Articles

شخصیة النبی الأکرم فی خط الإمام الراحل

 5/1/2015
إن الرسول الأکرم وخاتم الأنبیاء وأفضل المرسلین (صلى الله علیه وآله وسلم) الذی أصبح مبدلنهضة الإسلامیة الربّانیة ومصدر نشر العدالة وثقافة الإنسان، ومؤسس حرکة القضاء على أسس الظلم والإساءة، والرقی بمنزلة الإنسان العلیا، والهجرة عن جمیع المظالم والصفات الشیطانیة والحیوانیة والاتجاه نحو النور المطلق ومنبع الکمال ومؤسس الأمة والإمامة". 
یختصر هذا النص المهم جداً عن الإمام الخمینی قده شخصیة النبیّ الأکرم (صلى الله علیه وآله وسلم) من خلال ذکر المواصفات الأساسیة والأهداف الإلهیة الکبرى التی سعى رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) من أجلها طیلة حیاته الشریفة لتصبح عقیدة ومنهاج حیاة للبشریة الباحثة عن العدالة والأمن والفضائل. 
ولابدّ لنا من الوقوف عند مفردات هذا النص لتوضیح بعض معانیها لأننا بحاجة لأن نفهم شخصیة النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) وسیرته فهماً واقعیاً یعیننا فی حرکة الحاضر الذی مهما کان قاسیاً وظالماً، فإنه لن یرقى إلىلقسوة والظلم اللذین کانا فی عهد النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم)، ومع هذا لم یدَّخر جهداً ووسیلة من أجل إیصال صوت الإسلام إلا بذل، وکان له فی نهایة الأمر نتیجة إیجابیة رائعة تمثّلت فی قیام النواة للدولة الإسلامیة العالمیة. 
أولاً: النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) مبدأ النهضة الإسلامیة الربّانیة: باعتبار أن الله عزّ وجلّ قد أوحى إلیه بالشریعة الإسلامیة السهلة السمحاء لیخرج الناس من الظلمات إلى النور، وتمکن من أن یقیم فی الأرض عبر جهاده وصبره وتضحیاته النواة الأولى للإسلام کدولة ملأت جوانب الأرض فأشرقت بنور ربّها موحّدة له ومتوجّهة إلیه دون غیره. ولاشک أن ذلک الإنجاز هو الحجة البالغة على المسلمین فی هذا الزمن حیث لا نقل عدَّاً وعُدَّة عن المجموعة الإسلامیة المعاصرة للنبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم)، وحیث أن أعداءنا لیسوا أقوى من قریش وحلفائها فی ذلک الزمن. 
ثانیاً: النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) مبدأ نشر العدالة: حیث أن النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) عمل على ترسیخ قیم الإنسانیة فی حیاة المجتمع الإسلامی، وملغیاً القوانین الجاهلیة القائمة على أسس التفاصیل الطبقی بین البشر تبعاً للثروة أو للانتماء القبلی أو لعوامل القوى المادیة وغیر ذلک من الموازین التی کانت تؤدّی إلى اختلال العدالة بکل معانیها وأبعادها بین الناس. 
ثالثاً: النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) مصدر الثقافة الإسلامیة: باعتبار أن الشریعة التی جاء بها انطلقت من الإنسان لتهذّبه ولتبنی نفسه البناء الذی یحقق لهذا الموجود دوره الحقیقی فی هذه الدنیا وهو دور التمهید والتوطئة للحیاة الآخرة عبر بناء الدنیا، وبذلک أخرج النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) الإنسان من ثقافة اللحظة والمتعة إلى ثقافة تنسجم مع تطلعاته وآفاقه الإنسانیة الرحبة المبنیة على الفضائل والقیم التی یرمز إلیها الإنسان. 
رابعاً: النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) مؤسس حرکة القضاء على الظلم: باعتبار أن النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) الذی أراد من خلال الشریعة أن یمنع أی عدوان یمکن أن یمارسه أی ظالم فی أی جانب من جوانب الحیاة، لکی یدفع بالناس على تفجیر طاقاتها الخلاّقة والمبدعة من أجل خیر الإنسان، لأن الظلم بما هو قهر لإرادة الآخرین وتسلُّطٌ علیهم سیؤدی إلى قتل کل الطموح والقعود عن العمل والإنتاج لانعدام الدوافع الخیّرة عند هؤلاء بسبب الضغوطات الممارَسَة ضدهم والمانعة لهم من الانطلاق نحو الأعمال الصالحة لخیر أنفسهم وخیر الناس أجمعین. 
خامساً: النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) مصدر ارتقاء الإنسان: وهذا مما لا یمکن المناقشة فیه بعد الخطاب الإلهی لنبیّه (صلى الله علیه وآله وسلم) {وَإِنَّکَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِیمٍ} حیث یکشف عن المراتب الأخلاقیة والسلوکیة الرفیعة جداً التی وصل إلیها (صلى الله علیه وآله وسلم) حتى صار مورداً للمدح الإلهی، وهو لاشک أراد کل المؤمنین به والأتباع لدینه أن یسیروا على نفس النهج والصراط لأن هذا السلوک هو الکاشف عن القدرات الخفیة المودعة فی نفس هذا المخلوق لیرتقی إلى أعلى درجات الصفاء لیصبح قاب قوسین أو أدنى کما هو حال نفس وروح رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم). 
سادساً: النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) مؤسس الهجرة عن جمیع المظالم: باعتبار أن التزکیة والتهذیب للنفس لا یمکن أن تتلاءم مع الظلم والمظالم المرتکبة بحق النفس أو الآخرین، لأن الظلم هو تعبیر عن نفس مأسورة للشیطان وقواه التی یستغلها لحرف الإنسان عن مساره الصحیح نحو الله عزّ وجلّ وتحویله إلى أداة للفتنة والفساد والإفساد وتدمیر کل المعانی الجمیلة للحیاة الإنسانیة، بینما التزکیة تحوّل النفس إلى جسم لائق قابل لاستیعاب الفیوضات الرحمانیة لتظهر فی الفعل الإنسانی جمالاً وضَّاءً ونوراً مشرقاً یهدی الناس ویأسرهم ویجذبهم إلیه لیسیروا بهدیة ویقتدوا بسیرته. 
سابعاً: النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) مؤسس الأمة والإمامة: باعتبار أن عقیدة التوحید التی تعنی أن کل البشر هم واحد لوحدة الأصول والجذور المنطلقین منها، إلا أن هذه الوحدة لما غابت عنهم بفعل شیاطین الجن والإنس عمل النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) على إعادتها إلى ما بین الناس لیرتبطوا بالله وبأنفسهم على أساس، وهذا ما حصل وتکوّنت الأمة وتأسّست کوحدة متراصة هی نتاج عقیدة وجهاد دنیوی عظیم، وأسس بالتالی طریق الفلاح والنجاح للأمة من خلال تأسیس خط الإمامة والقیادة، لکی تسلکه الأمة بعد رحیله لتبقى فی المسار الصحیح والصراط المستقیم الذی لا خسران معه ولا تراجع بل انتصار دائم وفوز مستمر. 
من هنا نحن بحاجة إلى هذا الفهم الشامل والمستوعب لسیرة النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) حتى یکون لنا ذلک طریق هدایة وإرشاد ویفتح قلوبنا وعقولنا لنعرف کیف ینبغی أن نکون جنوداً مضحّین مدافعین عن هذا الدین الذی حمله رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) وفتح به القلوب لیسکنها والنفوس لترتاح إلیه والأوطان لیدیرها والشعوب لیقودها إلى خیرها فی الدنیا والآخرة. 
If you want to submit a comment, you should login to the system first. To login please click the login button.