Articles

کرامة الإنسان والتکلیف فی منهج الإمام الخمینی

 5/1/2015

بقلم:عبد الوهاب حسین 

ولقد کانت نفسیة الإمام الخمینی العظیم ( قدس سره الشریف ) ممتلئة بالعزة والکرامة والشموخ الرسالی،وتمثل الکرامة أساسا فکریا وعقائدیا وأخلاقیا متینا فی حرکته الثوریة وصراعه المریر ضد الباطل والظلم والاستبداد، حریک الشعب الإیرانی وإلهاب حماسه على طریق الثورة وبناء الدولة الإسلامیة، وتحریک شعوب العالم المستضعفة ضد الدکتاتوریة والاستبداد وقوى الاستکبار العالمی .
الموضوع : محاضرة للأستاذ عبد الوهاب حسین .
المناسبة : الذکرى السنویة لرحیل الإمام الخمینی .
المکان : قریة دمستان ـ مأتم الشباب .
الیوم : مساء الثلاثاء ـ لیلة الأربعاء .
بتاریخ : 25 / جمادى الثانیة / 1431هج .
الموافق : 8 / یونیو ـ حزیران / 2010م .
ملاحظة : أعید إلقاء القسم الأول من المحاضرة ( کرامة الإنسان ) فی کلمة فی مدینة سترة / مرکوبان / مأتم العطار، فی مساء السبت ـ لیلة الأحد، بتاریخ : 29 / جمادى الثانیة / 1431هح ـ الموافق : 12 / یولیو ـ حزیران / 2010م ضمن موسم الإمام الخمینی الذی ینظمه مرکز الإمام الخمینی الإسلامی .أعوذ بالله السمیع العلیم من شر نفسی الأمارة بالسوء، ومن شر الشیطان الرجیم
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین
والصلاة والسلام على سیدنا ونبینا محمد وأهل بیته الطیبین الطاهرین وأصحابه المنتجبین الأخیار
السلام علیکم أیها الأحبة : أیها الأخوة والأخوات فی الله ورحمة الله تعالى وبرکاته
فی البدایة : رحم الله من قرأ السورة المبارکة الفاتحة، وأهدى ثوابها إلى روح الإمام الخمینی العظیم ( نور الله ضریحه الشریف )
أیها الأحبة الأعزاء : سوف أتحدث فی هذه اللیلة المبارکة حول مسألتین تمثلان رکیزتین أساسیتین فی منهج الإمام الخمینی العظیم ( قدس سره الشریف ) وهما :
· کرامة الإنسان .
· ومنهج التکلیف .
أولا ـ کرامة الإنسان ..
تمهید : تمثل ماهیة الإنسان وکرامته مکانة تأسیسیة فی فکر الإمام الخمینی العظیم ( قدس سره الشریف ) وحرکته الإصلاحیة، بوصف الکرامة مکون أساسی فی بناء الشخصیة الإسلامیة الرسالیة الفاعلة، ومحرک قوی وفعال نحو إصلاح المجتمع وتطویره . وقد اعتبر الإمام الخمینی أن ما قدمه من فکر حول کرامة الإنسان، یمثل رؤیة إسلامیة قرآنیة صرفة، وهو ما نادى به الأنبیاء (علیهم السلام ) وأن تحقیق الحیاة الکریمة للناس تمثل أحد أهم أهداف رسالات السماء، قول الله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْکِتَابَ وَالْمِیزَانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(الحدید :25 ) واعتبر کرامة الإنسان منحة إلهیة، وعلیه ..
· لیس لأحد الحق فی أن ینتهکها .
· وأنها السبیل إلى الحریة والارتقاء والتقدم، ومواجهة الدکتاتوریة والاستبداد والتخلف .
· وأنها السبیل إلى الفضائل وبناء الإنسان الصالح والمجتمع الصالح .
وقد جاء فی دستور الجمهوریة الإسلامیة فی إیران أن نظام الجمهوریة یقوم على أسس، منها: " الإیمان بکرامة الإنسان وقیمته الرفیعة، وحریته الملازمة لمسؤولیته أمام الله " ( المادة : 2 . الفقرة : 6 ) .
ولقد کانت نفسیة الإمام الخمینی العظیم ( قدس سره الشریف ) ممتلئة بالعزة والکرامة والشموخ الرسالی، وتمثل الکرامة أساسا فکریا وعقائدیا وأخلاقیا متینا فی حرکته الثوریة وصراعه المریر ضد الباطل والظلم والاستبداد، وتحریک الشعب الإیرانی وإلهاب حماسه على طریق الثورة وبناء الدولة الإسلامیة، وتحریک شعوب العالم المستضعفة ضد الدکتاتوریة والاستبداد وقوى الاستکبار العالمی .
وفی هذه اللیلة المبارکة سوف نحاول أن نتعرف على ..
· مفهوم الکرامة .
· وکیف أنها تمثل أساسا فکریا وعقائدیا وأخلاقیا فی الثورة وبناء الدولة .
المفهوم اللغوی للکرامة : للکرامة معانی عدیدة، تقول :
· کرم الشیء : أی عز ونفس وفضل، فالشیء الکریم هو الشیء النادر والمرضی والمحمود والفاضل والثمین .
· وکرم السحاب : أی جاد بالغیث، فالکرم یعنی العطاء والسخاء .
· وأکرم زید : أعظمه ونزهه .
والکریم : هو الجامع لأنواع الخیر والشرف والفضل والفضائل، والمنزه عن الأفعال الدنیئة والصفات القبیحة، وهو صفة لکل ما یرضى ویحمد فی بابه، فیطلق على الرزق، فیقال : حجر کریم، ورزق کریم، وعلى الکتاب، فیقال : کتاب کریم، وعلى الإنسان، فیقال رجل کریم، وامرأة کریمة، والکریم اسم من أسماء الله الحسنى، ویعنی أن الله جل جلاله ..
· کثیر الخیر، والجواد الکریم الذی یعطی بغیر استحقاق وفوق الاستحقاق للمعطى له، لأنه رحیم بعباده، ولا ینفذ عطاؤه .
· وهو ذو الفضل العظیم والرحمة الواسعة، والصفوح عن الأخطاء والزلات .
· والمنزه عن النقائص والأخطاء .
· والحقیق بالتعظیم فیطاع ولا یعصى .
والإکرام : الإنعام والإحسان والإعظام والتفضیل والتنزیه .
والکرامة : اسم یوضع للإکرام .
والمکرمة : فعل الکرم .
معنى کرامة الإنسان : وکرامة الإنسان تعنی أنه موجود نفیس ومتمیز إیجابیا فی وجوده عن سائر الموجودات، وأن له الفضل والشرف على سائر الموجودات، وأنه مکان الإنعام والإحسان والتفضیل من الله تبارک وتعالى، فالإنسان یحظى بعنایة ربانیة خاصة، فقد جعله الله تبارک وتعالى ..
· خلیفته فی الأرض .
· ومستودع علمه حکمته .
· ومرآة جلاله وجماله .
· وأسجد له ملائکته .
· وسخر له ما فی السماوات والأرض .
قول الله تعالى : { وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلًا } ( الإسراء : 70 ) .
فالآیة تقرر وجود کرامة تکوینیة أصیلة وهبها الله ذو الجلال والإکرام للإنسان فی المقام الأول، وبسبب کرامته تم ..
· حمله فی البر والبحر فی سیاق تسخیر الموجودات من أجله .
· ورزقه من الطیبات فلا یأکل الخبائث ولا یأکل کما تأکل الانعام .
· وتفضیله على سائر المخلوقات .
والخلاصة : أن للإنسان کرامة تکوینیة فی أصل خلقته التی وهبه الله ذو الجلال والإکرام إیاها، وأن هذه الکرامة هی السبب فی جعله خلیفة الله عز وجل فی الأرض، وأمر الملائکة بالسجود له، وتسخیر ما فی السماوات وما فی الأرض من أجله، وهنا یبرز أمامنا سؤالان ..
علة کرامة الإنسان :
السؤال ( 1 ) : ما هی علة کرامة الإنسان ؟
الجواب : لکرامة الإنسان ثلاث علل، وهی :
العلة ( 1 ) : النفخة الربانیة فی الإنسان، قول الله تعالى : {فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِینَ } ( الحجر : 29 ) فعلة أمر الملائکة بالسجود لآدم ( علیه السلام ) هی النفخة الربانیة، وهی علة کرامته، وهی التی تمنحه القابلیات والاستعدادات الوجودیة للتکامل الروحی، واکتساب صفات الله ذی الجلال والإکرام، والتخلق بأخلاقه، والصعود إلى ساحة القدس والطهارة والکمال والقرب من الله ذی الجلال والإکرام .
العلة ( 2 ) : العقل، قال الإمام الباقر ( علیه السلام ) : " لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له : أدبر فأدبر، ثم قال : وعزتی وجلالی ما خلقت خلقا هو أحب إلی منک، ولا أکملت إلا فیمن أحب، أما إنی إیاک آمر، وإیاک أنهی، وإیاک أعاقب، وإیاک أثیب " ( الکافی . ج1. ص10 ) فالعقل هو مدار ..
· الخطاب بالتکلیف الإلهی للإنسان .
· والاختیار للأفعال الحسنة التی تنسجم مع حقیقته النورانیة، واجتناب الأفعال القبیحة التی تتنافى مع حقیقته التورانیة .
· وأفضلیة الإنسان وتقدمه على غیره من المخلوقات بما منحه الله تبارک وتعالى من المواهب والإمکانیات والقابلیات والاستعدادات .
العلة ( 2 ) : حریة الاختیار، قول الله تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَکَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } ( الشمس : 7 ـ 10 ) فهو الکائن الوحید فی الوجود الذی یصنع ماهیته بنفسه، فهو یمتلک القابلیة للصعود لیصنع لنفسه بحریته واختیاره ماهیة أفضل من الملائکة، ویمتلک القابلیة للهبوط لیصنع لنفسه بحریته واختیاره ماهیة شیطانیة سافلة أخس من ماهیة البهائم تهوی به إلى الدرک الأسفل فی نار جهنم، قول الله تعالى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ کَثِیرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا یَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْیُنٌ لَا یُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا یَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِکَ کَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِکَ هُمُ الْغَافِلُونَ } ( الأعراف : 179 )
مقتضى الکرامة :
والسؤال ( 2 ) : کیف تصلح کرامة الإنسان أساسا قویا ومتینا لحرکة الصراع الثوری ضد الاستبداد والاستکبار والتخلف، ومن أجل الارتقاء الحضاری والازدهار الشامل بالإنسان وإقامة دولة العدل الإلهی ؟
والجواب : إن لکرامة الإنسان مقتضیات توجب له حقوقا وتفرض علیه واجبات، وتجاوز هذه الحقوق والواجبات یعد خروجا على مقتضى الکرامة الإنسانیة، ومنها :
( 1 ) : أن لا یفرض دین أو عقیدة على الإنسان، وإنما هو الذی یختار دینه وعقیدته بحسب قناعته العقلیة وإرادته، ویمنح حق التعبیر عن رأیه، ثم یتحمل المسؤولیة الشاملة عن اختیاره فی الدنیا والآخرة، قول الله تعالى : { لَا إِکْرَاهَ فِی الدِّینِ قَدْ تَبَیَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَیِّ } ( البقرة : 156 ) .
( 2 ) : أن لا یفرض على الإنسان نظام سیاسی بغیر إرادته، فالشعب هو الذی یختار النظام السیاسی الذی یعبر عن إرادته ویخدم مصالحه الجوهریة، وهذا هو المراد من القول فی دساتیر الدول الدیمقراطیة : " الشعب مصدر السلطات جمیعا " والکرامة تفرض وضع هذا النص موضع التطبیق، ولیس وضعه فی الدستور للضحک على الذقون، ثم مخالفته من خلال مواد الدستور الأخرى التی تشرعن للدکتاتوریة والاستبداد، وتصادر حق الشعب فی صناعة القرارات، وتفرض علیه إرادة الحکام، وإصدار القوانین المصادرة للحقوق والحریات، وممارسة الانتهاکات على الأرض، بحکم القانون الجائر أو بحکم الواقع استنادا إلى القوة والبطش البهیمی، ومن الناحیة العقلیة والأخلاقیة، فإن من یفعل ذلک لا یشعر هو بکرامة نفسه، قول الرسول الأعظم الأکرم ( صلى الله علیه وآله وسلم ) : " أذل الناس من أهان الناس " ( البحار . ج75 . ص142 ) وقول الإمام الصادق ( علیه السلام ) : " إنما الذلیل الظالم " ( البحار . ج78 . ص203 ) .
( 3 ) : یجب على المجتمع والدولة توفیر الخدامات الأساسیة لجمیع المواطنین، مثل : المأکل والمشرب والمسکن والصحة والتعلیم ونحوها، فلا یلیق بکرامة الإنسان أن یعیش فی الجهل والعراء، وأن یترک للمرض والجوع والعطش تنخر قواه .
( 4 ) : أن موهبة الکرامة تفرض على الإنسان ..
· أن یکون حضاریا وراقیا فی سلوکه ومواقفه وعلاقاته مع غیره، واختیار الأفعال الحسنة، واجتناب الأفعال القبیحة، فمن یشعر بکرامته لا یفعل الأعمال القبیحة .
· وشکر المنعم المتعال، وهو الله ذو الجلال والإکرام، فمن یشعر بکرامة نفسه لا یقابل إحسان الآخرین بالإساءة إلیهم .
· واجتناب مذلة أی إنسان ما لم یفعل هو ما یوجب إذلاله، مثل : التعدی على حقوق الآخرین وحریاتهم، فمن یشعر بکرامة نفسه لا یمکن أن یذل غیره من الناس، قول الرسول الأعظم الأکرم ( صلى الله علیه وآله وسلم ) : " أذل الناس من أهان الناس " ( البحار . ج75 . ص142 ) وقد قال الله تعالى فی الحدیث القدسی : " من أهان لی ولیا فقد أرصد لمحاربتی " ( الکافی . ج2 . ص351 ) وقال الرسول الأعظم الأکرم ( صلى الله علیه وآله وسلم ) : " من استذل مؤمنا واستحقره لقلة ذات یده ولفقره، شهره الله یوم القیامة على رؤوس الأشهاد " ( الکافی . ج2 . ص 353 ) وهذه المعاملة الإنسانیة التی تستند إلى الکرامة، یجب أن تکون مع جمیع الناس على اختلاف مللهم وأدیانهم ومذاهبهم، قول الرسول الأعظم الأکرم ( صلى الله علیه وآله وسلم ) : " من آذى ذمیا فأنا خصمه، ومن کنت خصمه خصمته یوم القیامة " ولهذا وقف الأنبیاء ( علیهم السلام ) والمصلحون الإسلامیون ـ ومنهم الإمام الخمینی العظیم ـ مع جمیع المستضعفین فی الأرض بغض النظر عن مللهم وأدیانهم ومذاهبهم .
· وأن لا یقبل بالمذلة والمهانة والتحقیر من أحد أی کان، قول الرسول الأعظم الأکرم ( صلى الله علیه وآله وسلم ) : " من أقر بالذل طائعا، فلیس من أهل البیت " ( البحار . 77 . ص162 ) .
والخلاصة : یجب على الإنسان بمقتضى کرامته التکوینیة الأصیلة التی جعلها الله ذو الجلال والإکرام فی أصل خلقته وتکوینه ..
· أن یختار دینه ومنهجه فی الحیاة بحریة وبحسب قناعته العقلیة .
· أن یسعى لإقامة النظام السیاسی والدولة التی تعبر عن إرادته وتخدم مصالحه .
· وأن یثور حینما یفرض علیه دین هو غیر مقتنع به، أو نظام سیاسی بخلاف إرادته، أو یحرم من حقوقه الطبیعیة فی الحیاة، مثل : حریة التفکیر والتعبیر، أو یحرم من الخدمات الأساسیة التی تقتضیها کرامته وتوفر له العیش الکریم فی الحیاة، مثل : التعلیم والصحة والسکن والمأکل والملبس وکلها بالشکل المناسب .
· أن یکون حضاریا وراقیا فی سلوکه ومواقفه وعلاقاته مع غیره .
الکرامة أساسا للحقوق والثورة ضد الانتهاکات ..
ولهذا تعد کرامة الإنسان أساسا للحریة والدیمقراطیة والعدل والسلام فی العالم ـ کما أشیر إلى ذلک فی دیباجة الإعلان العالمی لحقوق الإنسان ـ وقد نص الإعلان على أن جمیع الناس من جمیع الأجناس والألوان والاعراق یولدون متساوین فی الکرامة ( المادة : 1 ) وبین الحقوق الأساسیة المفروضة للإنسان ـ بحکم أصالة کرامته ـ فی العدید من مواده، ومنع الممارسات الحاطة بالکرامة ( المادة : 5 ) .
وقد وظف الإمام الخمینی العظیم ( قدس سره الشریف ) بکفاءة قیادیة وإنسانیة عالیة مفهوم کرامة الإنسان کأساس متین ..
· للثورة ضد الاستبداد الشاهنشاهی وقوى الاستکبار العالمی .
· وللمقاومة الشریفة بکل أشکالها .
· والسعی لإقامة دولة العدل الإلهی .
· والسعی لتوفیر الظروف المناسبة لکی یستفید جمیع المواطنین من النعم والإمکانیات الموجودة فی المجتمع والدولة، فی سبیل الازدهار والتقدم، ونیل السعادة والکمال المطلوب للإنسان.
والخلاصة : من یشعر بکرامة نفسه، یرفض أن یفرض علیه دین أو مذهب أو نظام سیاسی بغیر إرادته، ویثور ضد الدکتاتوریة والاستبداد وقوى الاستکبار والتخلف، ویقاوم جمیع الانتهاکات لحقوقه الطبیعیة، ولا یرضى بغیر العیش الکریم فی الحیاة .
ثانیا ـ نظریة التکلیف الشرعی فی فکر الإمام الخمینی ..
تمهید : یعرف منهج الإمام الخمینی العظیم بمنهج التکلیف، وأنا أضع هذا المنهج فی مقابل منهج التبریر والقبول بالأمر الواقع، وفی سبیل فهم هذا المنهج سوف أتحدث فی نقاط عدیدة ..
المراد من منهج التکلیف إجمالا : أن الإنسان مأمور من الله عز وجل بأن یبذل جهده بحسب قدرته وإمکانیاته من أجل إحقاق الحق ومحاربة الباطل وتنفیذ ما یأمره الله سبحانه وتعالى به، دون النظر إلى النتائج التی هی بید الله عز وجل، قول الله تعالى : {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَیْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ کُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِکَتِهِ وَکُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَکَ رَبَّنَا وَإِلَیْکَ الْمَصِیرُ } ( البقرة : 285 ) ..
· فالسمع کنایة عن الإیمان .
· والطاعة دلیل على الانقیاد والعمل بالجوارح .
والسمع والطاعة هما تمام الحق الذی جعله الله سبحانه وتعالى لنفسه على عباده .
نظریة التکلیف بشیء من التفصیل : یرى الإمام الخمینی العظیم ( قدس سره الشریف ) بأن الغایة العظمى للإنسان، وغایة جمیع العبادات، مثل : الصلاة والصیام والحج والزکاة، هی معرفة الله ذی الجلال والإکرام، والفناء فیه، والبقاء به، وهذا یقتضی ..
· عشقه ومحبته .
· والخضوع المطلق لسلطانه .
· والتقید التام بأحکامه فی جمیع مناحی الحیاة : السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة وغیرها .
ومن جهة ثانیة : فإن الحیاة الاجتماعیة للإنسان تفرض وجود الأحکام الشرعیة التی تنظم جمیع شؤون حیاته وتوصله إلى کماله الوجودی، وبدون هذه الأحکام یفسد الأفراد والمجتمع، وتحقق هذا الفساد فی النوع ـ ولیس فی بعض الأفراد وهم العصاة ـ هو بخلاف الحکمة الربانیة والعنایة الإلهیة الخاصة بالإنسان، وقد کتب الله سبحانه وتعالى على نفسه الرحمة، وإیصال الإنسان إلى سعادته وکماله وتحقیق غایة وجوده، ولهذا أنزل الله تبارک وتعالى الأحکام، وفرض على الإنسان التقید بها.
وفی سیاق الخضوع للأمر الله عز وجل ونهیه فی ساحة صراع المؤمنین ضد الباطل والظلم والرذیلة والاحتکار والدکتاتوریة والاستبداد وقوى الاستکبار العالمی والصهیونیة ونحوها، یبرز أمامنا منهجان ..
( 1 ) منهج التکلیف : ونقطة الانطلاق فیه تبدأ بالنظر إلى الله ذی الجلال والإکرام والتعلق به : ( عشقا ومخافة ) ومعرفة الأحکام الشرعیة من مصادرها ( إجتهادا أو تقلیدا ) وفق منهج علمی رصین، ثم إصدارها والعمل بها بقوة، وعدم التردد أو الخشیة من أحد، قول الله تعالى : { الَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَیَخْشَوْنَهُ وَلَا یَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَکَفَى بِاللَّهِ حَسِیبًا } ( الأحزاب : 39 ) وقول الله تعالى : { یَا یَحْیَى خُذِ الْکِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَیْنَاهُ الْحُکْمَ صَبِیًّا } ( مریم : 12 ) .
ویتمتع هذا المنهج بخصائص عدیدة، منها :
· الاستناد فی الحرکة والصراع ضد الباطل والظلم والرذیلة ونحوها إلى الإسلام کفکر وعقیدة وفقه، فلا تنفصل الحرکة عن الفکر والعقیدة کعامل تحریک وتنویر، وعن الفقه کضابط للسلوک والمواقف، واتخاذ الإسلام منهجا للتغییر والإصلاح، والسعی لتحقیق أهداف الرسالة فی الحیاة، والارتقاء بالإنسان إلى أعلى درجات السمو والکمال الإنسانی، فتکون الحرکة فکریة وحضاریة بامتیاز، وتمتلک تراثا ثقافیا یمتد لآلاف السنین، وهو تراث جمیع الأنبیاء ( علیهم السلام ) وآخرهم وخاتمهم وأفضلهم حبیب الله الرسول الأعظم الأکرم ( صلى الله علیه وآله وسلم ) .
· الوقوع تحت تأثیر العشق لله ذی الجلال والإکرام أو المخافة منه، مما یؤدی إلى الترکیز على الأهداف الأساسیة وعدم الاشتغال بالأمور التافهة والجانبیة، وعدم الخضوع للضغوط والمساومات الرخیصة أو الوقوع تحت تأثیر الخوف أو الطمع، وإبعاد الحرکة والصراع عن القضایا الشخصیة .
· الترکیز على أداء التکلیف وتحمل المسؤولیة وعدم النظر إلى النتائج، فهی بید الله عز وجل وحده لا شریک له، الذی یفعل ما یشاء بقدرته، ویحکم ما یرید بعزته، قول الله تعالى : {الَّذِینَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَکُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِیمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَکِیلُ } ( آل عمران : 173 ) .
· الغیرة على المقدسات والأعراض والمصالح الحیویة، والحرص الشدید على الحقوق، والتمسک القوی والحازم بالواجبات، والصلابة والقوة والشجاعة والعزیمة فی مواجهة الصعوبات والتحدیات والمشاکل، والتوکل العمیق على الله عز وجل، والإصرار على تحقیق المطالب والأهداف المشروعة .
وتترتب على هذا المنهج مجموعة من النتائج ..
· السعی لمعرفة الأحکام ( اجتهادا أو تقلیدا ) والالتزام التام بها .
· إخضاع المبانی الفکریة ونتائجها الفوقیة للمراجعة والنقد وإعادة النظر فی التشخیصات باستمرار، مما یترتب علیه سلامة الحرکة وتجددها وتطورها باستمرار .
· تعظیم الشهادة والفداء والتضحیة فی سبیل الله ذی الجلال والإکرام، وتعزیز روحیة المبادرة والإقدام فی ساحة الصراع .
· التأسیس لنظریة ولایة الفقیه التی من شأنها توفیر المظلة والمرجعیة الدینیة العلیا التی تؤمن أداء التکلیف الشرعی والقیام بجمیع الوظائف الشرعیة .
· تحمل جمیع الناس المسؤولیة الشرعیة فی الشأن العام، قول الرسول الأعظم الأکرم ( صلى الله علیه وآله وسلم ) : " ألا کلکم راع وکلکم مسؤول عن رعیته " ( رواه مسلم فی صحیحه ) وقوله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) : " من أصبح ولم یهتم بأمور المسلمین فلیس بمسلم " ( حدیث متواتر متفق علیه ) وتصرفهم بإرادة واختیار، وعدم القبول بالأمر الواقع المفروض علیهم ظلما وعدوانا، والسعی لتغییره وإصلاحه وتحصیل الحقوق التی تصون کرامة الإنسان .
· الشعور بالتواضع أمام الله عز وجل وأداء الواجب، وعدم الشعور بالمنة على أحد من العباد للدور الذی یقوم به المکلف، وتجلی ذلک فی العلاقة مع جمیع الناس .
· انشراح الصدر والصبر على المحن والنوائب والمصائب فی سبیل تحقیق الأهداف، والشعور بالسکینة والطمأنینة والأمل فی ذروة الأحداث، وعدم الیأس مهما کانت الصعوبات والمشاکل، والاعتماد على الألطاف الإلهیة والتسدید الربانی فی مسیرة العمل .
( 2 ) منهج التبریر : نقطة الانطلاق فیه النظر إلى الواقع، وحساب الربح والخسارة فی حرکة الصراع مع الباطل، ثم البحث عن المبررات الشرعیة للموقف الذی یتخذ .
مقارنة بین المنجین ..
( 1 ) : منهج التکلیف یقوم على النزول من الأعلى ( من الله المعشوق الذی له السلطة المطلق على الناس ) إلى الأسفل ( الواقع المحکوم تکوینا بإرادة الله عز وجل وینبغی أن یحکم بها تشریعا ) والسعی لفرض الإرادة الربانیة التشریعیة ( إرادة السید المطلق ) فی الحیاة، ویتجلی فی منهج التکلیف ..
· الإیمان الحقیقی بالغیب والارتباط الفعلی به والتعاطی معه .
· الارتقاء والسمو الروحی والنضج النفسی البالغ .
· نکران الذات وعدم الوقوع تحت تأثیر الحسابات الدنیویة والمصالح الشخصیة فی تحدید المواقف .
· الثقة العظیمة بالله عز وجل والتوکل العمیق علیه .
بینما یکون المنهج التبریری أسیر الذات والواقع والمنافع الدنیویة والحسابات المادیة للربح والخسارة، ویتجلى فیه ..
· الإیمان بالحس والارتباط به وعدم القدرة على التحرر من أسره .
· الالتفات إلى الذات والحسابات الدنیویة والمصالح الخاصة فی تحدید المواقف .
· ضعف الانفتاح على الله عز وجل وضعف الثقة به وضعف التوکل علیه .

( 2 ) : یؤدی العمل بمنهج التکلیف إلى الظفر برضوان الله تبارک وتعالى والتأیید الإلهی، والسلامة فی الدین والنفس، قول الله تعالى : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ یَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِیمٍ } ( آل عمران : 174 ) .
بینما یجعل منهج التبریر صاحبه عرضة لزلات الشیطان الرجیم والوقوع تحت تأثیر وساوسه الخبیثة، قول الله تعالى : { إِنَّمَا ذَلِکُمُ الشَّیْطَانُ یُخَوِّفُ أَوْلِیَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ} ( آل عمران : 175 ) وقد ینتهی الأمر بصاحب المنهج إلى سخط الله عز وجل وجهنم ـ والعیاذ بالله تعالى ـ قول الله تعالى : {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ کَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ } ( آل عمران : 162 ) .ومن المناسب أن أذکر بأن أصحاب المنهج التبریری درجات، وهی :
· منهم مؤمنون أتق ملتزمون، وقد یکونوا فقهاء، ولکنهم لا یملکون الارتقاء الروحی والنضج النفسی الذی یؤهلهم لدفع الأثمان والتضحیات التی یتطلبها منهج التکلیف، قول الله تعالى : { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِمَا یَعْمَلُونَ } ( آل عمران : 163 ) ولهذا خالف بعض الفقهاء الإمام الخمینی ( نور الله ضریحه ) فی مواجهة الشاه، وتقدیم التضحیات اللازمة ثمنا لهذه المواجهة .
· ومنهم من یضعف ولکنه لا یبرر ضعفه تبریرا دینیا، سواء اعترف بضعفه أو لم یعترف .
· ومنهم من یضعف ولکنه یکابر وتأخذه العزة بالإثم فلا یعترف بضعفه، ویعمل على تبریر سلوکه ومواقفه الضعیفة تبریرا دینیا، مما یولد نظریات فکریة وأحکام شرعیة باطلة لتبریر السلوک المنحرف والمواقف الضعیفة، وهذا یؤدی إلى إضلال العباد عن دین الله الحق، وترسیخ الواقع الظالم والمنحرف، لتستمر بذلک مآسی الناس والأضرار المادیة والمعنویة التی تلحق بهم فی الحیاة، وهذا الصنف من التبریر هو الأکثر خطورة، وربما ینطبق على أصحابه قول الله تعالى: { َمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ } ( آل عمران : 162 ) فعلینا أن نضع عقولنا فی جماجمنا وأن نحذر کثیرا من هذا الصنف من التبریر، وأن نقلب الأمور جیدا ونمحصها، وأن نحذر من أصحابه، وأن نحذر أکثر من الدخول فی دائرته .
أسئلة وأجوبة : أجوبة الأستاذ على بعض الأسئلة التی وجهت إلیه فی نهایة المحاضرة ..
السؤال ( 1 ) : هل یتوافق منهج التکلیف مع خط الممانعة، ومنهج التبریر مع خط المسایرة ؟
الجواب ( 1 ) : یجب التفریق بین المصطلحات السیاسیة الثلاثة، وهی : ( الموالاة، والمسایرة، والمعارضة ) وبین منهج التکلیف ومنهج التبریر، لأن الموقف المناسب من السلطة ( الموالاة أو المسایرة أو المعارضة ) یختلف باختلاف الظروف الموضوعیة ونوع السلطة، بینما إتباع منهج التکلیف تکلیف ثابت لا یختلف باختلاف الزمان والمکان والظروف .
السؤال ( 2 ) : ما هو المنهج الذی یسیر علیه تیار الوفاء الإسلامی ؟
الجواب ( 2 ) : یحرص تیار الوفاء الإسلامی على الارتقاء بنفسه وبجماهیره إلى مستوى منهج التکلیف والعمل به ـ إن شاء الله تعالى ـ والله ولی التوفیق والتسدید .
السؤال ( 3 ) : أیکون شعب غزة أکثر أهمیة من شعب البحرین، بحیث تتحرک نخوة البعض من العلماء والقوى السیاسیة والمؤسسات المجتمعیة لنجدة شعب غزة ونصرته، ولا تتحرک لنجدة الشعب البحرینی ونصرته ؟
الجواب ( 3 ) : لا یوجد أحد من العلماء الأجلاء المعروفین والقوى السیاسیة والمؤسسات المجتمعیة المعروفة لا تهتم بالشعب البحرینی وقضایاه الحیویة، فجمیعهم یؤکد اهتمامه بقضایا الشعب البحرینی والعمل بصدق وجد من أجلها، ویعرب الکثیر منهم عن استعداده للتضحیة بنفسه وأعز ما یملک من أجل قضایا الشعب، ولکن یوجد اختلاف فی المنهج والأسالیب والوسائل بین العاملین، ولا یصح أن نجعل القناعة بمنهج مختلف فی العمل مساوی للإهمال والتضییع للقضایا . وهناک جدل فی صفوف بعض المهتمین حول الأکثر أهمیة : القضیة الفلسطینیة أو القضیة الوطنیة، وأنا أتفق مع الرأی القائل بأن القضیة الفلسطینیة فی نفسها أکثر أهمیة من قضیتنا الوطنیة فی نفسها، ولکن أنبه إلى خطأ منهجی یقع فیه البعض، وهو إظهار الاهتمام کثیرا بالقضیة الفلسطینیة مع عدم إظهار الاهتمام المناسب عملیا بالقضایا الوطنیة، بحجة أن القضیة الفلسطینیة أکثر أهمیة من القضیة الوطنیة، والخطأ المنهجی برأیی، یتمثل فی الغفلة أو عدم إدراک أن القدرة الفاعلة على خدمة القضایا الوطنیة والقومیة والإسلامیة تتوقف على نجاحنا فی تحقیق الإصلاح السیاسی الوطنی، والتخلص من الدکتاتوریة والاستبداد، فما لم تنجح الشعوب فی التحرر من الدکتاتوریة والاستبداد وتمتلک زمام القرار فی أوطانها، فلن تکون قادرة على خدمة قضایاها الحیویة : الوطنیة والقومیة والإسلامیة ـ وهذا ما ثبت بالتجربة ـ فالشعوب العربیة المجاورة لفلسطین ـ ماعدا الشعب اللبنانی ـ تقف عاجزة فی ظل الحکومات الدکتاتوریة المستبدة عن تقدیم الدعم والمساندة للشعب الفلسطینی، بل تقف عاجزة وهی ترى حکوماتها تقف موقف المتفرج من فرض الحصار الظالم على الشعب الفلسطینی، فضلا عن مساهمة بعض حکوماتها ومشارکتها بفاعلیة فی فرض هذا الحصار . ولما تحرکت الشعوب ـ تحت تأثیر صوت الضمیر الإنسانی ـ لکسر هذا الحصار الجائر من خلال العصیان المدنی ـ کما فی قافلة شریان الحیاة وأسطول الحریة ـ کان دور الشعوب العربیة هو الأضعف، وذلک لأن الحکومات الدکتاتوریة المستبدة تمنع الشعوب العربیة من المساهمة الفاعلة فی قوافل العصیان المدنی لکسر هذا الحصار الظالم . وهناک من یظهر الاهتمام بقضیة فلسطین وغیرها من القضایا الخارجیة ولا یظهر نفس الاهتمام بالقضایا الوطنیة، لأن الاهتمام بالقضیة الفلسطینیة وغیرها من القضایا الخارجیة لا یتطلب منه أن یدفع ثمنا، ویسمح له بالبروز وتلمیع الصورة، بینما الاهتمام بالقضایا الوطنیة قد تترتب علیه فاتورة حساب لا یمتلک الاستعداد لدفعها، قول الله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَیْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْیَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِکَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِینُ } ( الحج : 11 ) وقول الله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِیَ فِی اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ کَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّکَ لَیَقُولُنَّ إِنَّا کُنَّا مَعَکُمْ أَوَلَیْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِی صُدُورِ الْعَالَمِینَ } ( العنکبوت : 10 ) وسفینة التبریر واسعة، وأشرعتها عدیدة، منها : الدین والحکمة والواقعیة والتدرج ونحوها !!
السؤال ( 4 ) : هل هناک تلازم بین منهج التکلیف والمواجهة ؟
الجواب ( 5 ) : هناک تلازم بین منهج التکلیف ورفض الباطل والظلم والفساد ومقاومتها، قول الله تعالى : { وَلَا تَرْکَنُوا إِلَى الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ وَمَا لَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِیَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } ( هود : 113 ) ولکن لا یوجد تلازم بین منهج التکلیف والمواجهة، لأن المواجهة أو عدمتها محکومة بالظروف الموضوعیة، وقد تأتی لغیر صالح المواجهة، فلم یواجه الرسول الأعظم الأکرم ( صلى الله علیه وآله ) فی مکة قبل الهجرة، وذلک لأن الظروف الموضوعیة فی غیر صالح المواجهة، وتکون المواجهة فی ظلها خیارا خاطئا، وقد یکون خیارا خطیرا یمنع تحقیق الأهداف وقد یهدد الوجود أیضا، فقد روی أن جماعة من أصحاب الرسول الأعظم الأکرم ( صلى الله علیه وآله وسلم ) منهم : عبد الرحمن بن عوف الزهری، والمقداد بن الأسود الکندی، وقدامة بن مظعون الجمحی، وسعد بن أبی وقاص الزهری، کانوا یلقون من مشرکی مکة قبل الهجرة أذى شدیدا فیشکون ذلک إلى الرسول الأعظم الأکرم ( صلى الله علیه وآله وسلم ) ویقولون له ائذن لنا فی قتالهم، فیقول لهم : کفوا أیدیکم وأقیموا الصلاة وآتوا الزکاة، فإنی لم أومر بقتالهم ( تفسیر أبی السعود . ج2 . ص 203 ) قول الله تعالى : {الَّذِینَ قِیلَ لَهُمْ کُفُّوا أَیْدِیَکُمْ وَأَقِیمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّکَاةَ} ( النساء : 77 ) وهکذا کان الحال فی عهد الإمام الحسن ( علیه السلام ) والمقصود هنا المواجهة العسکریة، أما المواجهة السیاسیة، فقد کانت موجودة على عهد الرسول الأعظم الأکرم (صلى الله علیه وآله وسلم ) فی مکة قبل البعثة فی صراعه ضد المشرکین، وعلى عهد الإمام الحسن ( علیه السلام ) فی صراعه مع معاویة بن أبی سفیان، وهذا لا یعنی أن خیار المواجهة السیاسیة صحیح فی جمیع الأحوال، فقد یکون خیارا خاطئا فی بعض الظروف، ولکن لا یمکن إسقاط خیار المواجهة السیاسیة بشکل ثابت ولتاریخ طویل مع وجود الظلم ونحوه .
السؤال ( 5 ) : الکثیر من الناس یمتلکون الرغبة والإرادة فی المقاومة ورفض الظلم، ولکنهم ینتظرون إذن الفقیه، لأنه لا یصح العمل بدون الرجوع إلى الفقیه .
الجواب ( 5 ) : الأصل هو رفض الظلم ومقاومته، والقبول بالظلم ومسایرته أو التعایش معه یحتاج إلى حجة شرعیة استثنائیة، ولیس کل العمل یحتاج إلى إذن الحاکم الشرعی، فالذی یحتاج إلى إذن الحاکم الشرعی هو العمل الذی یدخل ضمن شؤون الولایة، ولیس کل العمل یدخل ضمن شؤون الولایة، فلا یصح ترک کل العمل بحجة عدم الحصول على الإذن . وإذا کانت هناک حاجة إلى إذن الحاکم الشرعی للقیام بعمل صالح أو ضروری، فإن الصدق والإخلاص یدفع المؤمن للسعی الجاد للحصول على الإذن لا أن یجلس فی بیته ویحتج بعدم الحصول على الإذن، فهذا لا ینفعه ولا یبرئ ذمته عند الله عز وجل .
السؤال ( 6 ) : هل یتحرک القائد بحسبه أم بحسب الأمة ؟
الجواب ( 7 ) : حرکة القائد مقیدة بأوضاع الأمة أو الشعب، ولکن القائد مسؤول عن تهیئة الشعب وإعداده للمهام الرسالیة أو الوطنیة، ولیس له أن یقصر فی هذا الواجب ثم یحتج على الدوام بعدم تهیؤ الأمة أو الشعب . ولو صح هذا لما قام الأنبیاء ( علیهم السلام ) والمصلحون بواجباتهم الإصلاحیة فی المجتمعات، فهم الذین یقومون بصناعة الأمة وإعدادها وتهیئة الظروف للقیام بوظائف التغییر والإصلاح .

If you want to submit a comment, you should login to the system first. To login please click the login button.