علیه السلام عموما یواجهون فعلاً شتى وسائل صور المواجهة من قبل أعداء الأمة وأعداء الإسلام وهذا کله ضریبة, تصب فی مصب الانتظار الایجابی، فکلما کان الانتظار الایجابی أقوى کلما أثبت وجوده بقدر ما توُجه هؤلاء المنتظرون بشتى وسائل المواجهة سواء السیاسیة أو الإعلامیة أو العسکریة أو غیر ذلک فهم سائرون فی طریق التمهید لظهور الإمام الحجة علیه السلام.
ولا ننس ان للانتظار ناحیة أخرى هی ناحیة المشاعر والعواطف, فحالة الانتظار حالة قلق واضطراب وعدم استقرار وهی فی الفکر المهدوی تختلف اختلافا کبیرا عما فی غیرها فهی هنا سبب فی الارتقاء المعنوی والقرب من الله سبحانه بمعنى ان الإنسان یبنی نفسه بها ویقترب أکثر من الله سبحانه وتعالى. فالانتظار من أهم عوامل الارتقاء المعنوی والروحی للإنسان الفرد المسلم, لهذا ذکرت الأحادیث (بان أفضل أعمال أمتی انتظار الفرج)، (أفضل جهاد أمتی انتظار الفرج) وقد عبرت الأحادیث بعبارة الانتظار لأنه جهاد، وهذا أیضا یحمل الإنسان مسؤولیة, فالأحادیث أو الروایات التی وردت عن أهل البیت علیه السلام والتی تعطی المنتظر علیه السلام صفة القمة فی الرقی المعنوی، فعندما یقول الإمام الصادق علیه السلام ویتحدث عن أصحاب الإمام علیه السلام بأنهم (رهبان باللیل لیوث بالنهار) فالرهبنة تعنی الانقطاع التام إلى الله عز وجل، ففی اللیل تجد هذا الإنسان المنتظر الممهد من اعبد الناس لله سبحانه وتعالى, وفی النهار تجده الفاعل الحرکی القوی الذی یؤدی دوره فی میادین الجهاد، وهذه الروایة تشیر إلى المعنى القرآنی الذی یقول فیه (إِنَّا سَنُلْقِی عَلَیْکَ قَوْلًا ثَقِیلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّیْلِ هِیَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِیلًا) إشارة إلى ان التعبد فی اللیل مما یعطی الإنسان الطاقة فی النهار للقیام بالدور الحرکی والعملی.
ان أصحاب الإمام المهدی علیه السلام او الممهدین له علیه السلام هم هکذا، من الرقی المعنوی, فهذا عمار الساباطی احد أصحاب الإمام الصادق علیه السلام یسأله علیه السلام (أی العبادة أفضل مع الإمام الظاهر بالحق او الإمام المستتر) وإذا بالإمام الصادق علیه السلام یقول (الصلاة مع الإمام المستتر أفضل من الصلاة مع الإمام الظاهر بالحق)، وهذه إشارة إلى وجود هذا الرقی المعنوی لأثر الانتظار على الفرد المنتظر.
فهو إیمان بالغیب وهو من أهم صفات المؤمن (الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلَاةَ).
ومن الآثار الایجابیة للانتظار هو ان المنتظر للإمام المهدی علیه السلام أیضا یجب ان یکون فی أرقى صور التمثل بالأخلاق ومحاسنها, وهناک روایة عن الإمام الصادق علیه السلام تقول بأن نعمل بالورع ومحاسن الأخلاق,التی لابد ان تکون سلوکا للإنسان بطبیعته وهو یمهد الأرضیة عند الإنسان ویهیئ النفس لان یکون من أنصار الإمام المهدی علیه السلام وهی تعتبر من أهم المناهج للدعوة لدولة الإمام المهدی علیه السلام، فالروایات تقول کونوا (دعاة لنا بغیر ألسنتکم، کونوا دعاة لنا صامتین)، هذه الدعوة هی دعوة للإمام المهدی علیه السلام.
وفی هذا الزمن یجب ان یکون سلوک الفرد الموالی لأهل البیت علیهم السلام بالأخص سلوکا ینسجم مع الدعوة کمنهج دعوة للإمام المهدی علیه السلام، فالفرد الموالی لأهل البیت علیهم السلام سواء کان فی محیطه الموالی او فی محیط آخر علیه ان یتمثل بأسمى الأخلاق لیجسد معنى الانتظار الواقعی للإمام المهدی علیه السلام.
If you want to submit a comment, you should login to the system first. To login please click the login button.