Articles

ولایة الفقیه والحکومة الدینیة

 5/1/2015

بقلم: آیة الله حسین مظاهری 

إن الحکومة للبشر أمر ضروری عقلی، حیث إن المجتمع بدون حکومة یوجب الهرج والمرج، فالحکومة هی التی تنظم أمور الفرد والمجتمع، وتجری الحدود والحقوق، وتؤمن عزة واستقلال المجتمع الانسانی، وهی أساس توسعة وتکامل العلوم والفنون البشریة، وهذا المطلب من الامور البدیهیة ولا یحتاج إلى إقامة البرهان.
ومن طرفٍ آخر فقد عدت الادیان الالهیة أیضاً، وخاصة دین الاسلام المبین الحکومة أمراً ضروریاً ولازماً لحیاة البشر ویؤکد ذلک الضرورة العقلیة، وکمثال هناک روایة الفضل بن شاذان التفصیلیة التی نقلها عن الامام الرضا (علیه السلام) والتی هی کافیة فی هذا المجال.
وفی الواقع فإن الحکومة والنظام والسیاسة هی الوسیلة والآلة لاجراء اهداف الانبیاء، ومن هذه الجهة نرى أن کل واحد من هؤلاء العظماء الذین وفقوا إلى تشکیل الحکومة کالنبی داود والنبی سلیمان (علیهما السلام) ونبینا الاکرم (صلى الله علیه وآله وسلم)، نرى إلى أی حدٍّ کانوا موفقین لنیل أهدافهم الالهیة والوصول إلیها.
وفی المقابل نرى أن من لم یمتلک منهم هذه الوسیلة کم کان مسیر حرکتهم صعباً، وکم عانوا من الضیق فی سبیل الوصول إلى أهدافهم.
وعلیه فلیس هباءً إیجاد الطواغیت وأعداء الادیان على مر التاریخ للموانع والمشکلات فی طریق إیجاد حکومات الصالحین، وقد کانوا یسعون دائماً إلى إسقاط حاکمیة الصالحین على الارض.
وحیث إن دین الاسلام المبین من بین کل الادیان الالهیة له عمومیة أبدیة وإلى القیامة بالنسبة لکل فرد وکل زمان ومکان، وهذه العمومیة للامور الثلاثة من الضروریات والبدیهیات فی نظر القرآن الشریف والروایات، لذا فالاسلام من دون تردید له حکومة فی زمن غیبة الامام المعصوم (علیه السلام)، خاصة وأن الاسلام دین عبادی وسیاسی ولا تتلخص أحکامه المقدسة فی العبادات والمسائل الشخصیة، وکما هو الحال فی زمن الحضور فقد عین ونصب فی زمن الغیبة حاکماً وزعیماً لادارة الحکومة حتى یرجع إلیه المسلمون فی الامور الاجتماعیة والحوادث الطارئة. ولذا فإن أستاذنا المعظم الامام الخمینی (قدس سره) یصرح بالقول فی هذا المجال بأن "کل من یرى أنه لا ضرورة لتشکیل الحکومة الاسلامیة فإنه منکر لضرورة إجراء الاحکام وعمومیتها ومنکر لدیمومة وخلود دین الاسلام المبین".
و هذا المجال أیضاً، یقول استاذنا المعظم المرحوم آیة الله العظمى البروجردی (قدس الله روحه): وحیث إنه کانت هناک روایات کثیرة عند الشیعة المتقدمین لم تصل إلى أیدینا، لذا فإنه نستکمن اتفاق واجماع الفقهاء على فتوى واحدة بأنه کانت فی أیدیهم روایة کاملة وصحیحة من جهة السند والدلالة لم تصل إلینا على مر الزمن.
ثم انه أصلاً لا یمکن أن یکون هناک دین ذکر کل الجزئیات العبادیة والسیاسیة والمعاملاتیة وترک مسألة ذات أهمیة وضرورة مثل الحکومة.
وربما یکون أحد الاسباب لعدم وصول تلک الروایات إلینا هو سعی الطواغیت وحکام الجور لعدم تشکیل وقیام حکومة الصالحین، ومن هذه الجهة ولاجل الوصول إلى هذا الهدف فقد سعوا إلى محو أفکار وآراء الائمة الطاهرین (علیهم السلام). ورغم ذلک فانه یوجد بأیدینا الکثیر من المجامیع الروائیة والحدیثیة، نظیر حادثة الغدیر المبارکة، فإنه رغم کل سعی الطواغیت لمحو الآثار الغدیریة یوجد بأیدینا آثار عظیمة عن تلک الحادثة بنقل المعصومین (علیهم السلام).
وبناءً على هذا، فعندما نرى من طرفٍ أن الاسلام له حکومة من دون تردید فی زمن غیبة الامام المعصوم (علیه السلام)، ونعلم من طرف آخر ان الحکومة فی الاصل هی للذات الالهیة المقدسة، ومن ثم لکل من یعطیها الله، لذا فإننا ندرک أن الشخص الذی له حق الحکومة یجب أن یکون منصوباً من قبل الله لاحراز هذه المسؤولیة، حیث إن توحید الله تعالى فی "خالقیة الوجود" ملازم ومستلزم لتوحیده فی "الخالقیة على الوجود"، وکل الحاکمیات الاخرى هی بالعرض ولابد أن تنتهی الى حاکمیة الله والتی هی حاکمیة بالذات.
وعلیه فالحکومة فی نظر الانسان الموحد یجب أن تکون بالنصب من قبل الحاکم المطلق على عالم الوجود أی الله سبحانه وتعالى، وهذا المطلب المهم یشیر إلى أنه إذا کانت هناک أفکار ترى أن الحکومة هی من قبل الجهة السفلیة فلن تکون هذه الافکار أفکاراً توحیدیة، لانه بناءً على التفکیر التوحیدی فإن الحکومة هی لله أولاً ومن ثم لکل من یعطیها الله.
وفی النتیجة، فإن الحکومة أمر یأتی من الاعلى لا من الاسفل، ویجب أن نرى بالدقة لمن اُعطی هذا الاختیار؟ وعلیه فالحکومة الدینیة تکون "بالنصب والتعیین" ولیست "انتخابیة"، والروایات والادلة عینت ونصبت هذه الحکومة. ثم ان أهل الخبرة بناءً على هذه الادلة یشخصون ویکشفون مصداقاً لهذا النصب، ولو کان هناک مصداقُ ما تولى زمام الامور بنفسه فتتعین فیه هذه السمة کما اتفق ذلک فی الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة وفی خصوص الامام الخمینی (أعلى الله کلمته).
وخلاصةً نقول: إن مسألة الحکومة فی زمان غیبة إمام العصر (علیه السلام)، وموضوع ولایة الفقیه هما من المسائل التی ــ وبالتعبیر الجمیل لاستاذنا العظیم الشأن الامام الخمینی (أعلى الله کلامه) ــ "تصورها موجب لتصدیقها".
ولذا نرى صاحب الجواهر (قدس سره) والذی یعد کتابه القیم من الوسائل المهمة للمراجع والمجتهدین یدعی الضرورة حول ولایة الفقیه أیضاً فی عدة موارد، ومن جملتها ما ورد فی کتاب الامر بالمعروف والنهی عن المنکر، حیث إن له بیاناً مفصلاً یقول فیه "من الغریب وسوسة بعض الناس فی ذلک بل کأنه ما ذاق من طعم الفقه شیئاً، ولا فهم من لحن قولهم ورموزهم أمراً، ولا تأمل المراد من قولهم (علیهم السلام) فی الادلة الواردة…
وعلیه، فما تقدم معنا تقریرٌ إجمالی عن أحد الطرق لاثبات موضوع الحکومة والزعامة بعد غیاب النبی وأهل البیت (علیهم السلام) والذی یعبر عنه باصطلاح علم الاصول "الکشف العقلی".
هذا ویوجد طریق وتقریب آخر لاثبات هذا الموضوع عن طریق علم الکلام، وهو التمسک بقاعدةٍ یطلق علیها فی الاصطلاح الکلامی "قاعدة اللطف".
وبیان المطلب أن نقول وبشکل منطقی أن إرسال وبعثة الانبیاء وکذلک تعیین ونصب أوصیائهم "فیض ولطف" لأن له دوراً أساسیاً وتاثیراً مهماً فی سعادة کمال الناس، وکل فیض ولطف لازم وواجب على الله الفیاض على الاطلاق، لأن المنع عن الفیض واللطف بخل والله تعالى منزه عن البخل وکل صفة لا تلیق به.
ولذا نستنتج أن بعثة الانبیاء وتعیین خلفائهم لازم وواجب على الله، وهذا البرهان العقلی والشکل الاول المنطقی له دلالة على نصب الزعیم والقائد فی زمان الغیبة بتقریب مفاده أن نصب الزعیم فی زمان الغیبة فیض ولطف، لان حفظ النظام فی المجتمعات الاسلامیة وإجراء قوانین الاسلام وخاصة القوانین الاجتماعیة والسیاسیة، وبیان أحکام الاسلام وتطبیق کلیاتها على الامور والحوادث الواقعة کل ذلک یحتاج إلى حضور الزعیم والقائد وبدونه یؤدی إلى الهرج والمرج فی النظام. وحیث إن کل فیض ولطف لازم على الفیاض على الاطلاقن لذا فإن تعیین ونصب الزعیم من قبل الله تعالى فی زمان الغیبة لازم وواجب أیضاً.
وحیث إن هذا النصب فی غیر النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) والأئمة الطاهرین (علیهم السلام) لا یمکن أن یکون بصورة "فردیة" بل لابد أن یکون بصورة "عنوانیة"، وبتعبیر آخر فإن النصب لیس بواسطة "التنصیص" بل بواسطة "التوصیف"، ومن الممکن أن یکون لهذا الوصف والعنوان مصادیق متعددة، لذا فإن الناس بواسطة أهل الحل والعقد أی المتخصصین والخبراء والعارفین بالحکومة یشخصون ویکشفون من بین هذه المصادیق عمن هو حائز للشرائط الکاملة، کما یستفاد ذلک من الروایات المعتبرة ومن جملتها مقبولة عمر بن حنظلة ــ وهذه أیضاً إحدى الطرق لاثبات موضوع الحکومة والولایة عند غیاب المعصومین (علیهم السلام) ویطلق علیها الدلیل النقلی ــ حیث ورد عن أئمة الهدى (علیهم السلام) أنه فی زمان عدم الوصول إلى الامام المعصوم (علیه السلام) قد نصبوا الفقیه الجامع لشرائط الحکومة، وعلى العارفین بالحکومة فی کل زمان کشف وتشخیص وتعریف هذا المصداق.
ولو تقدم لذلک أحــد الفقهاء بنفســه یکون هو ولی الامــر، إذ التعدد موجب للهرج والمرج وفقدان الانسجام الوطنی للدولة. وبناء على هذا وفی الحقیقة فإن انتخاب الناس عنوان ثانوی ولیس حکماً أولیاً.
وعلیه یمکن القول بناءً على أدلة النصب أن وظیفة أهل الحل والعقد فی النظام المقدس للجمهوریة الاسلامیة الایرانیة والذین هم (مجلس الخبراء) هو کشف وتشخیص الولی الفقیه.
وبعبارة اخرى فإن مسؤولیة الخبراء هو کشف اجتماع شرائط الولی الفقیه فی شخص خاص وتعریفه للمجتمع الاسلامی ولیس جعل مقام الولایة، أو إنشاء نصب الولی، أو إعطاء مقام مجعول للفقیه الواجد لشرائط القیادة. وعلى هذا الاساس فإن ما یقال من أن القائد ینتخب من قبل الخبراء والناس هو أمر غلط وغیر صحیح.
وکذلک فإن الشبهة التی یقال على طبقها بأن (دلالة الروایات المذکورة على نصب الفقهاء للحکومة والولایة محل إشکال، وحتى مقبولة عمر بن حنظلة على فرض أن مفادها النصب أیضاً والذی هو أیضاً محل اشکال، لا تدل على أکثر من منصب القضاوة) هی إشکال غیر وارد وادعاء بلا وجه ورد ذلک ونقده موکول إلى محله والکتب المفصلة، ولکن إجمالاً یجب الاشارة الى أنه إذا أردنا تخصیص مقبولة عمر بن حنظلة بامر القضاء فنتیجة ذلک هو عدم المماثلة بین سؤال السائل وجواب الامام (علیه السلام). وفی الحقیقة سیکون الجواب ناقصاً بالنسبة للسؤال وأجنبیاً عنه وحتماً، فإن المقام لا یسع لتفصیل هذه المطالب.
وبناءً على ما قدمناه إلى الآن بصورة الاجمال والاختصار یمکن القول فی الجواب عن السؤال المطروح بانه لیست فقط من الجهة الفقهیة ــ وبعبارة اخرى الدلیل النقلی والروائی الصرف ــ بل ومن الجهة العقلیة وأیضاً من الجهة الکلامیة فإن دین الاسلام المبین له حکومة ونظام حکومتی، والولایة والزعامة فی الحکومة الدینیة هی بنحو النصب والتعیین، وحتما فإن الادلة الثلاثة والتی بینت باختصار لها تفاصیل وردت فی الکتب المفصلة، ونحن أیضاً قد بینا هذه الادلة بالتفصیل فی الفصل الثانی من کتاب (المقایسة بین الانظمة الاقتصادیة) عند البحث عن الحکومة والولایة فی الاسلام، ویمکن للراغبین بذلک الرجوع إلیها ومراجعتها. وإضافة الى ذلک فإن هناک براهین وأدلة نقلیة اخرى موجودة بهذا الخصوص، وقد ورد قسم من تلک الادلة فی ذلک الکتاب، وتفصیل هذه الادلة والتی تدل تماماً على الولایة المطلقة للفقیه بصورة (النصب) من قبل الشرع المقدس، والجواب على الاشکالات المختلفة التی طرحت حول ذلک، وأیضاً مناقشة ورد ادعاء وجود الروایات المعارضة کل ذلک یعد من المباحث العلمیة المفصلة التی لا یسعها المقام، وقد تعرضنا بصورة مفصلة لها فی سنة تحصیلیة من دروس الخارج "الفقه" وهی الآن على باب التحقیق والطبع.
وفی الختام نضیف فی الجواب عن السؤال الاول لتکمیل الادلة المتقدمة، فنقول: إن مفاد هذه الادلة الثلاثة یفهمنا بان الاسلام له حکومة، والحاکم فیها هو الامام المعصوم (علیه السلام). وأما فی زمان الغیبة فقد نصب الامام المعصوم (علیه السلام) وعین زعیماً وقائداً، ولکن من هو هذا الزعیم؟ هذا المطلب نستفیده من قاعدة اخرى یعبر عنها فی اصطلاح علم الاصول بقاعدة القدر المتیقن، وهذه القاعدة تدل فی المقام على أن الزعیم یجب أن یکون فقیهاً جامعاً للشرائط، أی أنه متخصص فی العلوم الاسلامیة ومتعهد للعدالة والتقوى ولائق للمدیریة والتدبیر. کما أن العقل أیضاً یحکم بان مثل هذا الشخص مقدم على الآخرین، لان الناس فی المعارف الاسلامیة إما أصحاب نظر أو لا، وقطعاً فإن أصحاب النظر أولى لامر الحکومة الاسلامیة. وعلى الاول إما عدول أو لا، وقطعاً الاعدل أولى للحکومة. ومن کان عالماً وعادلاً إما أن یکون لدیه لیاقة قدرة وادارة المجتمع الاسلامی أو لا، وقطعاً فإن من لدیه القدرة على الادارة والتدبیر أولى للزعامة والقیادة. وبناءً على هذا فإن الزعامة فی الاسلام مختصة بالفقیه العادل القادر.

If you want to submit a comment, you should login to the system first. To login please click the login button.