بقلم: العلامة الشهید مرتضى مطهری
من المسائل التی طرحت بشأن التعلیم والتربیة الإسلامیة، مسألة المحبة والعنف. ما یقابل المحبة هو البغض دائماً، لکن أثر المحبة هو الإحسان واللّین، وأثر البغض هو الخشونة والعنف.
إن البعض ینظر إلى هذا النوع من التربیة والتعلیم الإسلامی بعین الانتقاد ویقول: لم یعتن الإسلام کثیراً بمسألة المحبة وأثرها وهو الإحسان واللین. وإن وجدت مسألة محبة الناس والإحسان إلیهم واللین والتواضع لهم، فإنها توجد فی مقابلها العداوة، وإبداء الخشونة والغلظة، وبعبارة واحدة: الإساءة إلى الآخرین أیضاً. ویقول هذا البعض إن الذین یؤکّدون على المحبَّة کثیراً هم المسیحیون وقساوسة المسیح. ویضیف: إنّ عیسى المسیح کان یدعو إلى المحبَّة فقط، ولم یستثنِ أحداً فی المحبة بأن یکون مؤمناً بالله أم لا، بل کان یقول: أبدوا المحبة للجمیع.
قرأت فی أحد کتب تاریخ الأدیان ـ أو فی مقالةٍ مترجمة ـ أن هناک عبارة مشترکة فی جمیع الأدیان العظمى فی الدنیا، ومتّحدة المآل لدیها، تتواجد فی دین المسیح، والدین الیهودی، ودین زرادشت، والدین الإسلامی، ودین بوذا، وهی: "أحبب للآخرین ما تحب لنفسک واکره لهم ما تکره لنفسک" ولنا أحادیث کثیرة فی الإسلام بهذا المضمون منها: "أحبب للناس ما تحب لنفسک واکره لهم ما تکره لها"، فهذا الدستور الموجود فی الإسلام هو دستور عام ومطلق. ولکن هل وضع الإسلام استثناءً لهذه القاعدة العامة لا یوجد فی الأدیان الأخرى؟ وهل یقول الإسلام: أحبب للناس ما تحب لنفسک إلا بعضهم، أم: أحبب للناس ما تحب لنفسک إلا فی بعض الأمور؟ إن الاختلاف بین الإسلام والمسیحیة هو فی تفسیر المحبة لا فی هذا الأصل العام.
نوعان من المحبّة:
نبدأ البحث بهذا السؤال: هل حبّ شیء للنفس منطقی دائماً؟ یمکن أن تقولوا: فی الواقع إننا نشکل على هذا الأمر، لأنه یقول أحبب للناس ما تحب لنفسک. فیحتمل أن یحب الإنسان لنفسه شیئاً لا ینبغی له أن یحبه؛ فإن کون الشیء محبوباً للإنسان غیر کونه مصلحة له، فلو کان الإنسان مصاباً بمرض السکّر، فإن العسل مضرّ له، لکنّه یحب العسل، فهل یقال له: بما أنّک تحب العسل لنفسک مع أنّه مضرّ لک، فأحببه لجمیع الناس حتى لمن یضره العسل.
لا بدَّ أن یکون المراد بالمحبَّة هنا هو المحبَّة العقلائیة والمنطقیة التی تساوی المصلحة، والمقصود هو ما یکون فیه مصلحة وخیر وسعادة حقاً، فإذا کنت ترید الخیر والسعادة لنفسک دائماً، فأحبب الخیر والسعادة لعامة الناس، فإرادة الخیر والسعادة للناس تختلف عن المحبة التی یقول بها المسیحیون وعامة الناس وهی المحبة الظاهریة، أی القیام بعمل یجلب رضا المقابل. مثلاً إن أباً وأمّاً یحبان ابنهما ویریدان له الخیر والسعادة، فیمکن تجلّی هذه الإرادة لخیر الطفل وسعادته بصورتین: الوالدان الجاهلان المحبان لولدهما یجعلان مقیاس المحبة هو ما یرید هذا الطفل، فیعطیانه ما یحبه، أما الدواء والتلقیح الذی یکرهه الطفل فلا یعطیانه إیاه ولا یزعجانه به أبداً.
هذه صورة للمحبّة، والصورة الأخرى لها هی المقرونة بالمنطق، أی المحبة الموافقة للمصلحة الحالیة والمستقبلیة، فالمحبة هی إحسان حقیقی یمکن أن تکون موافقةً لمیل الطفل وطبعه أو غیر موافقه له، فلو أردنا تفسیر هذا الدستور العام المذکور فی جمیع الأدیان، بأنّ المقصود من المحبة هنا هو معاملة الناس بما یحبون، ففی هذا الحال یجب القول: إن دستور الأدیان هذا هو دستور خاطئ _ والعیاذ بالله _ فالمحبّة والإحسان وإیصال الخیر للناس والمجتمع لا یمکن أن یقوم على أساس محبتهم هم للأشیاء. إنّ بعض مؤسسات التلفزیون قد سألت الناس: ماذا تحبون لنقدّمه لکم، وأی البرامج تفضّلون؟ فیمکن أن یحب الناس شیئاً تؤدی رؤیته إلى فسادهم وضلالهم. بینما لو کانت المحبة واقعیة وحقیقیة، فیجب أن لا یتبع العدد والکثرة. فلیس المیل کالمصلحة، وهکذا محبة الأب والأم العمیقة والعقلائیة والمنطقیة، لا یمکن أن تحدَّد بمیل وإرادة الطفل؛ بل یجب أن یلتفتا ویهتما بالمستقبل أیضاً.
بین مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد
مضافاً إلى ذلک، فتارةً یتعلَّق الأمر بالفرد وأخرى بالجماعة، نذکر مثال الأب والأم أیضاً اللذین لهما عدّة بنات وبنین، وهما یحبان الجمیع. لکن أحد هؤلاء الأطفال متفوق على الآخرین. ففی هذا المجال على الأهل التعاطی مع هذا الطفل بالطریقة التی لا تؤثر سلباً على الأطفال الآخرین، أی أنّ من یرید أن یتعامل مع أولاده بکمال المحبة، فيجب أن تکون لدیه المصلحة هی المقیاس. وهکذا تکون مصلحة الجماعة مقیاساً لمصلحة الفرد. کما ونرى موارد لا تتفق فیها مصالح الفرد ومصالح الجماعة، فلو بذلنا اهتمامنا لتحقیق مصلحة الفرد، فإنّ مصالح بقیة الأفراد، بل مصلحة ذلک المجتمع الذی یکون الفرد جزءاً منه ستنعدم، وسیتضرَّر ذلک الفرد نفسه أیضاً. لهذا یضحى فی بعض الموارد بمصلحة الفرد لصالح الجماعة. ومن هنا، فإن المحبة _ التی ذکرنا أن أصلها هو قصد الخیر والإحسان _ توجب عدم اللّین، وتستدعی ما یتصوره الإنسان ضرراً وسوءاً لنفسه، کالإعدام مثلاً عندما تکون فیه مصلحة الجماعة.
فلسفة القصاص
انظروا إلى تعبیر القرآن بشأن القصاص، إنّ القرآن یدافع عن القصاص فی القانون الجزائی، وذلک فی الموارد التی یقتل فیها الإنسان شخصاً بریئاً دون مسوّغ، فإن الإسلام یجوّز القصاص بإعدام القاتل. ویأتی هنا سؤال، وهو أنّه لو کان القتل أمراً قبیحاً، فلماذا نکرر نحن هذا العمل القبیح بعنوان القصاص؟ إنّنا بإعدام القاتل نکون قد کررنا قتل إنسان مرة ثانیة. والجواب هو ما یقوله القرآن: {ولکم فی القصاص حیاة یا أولی الألباب} (البقرة/179)، فالإعدام لا یمکن اعتباره قتلاً وإماتة، بل هو حیاة. ولکن لیس للفرد، بل للجماعة. أی أنّکم تحفظون حیاة المجتمع والأفراد الآخرین بالقصاص من شخص متجاوز، فلو لم تمنعوا القاتل عن فعله، فإنه سوف یقتل فرداً آخر، وسیوجد أمثاله ممن یقتلون الکثیر من الناس. إذاً لا تعتبروا ذلک اضمحلالاً للمجتمع، بل هو حفظ وبقاء له؛ ولا تعتقدوا بأنّه إماتة بل هو حیاة؛ فالقصاص لا یعنی کراهیة الإنسان ومعاداته، بل یعنی محبَّة الإنسان.
حب الإنسان
ونذکر هنا موضوعاً آخر، وهو: یقال: "حبّ الناس"، وهو کلام صحیح طبعاً، لکن یجب توضیحه. فالإنسان فی (حبّ الإنسانیة) یراد به الإنسان بما هو إنسان، أی یجب حبّ الإنسان بسبب أنه إنسان، وبالمصطلح المعاصر (الإنسان بقیمته الإنسانیة). فمرة نقول فی تعریف الإنسان: أنه حیوان ذو رأس وأذنین ومستقیم القامة ومتکلّم. فإن کان هذا هو الإنسان، فالذین أرادوا صلب عیسى (ع) هم أناس بمقدار ما کان عیسى إنساناً، فهم کانوا یتکلمون مثله، ولم یختلفوا عنه فی هذه الناحیة. ولکن لیس هذا هو المقصود، بل المقصود هو الإنسان لأجل قیمة الإنسانیة، فلو وضعنا عیسى (ع) إلى جانب أعدائه، سیکون هناک نوعان مختلفان، فهذا شیء وذلک شیء آخر، أی یمکن أن یکون هذا إنساناً بلحاظ القیم الإنسانیة، وذلک لیس إنساناً، بل حتى لیس حیواناً، وبتعبیر القرآن، هو أضلُّ من الحیوان بمراتب. فیجب حب الإنسان لأجل الإنسانیة، لا لأجل هیکله وشکله. وبعبارة أخرى یجب حبّ الإنسانیة.
فلو أصبح الإنسان عدوّاً للإنسانیة وضدّ البشر، وأصبح مانعاً فی طریق تکامل البشریة، فلا یسوَّغ لنا أن نحبه؟ إنه بصورة إنسان ولکنه خالٍ من محتوى الإنسانیة. وبتعبیر أمیر المؤمنین (ع): "الصورة صورة إنسان والقلب قلب حیوان"، ولا یسوَّغ أن نخون الإنسانیة ونعادیها باسم حبّ الإنسان. إذاً، بغضِّ النظر عن هذه المسألة، وهی أنّ المحبة لیست مراعاةً للمیول، بل هی مراعاة المصلحة وخیر وسعادة المقابل، وبغض النظر عن أن مصلحة الفرد لیست مقیاساً وملاکاً، بل یجب الالتفات إلى مصلحة الجماعة، فإن مسألة حب الناس هی حب الإنسانیة، وإلا لو کان المراد فی الإنسان هو إنسان علم الأحیاء، فلا فرق حینئذٍ بین الإنسان والحیوان، فلماذا لا نحب الأغنام والخیول بقدر ما نحب الإنسان؟ فذلک حیوان ذو روح وهذا موجود ذو روح أیضاً. فإن کان الملاک هو وجود الروح والإحساس باللذة والألم، فإنه موجود فی الإنسان بمقدار ما هو موجود فی غیره من الحیوانات.
إذاً یحب إرجاع المسألة إلى حبِّ الإنسانیة. ومعنى حب الإنسانیة هو رعایة مصالح الناس _ لا مراعاة المیول فقط _ فیتبیّن أنّ تفسیر محبة الناس وفق التعامل حسب ما یرضی هذا أو ما یحبه ذاک، هو منطق وتفسیر خاطئ، بل إنّ المحبة المنطقیة هی التی تکون فی بعض الأحیان مقترنةً بالخشونة، والجهاد والمحاربة، والقتل، ووجوب القضاء على من یشکّل عائقاً ومانعاً فی طریق الإنسانیة.
الإحسان إلى الکافر
القرآن یوصی بالمحبة والإحسان لجمیع الناس حتّى الکفّار، ولکن بشرط أن یکون لهذا الإحسان أثر حسن. وإن لم یکن له ذلک الأثر، فذلک الإحسان سوء بهیئة إحسان. فمثلاً یقول تعالى: {لا ینهاکم الله عن الذین لم یقاتلوکم فی الدین ولم یخرجوکم من دیارکم أن تبروهم وتقسطوا إلیهم إنّ الله یحب المقسطین* إنما ینهاکم الله عن الذین قاتلوکم فی الدین وأخرجوکم من دیارکم} (الممتحنة/8_9).
أی أن الله لا ینهى المسلمین عن الإحسان إلى الکفّار المسالمین الذین لم یقاتلوا المسلمین فی الدین، ولم یخرجوهم من دیارهم، (کقریش حیث فعلت ذلک بالمسلمین). فعندما یقول: لا تحسنوا إلى الکفار، یعنی أولئک المحاربین. فإحسان المسلمین إلیهم هو عین الإساءة لأنفسهم.
العدالة مع الکفّار:
هل یجب العدل والقسط حتى مع الکفّار المحاربین للمسلمین؟ أم ینهانا الله سبحانه عن العدل معهم کما نهانا عن الإحسان إلیهم؟
الجواب، ما جاء فی بدایة سورة المائدة: {ولا یجرمنّکم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة/8)، وفی آیات أخرى من القرآن الکریم أن لمحاربة الکفّار حدوداً، فلو تجاوز المسلمون الحد المعیّن فی قتالهم للأعداء، فذلک اعتداء وتجاوز للحدود بتعبیر القرآن، یقول تعالى: {وقاتلوا فی سبیل الله الذین یقاتلونکم ولا تعتدوا إنّ الله لا یحبُّ المعتدین} (البقرة/190).
مثلاً لو رمى العدوُّ سلاحه أرضاً وسلّم نفسه لکم، فلا تقتلوهم، ولا تتعرضوا لأطفالهم ونسائهم وشیوخهم وبیوتهم وزرعهم وعیون مائهم. تلک الأوامر التی کان الرسول (ص) یعطیها لجنوده حینما یعزمون على الحرب. فعندما یتعلق الأمر بالعدالة والظلم، فإنّه یقول: لا تتجاوزوا الحدود مع الکافرین أیضاً ولا تظلموهم واعدلوا معهم.
فتجب مراعاة العدالة على أی حال، والإحسان إلى الکفّار، بشرط أن یکون له تأثیر حسن، أمّا لو کان تأثیره سّیىء _ على المسلمین _ فلا یجیزه الإسلام أبداً. فیقول مثلاً: لا تبیعوا سلاحاً للکافر، مع علمکم أو احتمالکم بأن بیع السلاح للکافر یقویه وسیحاربکم به، ولکن لا مانع من بیع شیء للکافر لیس له أثر سیّىء.
الإمام الصادق (ع) والرجل الکافر:
رأى الإمام الصادق (ع) فی سفره رجلاً إلى جانب شجرة فی حالٍ تبیِّنُ حزنه وتألمه، فقال (ع) لمن معه: لنذهب إلى هناک، کأنّ لهذا الرجل مشکلة وهو لا یتکلم ولا یطلب العون من أحد. وحینما ذهبوا إلیه عرفوا أنّه رجل غیر مسلم. وقد تبین أنّ هذا المسکین وحید فی الصحراء وجائع وظمآن. فأمر الإمام (ع) بإعطائه ماءً وطعاماً ونجا من الموت. فقال من کان مع الإمام (ع): إنّه کافر، فهل یمکننا أن نعطف على الکافر ونعینه؟ قال (ع) نعم، العطف الذی یوصل له الخیر فقط. فإنّه لا یضرّ فی شیء، فهل عادیتم المسلمین بالإحسان إلى هذا؟
الإحسان فی مقابل الإساءة:
هناک آیتان، توصی إحداهما بالإحسان الذی له أثر حسن. یقول تعالى: {ولا تستوی الحسنة ولا السیئة} (فصلت/34). ویتبیّن بالقرینة، أنّ المراد هو الإحسان للناس والإساءة إلیهم، أی أنّ أثر الإحسان یختلف عن أثر الإساءة {ادفع بالتی هی أحسن فإذا الذی بینک وبینه عداوة کأنه ولی حمیم} (فصلت/34). أی لو أساء إلیک شخص فأحسن إلیه.
وفی هذا المجال یقول الشاعر: "اعف أیها الفتى، فإن الإنسان یمکنه من خلال الإحسان أن یصطاد الوحش ویکبّله ".
من البدیهی أنّ الأوامر الأخلاقیة لیست عامة، وأنّ مواردها مشخصة، فمرّة یقولون أحسن لیمکنک أن تغیّر قلب المقابل بالإحسان، وخصوصاً حین نعلم بأن أثر هذا الإحسان هو التخلص من العدوّ وجذبه إلینا. إنّ أحد موارد صرف الزکاة هم المؤلفة قلوبهم، وهم الکفار الذین أظهروا الإسلام وهم ضعیفو الإیمان، فتجب حمایتهم والحفاظ علیهم بالمحبة والإحسان المالی.
الصبر على إساءة المشرکین:
والآیة الثانیة: هی: {ولتسمعن من الذین أوتوا الکتاب من قبلکم ومن الذین أشرکوا أذى کثیراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلک من عزم الأمور} (آل عمران/186).
فالحدیث هنا، عن الصبر والتقوى، ولیس حول الإحسان. فهنا منع عن ردّ الفعل السیئ، وهو ما یعدُّه البعض عملاً غیر منطقی، لکنّه بتعبیر القرآن من عزم الأمور، أی هو عمل قائم على أساس العقل والمنطق والعزم، ولیس عملاً قائماً على أساس المیول والإحساسات غیر المنطقیة.
التفسیر الصحیح للمحبة:
وإن لم یکن المجال مورداً لـ {ادفع بالتی هی أحسن السیئة} (المؤمنون/96)، بل کان الإحسان سبباً للإساءة الإنسانیة، فهنا یأمرنا الإسلام باستعمال القوة، التی أشدها الجهاد فی الأمور الجماعیة، والقصاص فی الأحکام الجزئیة. لکنّ کلّ هذا ناتج عن حبّ الخیر والصلاح والسعادة للآخرین. ولیس استثناءً من القانون العام فی جمیع الأدیان، الذی یقول: "أحبب للناس ما تحب لنفسک، وابغض لهم ما تبغض لنفسک"، بل هو اختلاف فی أسلوب الإحسان.
سابقاً، عندما لم یتعوَّد المزارعون على رش السموم فی مزارعهم، کانوا یرون موظف الدولة عدوّاً لهم، فعندما کان یذهب المسؤولون لرشِّ السموم فی المزارع (وهذا العمل لصالح المزارعین وخیرهم)، کان المزارعون یعطونهم الرشاوى لکی یغادروا المزارع بدون رشّ السموم، وکانوا یشترون أدویتهم وسمومهم ثم یدفنونها فی مکان بعید.
فلو کان الناس إلى الآن على هذا المنوال، فهل نقول: لا یجب علینا أن نؤذی الآخرین، وبما أنهم یتألمون ویبغضون رش السموم، فعلینا أن نستجیب لهم؟ کلا، فالمسـألة لیست مسألة التألم والانزعاج، بل یجب توعیة الناس ولو بالقوة وإیصال الخیر والصلاح لهم، لأنهم سیدرکون ذلک الخیر والصلاح فی آخر المطاف.
إذاً مسألة الإحسان والمحبة هی إحدى المسائل التربویة الإسلامیة، بل هی موجودة فی جمیع الأدیان، ولکن بفارق وجوب الدقة فی تفسیر المحبة والإحسان؛ لکی لا نخلط هذا الإحسان بذلک الإحسان السطحی.