Articles

الجهاد الأکبر أو جهاد النفس

 5/1/2015
بقلم: الإمام الخمینی(قده) 
مقدمة
الإنسان کائن من أکثر المخلوقات حیرة وتعقیداً.. کائن امتاز عن بقیة الکائنات بفطرته وشخصیته المعنویة، فضلاً عن الغرائز الطبیعیة والحیوانیة والأحاسیس والمشاعر. إنه کائن مفکر وذو إرادة، یسخر عقله وجهده للبحث عن حلول للمعضلات التی تعترض طریقه من أجل حیاة أفضل. وبموازاة بحثه وسعیه فی هذا الطریق، یشید تاریخه ثری معارفه التی ورثها عمن سبقوه، ویمهد الطریق للأجیال القادمة لاکتشاف المجهولات وتسخیر البیعة بنحو أفضل وأوسع.
وفی ظل سعی الإنسان لتحقیق میوله ورغباته وکفاحه المریر للسیطرة على الطبیعة، کثیراً ما یتم ـ للأسف ـ إهمال حقیقة قیمة للغایة وهی جوهر الشخصیة الإنسانیة، وبتعبیر آخر ذات الإنسان، وتجاهل تزکیتها وتهذیبها.. الإنسان الذی نعته بارئ الوجود بأشرف المخلوقات. وقد ورد عن مفسری الوحی الحقیقیین فی معرفة الإنسان ذاته قولهم: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".
أجل، إن تجاهل الأبعاد غیر المتناهیة لروح الإنسانیة، وإهمال مواهبه وقدراته فی طی مسیر الکمالات والفضائل الأخلاقیة؛ من الأمراض التی ابتلیت بها معظم المجتمعات البشریة. وقد ضاعفت سیادة التکنولوجیا والحیاة الآلیة وسیطرة المادیین وعبدة الدنیا على حیز کبیر من هذا العالم ـ من جهة ـ وعجز المذاهب والمدارس الفکریة عن تقدیم نهج واضح وتفسیر مطمئن عن حقیقة الإنسان وغایته ـ من جهة أخرى ـ ضاعفت من مسیرة التقهقر هذه و الابتعاد عن الذات والاغتراب عنها.
وفی هذا الشأن کان الأنبیاء ودعاة التوحید وحماة حریم المبادئ والقیم، وحدهم الذین جعلوا من تربیة الإنسان هدفاً لجهادهم الطویل المتواصل، وأخذوا بناصیة المجتمع الإنسانی ـ بما ینسجم مع نور العقل ونداء الفطرة ـ على طریق الکمالات والقیم المتعالیة. وإن ما خلده تاریخ الإنسان من مفاخر وقیم سامیة وحضارات حقیقیة، هو فی الحقیقة کان ثمرة من ثمار هذه المجاهدات والتضحیات.
ولم تکن الثورة الإسلامیة التی فجرها فی عصرنا الحاضر رجل من رجالات الله، أمام حیرة ودهشة أنظار العالم.. لم تکن مجرد حرکة سیاسیة أو انتفاضة شعبیة انطلقت لإسقاط نظام متجبر ظالم؛ بل مثلث قبل ذلک انبعاثاً ثقافیاً وأخلاقیاً دعا الإنسان المعاصر المحبَط للعثور على فطرته الإلهیة.
یقول مؤسس الجمهوریة الإسلامیة فی وصیته الخالدة، عن ماهیة الثورة العظیمة التی فجرها: "إن تحمل الأتعاب والمشاق والتضحیات والفداء والحرمان یتناسب مع مقدار عظمة الهدف وقیمته وعلو مرتبته. وإن الذی نهضتم أنتم أیها الشعب النبیل المجاهد من أجله، هو أعلى وأسمى وأثمن هدف ومقصد طرح ویطرح منذ بدء العالم فی الأزل وحتى نهایة العالم إلى الأبد. إنه المدرسة الإلهیة بمعناها الواسع، وعقیدة التوحید بأبعادها السامیة. إنه أساس الخلق وغایته فی کل آفاق الوجود، وفی مراتب ودرجات الغیب والشهود. وهذا الهدف متجلّ فی المدرسة المحمدیة ـ على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام ـ بکل المعانی والدرجات والأبعاد. وإن کل مساعی الأنبیاء العظام والأولیاء الکرام ـ سلام الله علیهم ـ انصبت على تحقیق هذا الهدف، وبدونه لا یتیسر السبیل إلى الکمال المطلق ولا إلى الجلال والجمال اللامتناهیین. إنه هو الذی یجعل "الأرضیین" أشرف من "الملکوتیین"، وما یناله الأرضیون من الاتجاه نحوه، لا تناله الموجودات الأخرى فی کل أرجاء الخلیقة ما خفی منها وما ظهر".
فی منطق الإمام الخمینی، لا یعد النضال وممارسة السیاسة وتسلم مقالید الحکم هدفاً بحد ذاته، بل أن تخرج من ساحة الصراع منتصراً، وقد قال عز من قائل: {قد أفلح من زکاها * وقد خاب من دساها}. فالهدف تربیة الإنسان وهدایته فی مسیرته من عالم التراب إلى عالم الملکوت الأعلى.. الهدف یتمثل فی تشکیل المجتمع وإعداد بیئة لا یعبد فیها غیر الله تعالى، فتزیل أنوار العبودیة والإخلاص والإیمان بالغیب، ظلمة الأهواء النفسانیة والشهوات الدنیویة، وتضیء أنظار البشریة بنور جمال الحق فی عالم الوجود، وتعید حاکمیة التوحید وأبعاده المتعالیة فی مختلف العلاقات والنشاطات الإنسانیة. ومثل هذا لا یتیسر إلا بتزکیة النفس، الشیء الذی یجهله حکام الشرق والغرب، ویتعطش إلیه عالم الیوم المنهک.
إن عظمة إنجاز الإمام الخمینی وسر سحر تأثیر کلامه وأفکاره فی نفوس أتباعه، یکمنان فی هذه الحقیقة. إنه لمن العبث أن یحاول البعض من خلال تحلیلاتهم المادیة البحث عن العوامل الاقتصادیة والسیاسیة، للتعرف على السر الکامن وراء شعار "انتصار الدم على السیف"، ونجاح أنصار الإمام فی إلحاق الهزیمة بأیدٍ عزلاء بواحد من أکثر الأنظمة العمیلة لأمیرکا تسلحاً وتکدیساً للسلاح. کذلک یعجز عن إدراک ماهیة الثورة الإسلامیة أولئک الذین لم یطلعوا ولم یتعرفوا على نجاحات الإمام فی تجربة أسالیب الجهاد مع النفس ومضمار "الجهاد الأکبر" الشاق والمضنی.
"الجهاد الأکبر أو الجهاد النفس" عنوان هذا الأثر القیم لعارف أمضى عمراً فی السیر والسلوک والعبادة وخوض غمار هذا المسیر المحفوف بالمخاطر. فالإمام الخمینی الراحل، ومن قبل أن یرفع لواء النضال السیاسی علناً، وکذلک خلال مراحل نضاله وفی ذروة جهاده، کان یوجه أنظار أتباعه ـ من خلال أمثال هذه الأبحاث ـ إلى أن نهجه ودربه یختلف عما اعتادت علیه الحرکات السیاسیة والساسة المحترفون؛ وأن النضال السیاسی والاقتصادی والعسکری لم یکلل بالنصر الحقیقی بمعزل عن الجهاد الأکبر أو جهاد النفس.
وموضوعات الکتاب هی فی الحقیقة تقریرات1 لدروس ألقاها سماحة الإمام الخمینی فی مدینة النجف الأشرف بالعراق، على طلبة العلوم الدینیة، قام محبو الإمام بتدوینها وطبعها ونشرها مراراً قبل انتصار الثورة الإسلامیة داخل إیران وخارجها.
إن التحذیرات الواعیة والإرشادات الأخلاقیة القیمة التی کانت تصدر عن سماحة الإمام الخمینی فی تلک الأیام العصیبة، کانت تؤجج جذوة الإیمان والدوافع الربانیة فی نفوس طلبة العلوم الدینیة والجامعیین والمتدینین، وتعمل على بلورة معالم النهضة وافتراقها عن مسیرة أولئک الذین لم یکونوا یدرکون معنى تزکیة النفس؛ ومن ثم بث بذور الإیمان والصدق والإخلاص فی قلوب الباحثین عن الحقیقة، وقد أثمرت فی النهایة بفضل العنایة الإلهیة، وشاهد العالم بأسره صوراً من بطولاتها وملاحمها عام 1978، وخلال الحرب العراقیة التی فرضت على الجمهوریة الإسلامیة وکیف کانت حشود الشباب المؤمن تتدفق على جبهات القتال دفاعاً عن الإسلام والثورة وأملاً بالفوز بالشهادة. وفی هذا المجال حفلت جبهات القتال بمواقف وصور خالدة لا یذکر التاریخ نظیراً لها.
بسم الله الرحمن الرحیم
ها قد انقضت سنة أخرى من أعمارنا.. أنتم الشباب تسیرون نحو الهرم والشیخوخة، ونحن الشیوخ نقترب من الموت. فأنتم على علم بمدى التقدم العلمی الذی أحرزتموه وحجم المعارف التی اکتسبتموها فی هذا العام الدراسی. ولکن ما الذی فعلتموه بالنسبة لتهذیب الأخلاق وتزکیة النفس وتحصیل الآداب الشرعیة والمعارف الإلهیة؟ أیة خطوة إیجابیة خطوتم؟ وهل کان لدیکم برنامج لذلک؟ للأسف لابد لی من القول بأنکم لم تنجزوا عملاً یستحق الذکر، ولم تقطعوا شوطاً یذکر على طریق إصلاح نفوسکم وتهذیبها.

الحوزات العلمیة
إن الحوزات العلمیة بحاجة إلى تعلیم وتعلم المسائل الأخلاقیة والعلوم المعنویة جنباً إلى جنب مع تدریس الموضوعات العلمیة. فالإرشادات الأخلاقیة وتربیة القوى الروحیة والإیمانیة ومجالس الوعظ والإرشاد أمر ضروری. ینبغی أن تکون البرامج الأخلاقیة والتربویة، ودروس التربیة والتهذیب، وتعلیم المعارف الإلهیة التی مثلت الهدف الأساس من بعثة الأنبیاء ـ علیهم السلام ـ رائجة وشائعة فی الحوزات العلمیة.
ولکن ما یؤسف له أن هذا النوع من البحوث المهمة والضروریة قلما یتم الاهتمام بها فی المراکز العلمیة. فالعلوم المعنویة والأخلاقیة بدأت تتضاءل، وبات یخشى أن لا تتمکن الحوزات العلمیة فی المستقبل من تربیة علماء أخلاق ومربّین مهذبین ومتقین ورجال ربانیین، إذ لم یبق البحث والتحقیق فی المسائل المقدماتیة مجالاً للاهتمام بالمسائل الأصلیة والأساسیة التی رکز علیها القرآن الکریم واهتم بها الرسول الأعظم (ص) وسائر الأنبیاء والأولیاء (ع).
من المفید أن یهتم الفقهاء العظام والمدرسون الأعلام ممن هم محط اهتمام الجامعة ـ الحوزة ـ العلمیة، بتربیة الأفراد وتهذیبهم خلال تدریسهم وأبحاثهم، وأن یرکزوا أکثر على القضایا المعنویة والأخلاقیة. کما ینبغی لطلبة العلوم الدینیة أن لا یتوانوا فی سبیل اکتساب الملکات الفاضلة وتهذیب النفس، وأن یهتموا بالواجبات المهمة والمسؤولیات الخطیرة الملقاة على عاتقهم.

نصیحة إلى طلبة العلوم الدینیة
أنتم الذین تدرسون الیوم فی هذه المراکز العلمیة وتتطلعون لأن تتسلموا فی الغد زمام قیادة المجتمع وهدایته؛ لا تتصوروا أن کل واجبکم أن تحفظوا حفنة من المصطلحات، بل تقع على عاتقکم مسؤولیات أخرى أیضاً. ینبغی لکم أن تبنوا أنفسکم وتربوها فی هذه الحوزات بحیث إذا ما ذهبتم إلى مدینة أو قریة وفقتم إلى هدایة أهالیها وتهذیبهم. یؤمل منکم عند مغادرتکم الحوزات العلمیة أن تکونوا قد هذبتم أنفسکم وبنیتموها بنحو تتمکنون من بناء الإنسان وتربیته وفقاً لأحکام الإسلام وتعالیمه وقیمه الأخلاقیة. ولکن إذا ما عجزتم ـ لا سمح الله ـ عن إصلاح أنفسکم خلال مراحل الدراسة، ولم تکتسبوا الکمالات المعنویة والأخلاقیة، فإنکم أینما ذهبتم ستضلون الناس ـ والعیاذ بالله ـ وتسیئون إلى الإسلام وإلى علماء الدین.
تقع على عاتقکم مسؤولیة ثقیلة وجسیمة. فإذا لم تعملوا بمسؤولیاتکم فی الحوزات العلمیة ولم تفکروا بتهذیب أنفسکم، واقتصر همکم على تعلم عدد من المصطلحات وبعض المسائل الفقهیة والأصولیة، فإنکم ستکونون فی المستقبل عناصر مضرة ـ لا سمح الله ـ للإسلام والمجتمع الإسلامی، ومن الممکن أن تتسببوا ـ والعیاذ بالله ـ فی إضلال الناس وانحرافهم. فإذا ما انحرف إنسان وضل بسبب سلوککم وسوء عملکم، فإنکم ترتکبون بذلک أعظم الکبائر، ومن الصعب أن تقبل توبتکم. کما لو أن شخصاً اهتدى بکم فإن ذلک خیر لکم مما طلعت علیه الشمس، کما ورد فی الحدیث الشریف1.
إن مسؤولیتکم جسیمة للغایة.. وواجباتکم غیر واجبات عامة الناس. فکم من الأمور مباحة لعامة الناس إلا أنها لا تجوز لکم، وربما تکون محرمة علیکم. فالناس لا تتوقع منکم أداء الکثیر من الأمور المباحة، فکیف إذا ما صدرت عنکم ـ لا سمح الله ـ الأعمال القبیحة غیر المشروعة، فإنها ستعطی صورة سیئة عن الإسلام وفئة علماء الدین. وهنا یکمن الداء. فإذا شاهد الناس عملاً أو سلوکاً من أحدکم خلافاً لما یتوقع منکم، فإنهم سینحرفون عن الدین ویبتعدون عن علماء الدین، ولیس عن ذلک الشخص. ولیتهم ابتعدوا عن هذا الشخص وأساءوا الظن به فحسب.
إذا ما رأى الناس تصرفاً منحرفاً أو سلوکاً لا یلیق من أحد المعممین، فإنهم لا ینظرون إلى ذلک بأنه من الممکن أن یوجد بین المعممین أشخاص غیر صالحین، مثلما یوجد بین الکسبة والموظفین أفراد منحرفون وفاسدون. لذا فإذا ما ارتکب بقال مخالفة، فإنهم یقولون إن البقال الفلانی منحرف. ولو ارتکب عطار عملاً قبیحاً، فإنهم یقولون: إن العطار الفلانی شخص منحرف. ولکن إذا ما قام أحد المعممین بعمل لا یلیق، فإنهم لا یقولون: إن المعمم الفلانی منحرف، بل یقولون إن المعممین سیئون.
إن واجبات علماء الدین جسیمة للغایة، وإن مسؤولیاتهم أعظم من مسؤولیات سائر الناس, فإذا ما رجعنا إلى (أصول الکافی)2 وکتاب (الوسائل)3، وتصفحنا الأبواب المتعلقة بواجبات علماء الدین فسوف نواجه بواجبات عظیمة ومسؤولیات خطیرة ذکرت لأهل العلم. ففی الحدیث: "عن جمیل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله الصادق یقول: إذا بلغت النفس ههنا (وأشار بیده إلى حلقه) لم یکن للعالم توبة. ثم قرأ: {إنما التوبة على الله للذین یعملون السوء بجهالة}1. وجاء فی حدیث آخر: عن حفص بن قیاس عن أبی عبد الله (ع)، قال: "یا حفص، یغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن یغفر للعالم ذنب واحد."2، لأن معصیة العالم تسیء کثیراً للإسلام والمجتمع الإسلامی. فإذا ارتکب العامی والجاهل معصیة، فإنه یسیء إلى نفسه فحسب ویضرها. ولکن إذا ما انحرف العالم وارتکب عملاً قبیحاً فإنه سیحرف عالماً، وأسیء إلى الإسلام وعلماء الدین3، وأن ما ورد فی الحدیث من أن أهل النار لیتأذون من ریح العالم التارک لعلمه4، هو لأنه یوجد فرق کبیر فی الدنیا بین العالم والجاهل بالنسبة لنفعهم وضررهم للإسلام والمجتمع الإسلامی.
فإذا ما انحرف العالم فمن الممکن أن یضل أمة بأسرها ویجرها إلى الهاویة. وإذا کان مهذباً یراعی الأخلاق والآداب الإسلامیة، فإنه یعمل على هدایة المجتمع وتهذیبه.
فقد کنت أرى فی بعض المدن التی کنت أذهب إلیها فی فصل الصیف، أهالی تلک المدن ملتزمین بآداب الشرع إلى حد کبیر. والسبب فی ذلک کما اتضح لی، هو أنه کان لدیهم عالم صالح ومتق. فإذا کان العالم الورع والصالح یعیش فی مجتمع أو مدینة أو إقلیم ما، فإن وجوده یبعث على تهذیب أهالی تلک المدینة وهدایتهم، وإن لم یکن یمارس الوعظ والإرشاد لفظاً5.
لقد رأینا أشخاصاً کان وجودهم یبعث على الموعظة والعبرة.. إن مجرد النظر إلیهم کان یبعث على الاتعاظ والاعتبار. وأنا أعلم الآن إجمالاً أن مناطق طهران تختلف عن بعضها. فالمنطقة التی یقطنها عالم ورع ومتق، یکون أهالیها مؤمنین صالحین. وفی محلة أخرى حیث أصبح أحد المنحرفین الفاسدین معمماً وأصبح إماماً للجماعة وفتح دکاناً له، تراه یخدع الناس ویلوثهم ویحرفهم.
إن هذا التلوث هو الذی یتأذى من رائحة تعفنه أهل جهنم.. إن هذا التعفن والأعمال السیئة التی یجترحها عالم السوء والعالم غیر العامل والعالم المنحرف فی هذه الدنیا، هی التی تتحول إلى روائح کریهة تؤذی مشام أهل جهنم فی الآخرة، دون أن یضاف لها شیء فی تلک الدنیا. فالذی یحدث فی عالم الآخرة الشیء ذاته الذی کان فی هذه الدنیا؛ فلا یضاف شیء إلى أعمالنا وإنما تتحقق ذاتها. 
فإذا ما اتصف العالم بالإفساد والخبث فإنه سیجر المجتمع إلى الانحطاط والتعفن؛ غایة الأمر أن حاسة الشم فی هذه الدنیا لا تشم رائحة تعفنه، ولکن فی الآخرة تشم. بید أن الشخص العامی لیس باستطاعته أن یوجد مثل هذا الفساد والتلوث فی المجتمع الإسلامی. الشخص العامی لم یسمح لنفسه أبداً أن یدعی الإمامة والمهدویة والنبوة والألوهیة. العالم الفاسد هو الذی یجر العالم إلى الفساد: إذا فسد العالم فسد العالم1.

أهمیة تهذیب النفس وتزکیتها
إن غالبیة الذین تظاهروا بالتدین وتسببوا فی انحراف کثیرین وإضلالهم، کانوا من أهل العلم. فبعض هؤلاء درسوا فی المراکز العلمیة الدینیة ومارسوا الریاضات النفسیة2، حتى إن مؤسس إحدى الفرق الضالة قد درس فی حوزاتنا العلمیة هذه، ولکن نظراً لأن دراسته لم تکن مقترنة بتهذیب النفس وتزکیتها، لم یخط على الصراط المستقیم، ولم یتمکن من إبعاد نفسه عن الرذائل، فکانت عاقبته کل تلک الفضائح. فإذا لم یتخلص الإنسان من الخبائث، فإن دراسته وتعلمه لا تجدیه نفعاً بل تلحق به أضراراً أیضاً.
فالعلم عندما یکون فی أرضیة غیر صالحة، سوف ینبت نبتاً خبیثاً ویصبح شجرة خبیثة. وکلما تکدست هذه المفاهیم فی القلب المظلم غیر المهذب، ازدادت الحجب أکثر فأکثر: "العلم هو الحجاب الأکبر". ومن هنا کان شر العالم الفاسد بالنسبة للإسلام أخطر وأعظم من کل الشرور.
العلم نور، إلا أنه فی القلب المظلم والقلب الفاسد، یجعل الظلمة أکثر عتمة. کما أن العلم یقرب الإنسان من الله تعالى، إلا أنه فی النفس الطالبة للدنیا یبعث على الابتعاد ـ أکثر ـ عن محضر ذی الجلال. وعلم التوحید أیضاً إذا لم یکن خالصاً لله فإنه یتحول إلى حجب ظلام، لأنه انشغال بما سوى الله. ولو أن شخصاً حفظ القرآن بالقراءات الأربع عشرة لغیر ـ وجه ـ الله تعالى وتلاها، فإنه لن یجنی سوى الحجاب والابتعاد عن الحق تعالى.
فلو درستم وتحملتم الصعاب فی هذا السبیل، فقد تصبحون علماء، ولکن ینبغی أن تعلموا أن ثمة فرقاً کبیراً بین "العالم" و "المهذب".
کان أستاذنا المرحوم الشیخ الحائری1 (رحمه الله) یقول: "یقولون: من السهل أن تصبح معمماً ـ رجل دین ـ ولکن کم هم صعب أن تکون إنساناً". إلا أن هذا القول غیر صحیح، إذ ینبغی القول: من الصعب أن تصبح عالماً ومن المستحیل أن تکون إنساناً.
إن اکتساب الفضائل والمکارم الإنسانیة والمعاییر الآدمیة أصعب وأشق بکثیر من التکالیف الملقاة على عاتقنا. فلا تتصوروا أنکم بانشغالکم الآن بطلب العلوم الشرعیة ودراسة الفقه الذی هو أشرف العلوم، قد ارتحتم وعملتم بواجبکم وتکلیفکم. فإذا لم یتوافر الإخلاص وقصد القربى، فإن هذه العلوم لا تنفع شیئاَ.
إذا کان تحصیلکم العلمی لغیر الله والعیاذ بالله، وبدافع الأهواء النفسیة والاستحواذ على المراکز الاجتماعیة والوجاهة الدنیویة، فإنکم لن تجنوا غیر الوزر والویل والوبال.. إن هذه المصطلحات إن لم تکن لوجه الله تعالى، فستکون وزراً ووبالاً. إن هذه المصطلحات مهما کثرت وعظمت، إذا لم تکن مقرونة بالتهذیب والتقوى فإنها سوف تنتهی بضرر حیاة المسلمین وآخرتهم..
إن مجرد تعلم هذه المصطلحات لا یجدی نفعاً. کما أن علم التوحید إذا لم یقترن بصفاء النفس سیکون وبالاً. فما أکثر الأشخاص الذین کانوا علماء فی علم التوحید ولکنهم کانوا سبباً فی انحراف جموع غفیرة من الناس.. فکم من الأشخاص کانوا یتقنون هذه الدروس التی تدرسونها بنحو أفضل منکم، ولکن نظراً لأنهم کانوا منحرفین ولم یصلحوا أنفسهم ویهذبوها، فإنهم عندما نزلوا إلى المجتمع أضلوا الناس وأفسدوا کثیرین.
فإذا تجردت هذه المصطلحات الجافة من التقوى وتهذیب النفس، فإنها کلما تکدست فی الذهن أکثر، تعاظم التکبر والغرور فی دائرة النفس أکثر فأکثر. وإن عالم السوء الذی سیطر علیه الغرور والتکبر، لم یتمکن من إصلاح نفسه والمجتمع، ولم یجلب غیر الضرر للإسلام والمسلمین. وسوف یصبح بعد سنین من طلب العلم وإنفاق الحقوق الشرعیة والتمتع بالحقوق والمزایا الإسلامیة، عقبة فی طریق تقدم الإسلام والمسلمین، ووسیلة فی تضلیل الشعوب وانحرافها؛ وتصبح ثمرة کل هذه الدروس والبحوث والانشغال فی الحوزات، أن یحول دون نشر الإسلام وإطلاع العالم على حقائق القرآن. بل قد یصبح وجوده حائلاً دون تعرف المجتمع على حقیقة الإسلام وواقع علماء الدین.
أنا لا أقول: لا تدرسوا، لا تکسبوا العلم؛ بل ینبغی أن تلتفتوا إلى أنکم إذا أردتم أن تکونوا أبناء مفیدین وفاعلین للإسلام والمجتمع، وأن تتولوا قیادة الأمة وتوعیتها بالإسلام، وإذا أردتم أن تدافعوا عن حمى الإسلام وتذودوا عن حیاضه؛ ینبغی لکم أن تعززوا قواعد الفقاهة وأن تصبحوا من أصحاب الرأی فیها. فإذا لم تدرسوا فإنه یحرم علیکم البقاء فی المدرسة، ولا یمکنکم الاستفادة من الحقوق الشرعیة المخصصة لدارسی العلوم الإسلامیة. طبعاً إن کسب العلم واجب، ولکن مثلما تجدّون وتجتهدون فی المسائل الفقهیة والأصولیة یجب أن تسعوا فی طریق إصلاح أنفسکم أیضاً. فأی خطوة تخطونها على طریق کسب العلم، ینبغی أن تقابلها خطوة أخرى على طریق استئصال الأهواء النفسیة الخبیثة القوى الروحیة واکتساب مکارم الأخلاق وتحصیل التقوى.
إن تحصیل هذه العلوم هو فی الواقع مقدمة لتهذیب النفس واکتساب الفضائل والآداب والمعارف الإلهیة. وحاذروا أن تبقوا إلى آخر العمر تراوحون فی هذه المقدمة دون أن تحققوا النتیجة المرجوة.
إنکم تبغون من وراء کسب هذه العلوم هدفاً سامیاً ومقدساً یتمثل فی معرفة الله تعالى وتهذیب النفس وتزکیتها. ولابد لکم من التفکیر بثمرة عملکم ونتیجة جهدکم. وابذلوا کل ما بوسعکم لتحقیق هدفکم الأصلی والأساس.
فأنتم عندما تنتسبون إلى الحوزات العلمیة ینبغی لکم أن تفکروا بإصلاح أنفسکم قبل کل شیء. وما دمتم فی الحوزة فیجب أن تکونوا بصدد تهذیب أنفسکم وإصلاحها، لکی یتسنى لکم إذا ما ترکتم الحوزة وأخذتم على عاتقکم هدایة أبناء مدینة أو محلة ما، یتسنى للناس أن یستفیدوا من الفضائل الأخلاقیة التی تتحلون بها ویتعظوا ویصلحوا أنفسهم بالتأسی بها.
حاولوا أن تصلحوا أنفسکم وتهذبوها قبل النزول إلى المجتمع. فإذا لم تهتموا الآن ـ حیث تمتلکون متسعاً من الوقت والطاقة ـ بتهذیب أنفسکم، فسوف لا تقدرون على إصلاح أنفسکم عندما یلتف الناس حولکم وتصبح مسؤولیاتکم جسیمة.
فثمة أشیاء کثیرة یبتلى بها الإنسان وتحول دون التهذیب واکتساب العلم. وإن أحد هذه الموانع ـ لبعض الناس ـ هی هذه اللحیة والعمامة! فإذا کبرت عمامة أحدکم وطالت لحیته، یصعب علیه ـ إذا لم یکن قد هذب نفسه ـ أن یواصل تحصیل العلوم الدینیة ویکون مفیداً، ویکون من الصعب علیه کبح جماح النفس الأمارة، وحضور دروس أحد. فالشیخ الطوسی1 (رحمه الله) کان یذهب إلى الدرس کتلمیذ وهو فی سن الثانیة والخمسین، فی حین کان قد صنف بعض مؤلفاته ما بین سن العشرین والثلاثین. ویبدو أنه صنف کتاب "التهذیب" فی هذا السن2. وفی سن الثانیة والخمسین کان یحضر دروس السید3 المرتضى (رحمه الله) وهذا ما أهّله لأن یصل إلى ما وصل إلیه.
فلا قدر الله أن تصبح لحیة طالب العلوم الدینیة بیضاء بعض الشیء وتکبر عمامته، قبل أن یتمکن من اکتساب الملکات الخلقیة الفاضلة وتنمیة قواه الروحیة؛ لأنه والحال هذه سوف یبقى محروماً من الاستفادات العلمیة والمعنویة وجمیع البرکات.
اغتنموا الفرصة وجدوا واجتهدوا قبل المشیب، فإذا لم تحظوا باهتمام الناس وتوجههم، فقد تتوافر لکم الفرصة لأن تفعلوا شیئاً لأنفسکم. فلا قدر الله تعالى أن یهتم المجتمع بشخص ما قبل أن یتمکن ذلک الشخص من تربیة نفسه، ویصبح ذا نفوذ ومنزلة بین الناس؛ فعندها سوف یضیع نفسه ویخسرها. فابنوا أنفسکم وأصلحوها قبل أن یفلت الزمام من أیدیکم. تحلوا بالأخلاق الفاضلة وتخلصوا من الأخلاق الذمیمة. ولیکن الإخلاص رائدکم فی درسکم وبحثکم لکی یقربکم من الله تعالى. فإذا لم تتوافر النیة الخالصة فی الأعمال، فسوف یبتعد الإنسان عن عرش الربوبیة.
حاذروا أن تکونوا بنحو إذا ما فتحت صحیفة أعمالکم بعد سبعین سنة من العمر، یرى فیها ـ والعیاذ بالله ـ أنکم أضحیتم سبعین سنة بعیدین عن الله عز وجل.
لا شک أنکم سمعتم حکایة ذلک "الحجر" الذی ألقی فی جهنم وسمع صداه بعد سبعین سنة. وقد نقل عن رسول الله (ص) قوله: إنه رجل هرم کان فی السبعین من عمره، وخلال هذه السبعین عاماً کان یسیر نحو جهنم1. فحاذروا أن تکون عاقبة أحدکم أن یقضی خمسین عاماً ـ أو أکثر أو أقل ـ فی الحوزات العلمیة مع کد الیمین وعرق الجبین ولا یجنی غیر جهنم.. یجب أن تتعظوا. علیکم أن تضعوا برنامجاً لتهذیب نفوسکم وإصلاح الفاسد من أخلاقکم. ولیتخذ کل واحد منکم مدرساً للأخلاق، وشکلوا مجالس الوعظ والنصح والإرشاد. فالإنسان وحده یعجز عن تهذیب نفسه. فإذا ما بقیت الحوزات العلمیة هکذا خالیة من مدرسی الأخلاق ومجالس الوعظ والإرشاد فستکون محکومة بالفناء.
فکما یحتاج علم الفقه والأصول إلى أستاذ ودرس وبحث، وکل علم وصناعة فی الدنیا لابد لها من أستاذ ومدرس. والشخص المغرور والعنید الذی لا یتخذ لنفسه مرشداً وموجهاً لا یصبح فقیهاًُ وعالماً؛ فکذلک العلوم المعنویة والأخلاقیة التی هی هدف بعثة الأنبیاء ومن ألطف العلوم وأدقها، بحاجة إلى تعلیم وتعلم. إن بناء الإنسان لا یتحقق بدون معلم. لقد سمعت مراراً أن الشیخ الأنصاری2 (رحمه الله)، وهو أستاذ الفقه والأصول، کان یحضر درس الأخلاق والمعنویات لدى سید جلیل3. لقد بعث أنبیاء الله لبناء الإنسان وتربیته، وإبعاده عن القبائح والخبائث والنقائص والرذائل، وترغیبه بالفضائل والآداب الحسنة: "بعثت لأتمم مکارم الأخلاق"4.
إن علماً اهتم به الله تعالى کل هذا الاهتمام وبعث من أجله الأنبیاء، أصبح الآن مهملاً فی حوزاتنا ولا نجد أحداً یهتم به الاهتمام الذی یستحقه. وقد وصل الأمر بسبب ضعف العلوم المعنویة والمعارف فی الحوزات، إلى أن تنفذ الأمور المادیة والدنیویة إلى أوساط علماء الدین وأبعدت الکثیرین عن الأجواء المعنویة والروحیة بدرجة باتوا یجهلون ماذا یعنی عالم الدین أصلاً؟ وما هو واجبه؟ وما هی المهام التی ینبغی له الاضطلاع بها؟. 
فبعض لیس لهم غیر تعلم بضع کلمات ثم الرجوع إلى مناطقهم أو أی مکان آخر للحصول على الجاه والمنصب والمقام والتملق للآخرین؛ مثلما کان أحدهم یقول: دعنی أدرس "اللمعة" وحینها سوف أفهم کیف أتصرف مع مختار القریة.
یجب أن لا یکون الأمر بنحو تتلخص نظرتکم وغایتکم من الدراسة منذ البدایة فی الحصول على المنصب الفلانی وکسب المقام الکذائی، أو أن تصبحوا رؤساء المدینة الفلانیة أو شیوخ القریة الفلانیة.. فمن الممکن أن تحققوا هذه الأهواء النفسیة والأمانی الشیطانیة، ولکن لن تکسبوا لأنفسکم ولأمتکم ولمجتمعکم الإسلامی غیر التعاسة والشقاء. فمعاویة ترأس وتأمّر لفترة طویلة إلا أنه ما جنى لنفسه سوى اللعن والذم وعذاب الآخرة.
لابد لکم من تهذیب أنفسکم، حتى إذا ما أصبح أحدکم رئیس قوم أو فئة، اشتغل فی تهذیب نفوسهم أیضاً. حاولوا أن تخطوا على طریق إصلاح المجتمع وبنائه. لیکن هدفکم خدمة الإسلام والمسلمین. فإذا خطوتهم من أجل الله تعالى، فإن الله مقلب القلوب، یجعل القلوب تهفو إلیکم: {إن الذین آمنوا وعملوا الصالحات سیجعل لهم الرحمن ودّاً}1.
فإذا ما جاهدتم فی سبیل الله وضحیتم من أجله تعالى، فإنه سبحانه لم یترککم دون أجر وثواب. وإن لم یکن ذلک فی هذه الدنیا فستحصلون علیه فی الآخرة. وإذا لم تنالوا أجرکم وثوابکم فی هذه الدنیا فذلک أفضل لکم، لأن الدنیا لا تعنی شیئاً ولا قیمة لها. فکل هذا الصخب والضجیج وهذه الاعتبارات سوف تنتهی خلال أیام معدودات وتمر من أمام عین الإنسان کالحلم؛ بید أن الأجر الأخروی خالد لیس له نهایة أو حد.

تحذیر الحوزات 
من الممکن أن تحاول بعض الأیادی الخبیثة من خلال بث السموم ودعایات السوء، التقلیل من أهمیة البرامج التربویة والأخلاقیة، وتصویر ارتقاء المنبر للوعظ والإرشاد على أنه یتنافى مع المکانة العلمیة؛ وتحاول من خلال نسبتها صفة "المنبریة" للشخصیات العلمیة المرموقة التی تمارس دورها فی إصلاح الحوزات وتنظیمها، أن تحول دون تأدیة واجبها. فقد تجد الیوم فی بعض الحوزات من یعتبر ارتقاء المنبر عملاً مشیناً، غافلین عن أن الإمام أمیر المؤمنین (ع) کان منبریاً، وکان یعظ الناس ویرشدهم من على المنابر.. کان یوعیهم ویرشدهم ویوجههم. کما أن سائر الأئمة (ع) کانوا یفعلون ذلک أیضاً. 
لعل عناصر خفیة تشیع هذه الأفکار الخبیثة فی حوزاتنا لکی تجردها من المعنویات والأخلاقیات، فتمسی حوزاتنا وضیعة ومنحطة ینتشر فیها النفاق وتسیطر على أفرادها الأنانیة وتتسع رقعة الاختلاف، وینشغل أفرادها بمحاربة بعضهم بعضاً، وینقسمون أحزاباً وشیعاً یکذب کل منهم الآخر ویوجه إلیه التهم والإهانات، ویسقط بعضهم بعضاً، لمکی یتمکن الأجانب وأعداء والإسلام من التطاول على الحوزات ویسددوا ضربة قاصمة لها والقضاء علیها.
فالأعداء والسیئون یعلمون أن الحوزات تتمتع بدعم وتأیید الشعوب. ومادام هذا الدعم والتأیید قائمین فمن غیر الممکن سحق الحوزات والقضاء علیها أبداً. ولکن عندما یفقد رجال الحوزات وطلابها المبانی الأخلاقیة والآداب الإسلامیة، ویصبح شغلهم الشاغل تسقیط بعضهم بعضاً، ویتحولون إلى جماعات متنافرة ومتناحرة لا تتورع عن الأعمال اللاأخلاقیة والقبیحة، فمن الطبیعی أن تسوء نظرة الأمة الإسلامیة إلى الحوزات الدینیة وعلماء الدین، وتسحب دعمها وتأییدها لها، وفی النهایة یفتح الطریق أمام الأعداء لتحکیم سلطتهم وتسدید ضرباتهم. وإذا ما کنتم ترون الحکومات تخشى علماء الدین والمراجع ویحسبون لهم حساباً، فهو لأنهم یتمتعون بدعم وتأیید الشعوب، وفی الحقیقة أن الحکومات تخشى الشعوب، ولهذا فهی تحتمل إذا ما أهانت وتجاسرت وتعرضت إلى أحد علماء الدین، أن ذلک سوف یثیر سخط الأمة ویفجر غضبها ضدها.. ولکن إذا ما کان علماء الدین مختلفین فیما بینهم ویسیء بعضهم لبعض، ولم یکونوا متأدبین بآداب الإسلام، فإنهم سیفقدون اعتبارهم ویخسرون ثقة الأمة بهم1.
إن الأمة تتوقع منکم أن تکونوا متأدبین بآداب الإسلام. أن تکونوا حزب الله، تنبذوا بهارج الدنیا وزخارفها ولا تهتموا بها؛ وأن لا تألوا جهداً فی سبیل تحقق الأهداف الإسلامیة وخدمة الأمة الإسلامیة.. تتوقع منکم أن تخطوا على طریق الله تعالى، وأن لا یکون توجهکم إلا لله وطلباً لمرضاته.
ولکن إذا رأت الأمة منکم خلاف ذلک، وکان کل همکم الدنیا والمصالح الشخصیة کما هو حال الآخرین، بدلاً من التوجه إلى ما وراء الطبیعة؛ ورآکم الناس تتنازعون وتتخاصمون على حطام الدنیا، وجعلتم من الإسلام والقرآن ألعوبة بأیدیکم والعیاذ بالله، واتخذتم الدین دکاناً ومتجراً للوصول إلى مطامعکم وأغراضکم الدنیویة الدنیئة.. إذا ما رأت الأمة ذلک منکم فسوف تبتعد عنکم وتسیء الظن بکم، وستکونون أنتم المسؤولین عن کل ذلک.
فإذا کان بعض المعممین العالة على الحوزات، یتکالبون فیما بینهم بدوافع شخصیة ومنافع دنیویة، ویهتک بعضهم حرمة بعضهم الآخر، ویفسق هذا منهم ذاک، ویثیرون ضجة وجدلاً تافهاً، ویتنافسون على بعض الأمور الحقیرة؛ فإنهم بذلک یخونون الإسلام والقرآن، ویخونون الأمانة الإلهیة. فالله تبارک وتعالى وضع الدین الإسلامی المقدس بمثابة أمانة بین أیدینا. فالقرآن الکریم أمانة الله الکبرى، والعلماء هم المؤتمنون علیها، وإن واجبهم الحفاظ على هذه الأمانة الکبرى وعدم خیانتها. وما التشتت والاختلاف واللغط والضجیج الذی لا طائل من ورائه، إلا خیانة للإسلام ولنبیه الأعظم (ص).
أنا لا أدری لم هذه الاختلافات والتحزبات؟! فإن کانت من أجل الدنیا، فأنتم لا تملکون شیئاً فی الدنیا! وإن کنتم تتمتعون باللذائذ والمنافع الدنیویة، فإن ذلک لا یستحق الاختلاف. ألستم روحانیین، أم أنکم لم ترثوا من الروحانیة غیر العمامة والعباءة؟! إن عالم الدین الذی یؤمن بما وراء الطبیعة.. عالم الدین الذی یتحلى بتعالیم الإسلام الحیة وأحکامه البناءة.. عالم الدین الذی یعتبر نفسه من شیعة علی بن أبی طالب (ع).. إن عالم الدین هذا من غیر الممکن أن یهتم بشهوات الدنیا، ناهیک أن یثیر الخلاف بسببها.
أنتم الذین تُدعون أتباع الإمام أمیر المؤمنین (ع)، تمعنوا ـ على الأقل ـ فی حیاة هذا الرجل العظیم لتروا هل تقتدون حقاً بسیرته وسلوکه؟ هل تعلمون شیئاً عن زهده وتقواه وحیاته البسیطة والمتواضعة، وهل تلتزمون بشیء من ذلک فی حیاتکم؟ هل تعون شیئاً عن جهاد هذا القائد العظیم ضد الظلم والاستبداد والتفاوت الطبقی، ودفاعه الحازم عن المظلومین والمعذبین، وعن تصوراته وفهمه عن طبقات المجتمع المحرومة والمستضعفة؟ وهل تعلمون بذلک؟ هل إن معنى "الشیعة" هو مجرد التحلی بالزی الظاهری للإسلام1.
بناء على ذلک، فما هو فرقکم عن سائر المسلمین وبماذا تمتازون عنهم؟ إن أولئک الذین یؤججون النیران فی أنحاء من العالم، ویمهدون الطریق لارتکاب المجازر، إنما یتسابقون للسیطرة على الشعوب ونهب ثرواتها ومصادرة خیراتها وإبقاء الدول الضعیفة والمتخلفة تحت أسرها وسلطتها؛ ولذلک یفجرون کل یوم باسم الحریة والبناء والإعمار والدفاع عن استقلال البلدان وأراضیها، وبذرائع خادعة أخرى، حرباً فی کل منطقة من العالم، ویلقون ملایین الأطنان من القنابل الحارقة على رؤوس أبناء الشعوب المستضعفة.
إن مثل هذه الصراعات والنزاعات تبدو مبررة طبقاً لمنطق أهل الدنیا مع تلک العقول الملوثة. أما نزاعاتکم فإنها تفتقد للتبریز حتى بمنطق هؤلاء. فإذا سئلوا لماذا تتنازعون، سیقولون إننا نسعى للاستیلاء على البلد الفلانی، ولابد من فرض سیطرتنا على ثروات وموارد البلد العلانی. ولکن إذا سئل منکم: لم تتنازعون، ومن أجل أی شیء، ماذا ستجیبون؟ فما الذی تملکون من الدنیا ویستحق التنازع من أجله؟ إن مرتب أحدکم الشهری الذی یأخذه من المراجع، أقل مما ینفقه الآخرون على سجائرهم فی الشهر الواحد. لقد قرأت فی إحدى الصحف عن المیزانیة التی یدفعها "الفاتیکان" لقسیس فی واشنطن، فعندما حسبت ذلک وجدت أنه أکثر من جمیع الأموال التی تمتلکها الحوزات العلمیة لدى الشیعة! فهل من المعقول مع هذه الحال التی علیه حیاتکم من بساطة وزهد، أن تختلفوا فیما بینکم وتتکالبوا على الدنیا ویعادی أحدکم الآخر؟.
إن جذور کل الاختلافات التی تفتقد إلى الهدف المحدد والمقدس، تعود على حب الدنیا. وإذا ما وجدت الاختلافات فی أوساطکم فهو لأنکم لم تخرجوا حب الدنیا من قلوبکم. ونظراً لأن المنافع الدنیویة محدودة، فإن کل واحد یتنافس مع الآخر للاستحواذ علیها. أنت ترید المقام الفلانی وغیرک أیضاً یکافح من أجله، فمن الطبیعی أن یقود ذلک إلى التحاسد والاختلاف.
بید أن رجال الله الذین أخرجوا حب الدنیا من قلوبهم، ولیس لهم هدف غیر رضا الله تعالى، لن یبتلوا بأمثال هذه المفاسد والمصائب. فلو اجتمع الیوم أنبیاء الله فی مدینة واحدة، لما وقع بینهم أی اختلاف مطلقاً، لأن هدف الجمیع واحد، والقلوب جمیعها متوجهة نحو الله تعالى، وخالیة من حب الدنیا.
فإذا بقیت أعمالکم وأفعالکم وأوضاع معیشتکم وسلوککم بالصورة التی هی علیها الآن، فاحذروا أن تغادروا هذه الدنیا وأنتم لستم من شیعة علی أبی طالب (ع).. احذروا أن لا توفّقوا للتوبة النصوح، وأن تحرموا من شفاعته (ع).. فکروا قبل فوات الأوان بطریقة تنجیکم.. کفوا عن هذه الاختلافات المبتذلة والمفضوحة.. اقلعوا عن هذه التحزبات والمحوریات الخاطئة.. هل أنتم أهل ملّتین؟ هل فی ملتکم ومذهبکم شعب وطرق متعددة؟ لماذا لا تفیقون؟ لماذا لا یوجد بینکم صفاء وأخوة ومحبة؟.. لماذا؟
إن هذه الاختلافات خطیرة وتترتب علیها مفاسد لا تعوض. إنها تسیء إلى الحوزات العلمیة وتدمرها، کما أنها تفقدکم مکانتکم الاجتماعیة وتحقرکم فی عیون المجتمع.. إن هذه التحزبات والفئویات لا تنتهی بضررکم فحسب، ولا تسیء إلى سمعتکم وحدکم؛ بل تسیء إلى سمعة المجتمع وکیانه.. تسیء إلى الأمة وإلى الإسلام. وإن المفاسد التی تترتب على اختلافاتکم ذنوب لا تقبل العفو والغفران، وهی عند الله تبارک وتعالى أعظم من کثیر من المعاصی، لأنها تفسد المجتمعات وتفتح الباب واسعاً أمام تسلط الأعداء وبسط نفوذهم.
فلیس مستبعداً أن تعمل أیادٍ خفیة على إیجاد الفرقة والاختلاف لتداعی أرکان الحوزات العلمیة، وزرع النفاق والشقاق، وتسمیم الأفکار والأذهان حتى یصبح التکلیف الشرعی مشوباً بالنزاعات مثقلاً بالاختلافات، وبذلک یوجدوا الفساد فی الحوزات، وبهذه الوسیلة یتم تسقیط الأشخاص الذین یعلق الإسلام علیهم الآمال، لکی لا یکون بمقدورهم خدمة الإسلام والمجتمع الإسلامی فی المستقبل.
یجب أن تکونوا واعین یقظین. لا تجعلوا أنفسکم ألعوبة بید الشیطان؛ کأن یقول أحدکم: إن تکلیفی الشرعی یقتضی کذا، ویقول الآخر: إن تکلیفی الشرعی عکس ذلک. ففی بعض الأحیان یتولى الشیطان نسج التکالیف الشرعیة للإنسان ویملی علیه واجبات معینة، وفی أحیان أخرى تدفع الأهواء النفسیة الإنسان لأداء بعض الأعمال على أنها واجب الشرعی. فلیس من الواجب الشرعی أن یهین مسلم مسلماً. لیس من الواجب الشرعی أن یسیء المسلم إلى أخیه فی الدین. إنه حب الدنیا وحب النفس. إن الإیحاءات الشیطانیة هی التی توصل الإنسان إلى هذا الیوم الأسود. إن هذا التخاصم تخاصم أهل النار: {إن ذلک لحق تخاصم أهل النار}1. ففی جهنم مکان للخصومات والنزاعات. أهل جهنم یتنازعون ویتخاصمون ویتکالبون فیما بینهم. فإذا ما تنازعتم على الدنیا فاعلموا أنکم تعدون جهنم لأنفسکم وتسیرون نحوها.
الأمور الأخرویة لا صراع علیها ولا اختلاف فیها. فأهل الآخرة یعیشون مع بعضهم فی سلام وصفاء، قلوبهم مفعمة بحب الله وعباده، ذلک أن حب الله تعالى یقود إلى حب الذین یؤمنون بالله. وإن محبة عبادة الله هی ظلال محبة الله تعالى.
فلا تؤججوا النار بأیدیکم.. لا تضرموا نار جهنم. إن نیران جهنم تتأجج بوحی من أعمال الإنسان وأفعاله القبیحة. قال (ع): "جُزْنا وهی خامدة"2. فإذا لم یفعل الإنسان ما یحرک نار جهنم ویؤججها فإن جهنم خامدة.. إن باطن هذه الدنیا جهنم، وإن الإقبال على الدنیا إقبال على جهنم ولعب بنارها. ولا یدرک الإنسان هذه الحقیقة إلا حین ینتقل إلى الدار الآخرة عاریاً وتسقط الحجب، حینها یدرک أن {ذلک بما قدمت أیدیکم}3، {ووجدوا ما عملوا حاضراً}4. فکل ما یصدر عن الإنسان فی هذه الدنیا یجده أمامه فی العالم الآخر یتجسم له. قال تعالى: {فمن یعمل مثقال ذرة خیراً یره * ومن یعمل مثقال ذرة شراً یره}5.
إن کل أعمال الإنسان وأفعاله وأقواله تعرض علیه هناک وکأن حیاتنا یتم تصویرها فی فیلم سوف یعرض فی العالم الآخر ولیس بوسع أحد إنکاره. سوف تعرض علینا جمیع أعمالنا وحرکاتنا وسکناتنا، إضافة إلى شهادة الأعضاء والجوارح: {قالوا أنطقنا الله الذی أنطق کل شیء}1.
أمام الله تعالى حیث جعل کل شیء ناطقاً، لا یمکن التنصل عن أعمالنا القبیحة وإنکارها. فکروا قلیلاً وکونوا بعیدی النظر. زنوا عواقب الأمور.. تذکروا العقبات الخطیرة التی ستواجهونها. تذکروا عذاب القبر وعالم البرزخ والشدائد والأهوال التی تعقبه، ولا تغفلوا عنها. آمنوا على الأقل بجهنم. فإذا آمن الإنسان حقاً بهذه العقبات الخطیرة، فسوف یتخلى عن سلوکه المشین. فلو کنتم تؤمنون بهذه الأمور ومتیقنین منها، لما ترکتم حیاتکم حرة طلیقة تفعلون ما یحلو لکم؛ ولصنتم أقلامکم وألسنتکم وخطواتکم، ولسعیتم لإصلاح أنفسکم وتهذیبها.

العنایة الإلهیة
من عنایة الله تعالى بعباده أن وهبهم العقل ومنحهم القدرة على تهذیب نفوسهم وتزکیتها، وبعث الأنبیاء والأوصیاء لیعملوا على هدایتهم وإصلاحهم لئلا یبتلوا بعذاب جهنم الألیم. وإن لم تکن هذه الوسائل نافعة فی تنبیه الإنسان وتهذیبه، فالله عز وجل الرحمن ینبه بوسائل وطرق أخرى: عن طریق مختلف الابتلاءات والمصائب والفقر والمرض؛ کالطبیب الحاذق، کالممرض الماهر والرؤوف، الذی یحاول معالجة هذا الإنسان من الأمراض الروحیة الخطرة.
إذا کان العبد محل عنایة الله تعالى، فإنه یبتلى بصنوف الابتلاءات حتى یلتفت إلى خالقه تعالى ویهذب نفسه. هذا هو الطریق ولا یوجد طریق آخر. ولکن ینبغی للإنسان أن یطوی هذا الطریق بنفسه لکی یحصل على النتیجة. وإن لم یحصل على النتیجة المرجوة عن هذا الطریق أیضاً ولم یشف الإنسان المریض وکان مستحقاً لنعمة الجنة، فإن الله تعالى یشدد علیه فی حال النزع لعله یتذکر ویتنبه. وإذا لم یؤثر فیه ذلک أیضاً، تأتی موقظات القبر وعالم البرزخ والعقبات التی تتبعه، لکی تطهره وتزکیه وتحول دون دخوله جهنم.
کل هذه المراحل الإیقاظیة عنایات إلهیة تستهدف إبعاد الإنسان عن جهنم وإنقاذه منها. فکیف بالإنسان إذا لم تنفع معه کل هذه الموقظات والمنبهات، وماذا ستکون عاقبته؟ فلا مفر من آخر الدواء وهو الکی. فکم من إنسان لم یهتد ولم ینصلح ولم تنفع معه هذه المعالجات، فلا توجد وسیلة أخرى غیر النار لکی یصلح الله الکریم الرحیم عبده، کالذهب الذی یعرض للنار لتنقیته وتحویله إلى معدن خالص.
فقد ورد فی تفسیر الآیة الکریمة {لابثین فیها أحقاباً}1، إن هذه "الحقب" هی لأهل الهدایة والذین یکون أصل إیمانهم محفوظاً2. إنها تنطبق علینا أنا وأنت. وما طول الحقبة؟ الله أعلم، لعلها آلاف السنین.. المهم أن نعمل لئلا یصل الأمر بنا إلى مرحلة لم تعد تنفع فیها هذه المعالجة، فنکون بحاجة إلى آخر الدواء من أجل استحقاق ولیاقة النعیم المقیم. ویکون من اللازم ـ لا سمح الله ـ أن یذهب الإنسان فترة فی جهنم وأن یحترق بنارها لکی یتطهر من الرذائل الأخلاقیة والتلوثات الروحیة والصفات الشیطانیة الخبیثة، ویصبح لائقاً ومستعداً للتنعم بـ {جنات تجری من تحتها الأنهار}3. علماً أن هذا یتعلق بتلک الفئة من العباد الذین لم تتسع دائرة معصیتهم ولم تبلغ تلک الدرجة التی یستحقون فیها الطرد من رحمة الله، والحرمان من مغفرته ولطفه؛ بل لا یزالون یمتلکون بعض الاستحقاق الذاتی لدخول الجنة.. فلا قدر الله أن یلفظ الإنسان من باب رحمته نتیجة لکثرة المعاصی، ویحرم من الرحمة الإلهیة؛ إذ لا سبیل أمامه غیر الخلود فی نار جهنم.
احذروا أن تحرموا ـ لا سمح الله ـ من الرحمة والعنایة الإلهیة، فیحل علیکم غضب الله ویحیط بکم عذابه . احذروا من أن تکون أعمالکم وأفعالکم بنحو تسلبکم توفیقات الله تعالى، ولم یکون أمامکم سبیل غیر الخلود فی النار.. إن أحدکم الآن لا یستطیع أن یقبض على حصى محماة لمدة دقیقة واحدة، فاتقوا نار جهنم. أبعدوا هذه النیران عن الحوزات العلمیة وعن مجتمع علماء الدین.. طهّروا قلوبکم من هذه الاختلافات وهذا النفاق.. حسّنوا سلوککم مع عباد الله تعالى وانظروا إلیهم بعطف وحنان.. لیکن لکم موقف حازم من العصاة لعصیانهم، أو مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنکر، وأکرموا عباد الله الصالحین والطیبین؛ فاحترموا العالم منهم لعلمه، واحترموا من هو فی سبیل الهدایة لأعماله الصالحة. لیکن سلوککم مثالیاً. توددوا إلى الناس وحادثوهم وآخوهم. هذبوا أنفسکم وتحلوا بالصدق والإخلاص، أنتم الذین تریدون هدایة المجتمع وإرشاده. فالذی لا یستطیع إصلاح نفسه، کیف یتسنى له هدایة الآخرین وإرشادهم وإدارتهم؟ هاهو شهر شعبان شارف على الانتهاء، فاسعوا فی هذا الأیام المعدودة لعل الله تعالى یوفقکم للتوبة وإصلاح النفس، ولتستقبلوا شهر رمضان بنفوس صالحة وقلوب سلیمة.

لمحات عن المناجاة الشعبانیة
هل ناجیتم الله تعالى، فی شهر شعبان هذا، بـ "المناجاة الشعبانیة"1، التی نصت الأحادیث الشریفة على قراءتها فی کل یوم من هذا الشهر؟ وهل انتفعتم من معانیها الإیمانیة السامیة والإحاطة بمضامینها حول مقام الربوبیة؟ فقد ذکرت الأحادیث الواردة بهذا الشأن بأن الإمام أمیر المؤمنین (ع) وأبناءه وجمیع الأئمة الأطهار (ع)، کانوا یناجون الله تعالى بها2. وقلما نجد دعاء ومناجاة نصت الأحادیث الواردة بشأنها من أن الأئمة جمیعهم کانوا یقرأونها ویناجون الله تعالى بها. إن هذه المناجاة هی فی الحقیقة مقدمة تعد الإنسان وتهیئه للقیام بأعمال شهر رمضان المبارک. ولعله لهذا السبب تم تذکیر الإنسان الواعی للالتفات إلى دوافع الصیام وجنی فوائده العظیمة.
لقد کان الأئمة الأطهار (ع) یوضحون کثیراً من المسائل عن طریق الأدعیة. فهناک فرق کبیر بین أسلوب الأدعیة والأسالیب الأخرى التی کان یستعین بها هؤلاء العظام فی بیان الأحکام؛ إذ غالباً ما کانوا یوضحون المسائل المعنویة ومسائل ما وراء الطبیعة والمسائل الإلهیة وتلک التی ترتبط بمعرفة الله سبحانه یوضحونها بلغة الدعاء. بید أننا نقرأ نحن هذه الأدعیة ونمر علیها مرور الکرام دون أن نلتفت إلى معانیها مع الأسف، بل لا نعی أساساً ماذا کان یرید الأئمة (ع) منها.
فنحن نقرأ فی هذه المناجاة: "إلهی هب لی کمال الانقطاع إلیک، وأنر أبصار قلوبنا بضیاء نظرها إلیک، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصیر أرواحنا معلقة بعز قدسک3.
إن جملة (إلهی هب لی کمال الانقطاع إلیک) ربما ترید أن توضح هذا المعنى، وهو أن الرجال الربانیین الواعین ینبغی لهم أن یعدوا أنفسهم ویهیئوها قبل حلول شهر رمضان، لصوم هو فی الحقیقة انقطاع عن الدنیا واجتناب لذائذها (وهذا الاجتناب فی صورته الکاملة هو هذا الانقطاع إلى الله).
إن کمال الانقطاع لا یتحقق بهذه البساطة. إنه بحاجة إلى ترویض للنفس غیر اعتیادی ویحتاج إلى جهد وریاضة واستقامة وممارسة، لکی یمکن الانقطاع بکل القوى عن کل ما سوى الله سبحانه وتعالى، وأن لا یکون هناک توجه لغیر الله تعالى. فجمیع الصفات الإیمانیة الجلیلة وکل مستویات التقوى کامنة فی الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى؛ ومن یتمکن من الوصول إلى هذه المرحلة فقد بلغ غایة السعادة. ولکن من المستحیل أن یستطیع الإنسان بلوغ هذه الذرى مادام فی قلبه مثقال ذر من حب الدنیا. والذی یرید أن یقوم بأعمال شهر رمضان بالصورة المطلوبة، علیه أن یحقق فی نفسه هذا الانقطاع إلى الله، وإلا لن یستطیع مراعاة آداب الضیافة ولن یتسنى له إدراک عظمة المضیف.. لن یمکنه أن یدرک أنه فی رحاب من وعلى مائدة من؟
طبقاً لقول الرسول الأکرم (ص) ـ حسبما ورد فی الخطبة المنسوبة إلیه (ص) ـ فإن عباد الله کافة قد تمت دعوتهم فی شهر رمضان المبارک إلى ضیافة الله تعالى، وإن مضیفهم هو الله تبارک وتعالى: "أیها الناس إنه قد أقبل إلیکم شهر الله وقد دعیتم فیه إلى ضیافة الله"1.
فما علیکم فی هذه الأیام القلائل التی تفصلنا عن شهر رمضان المبارک، إلا أن تفکروا فی إصلاح أنفسکم والتوجه إلى بارئکم.. استغفروا الله من أفعالکم وأقوالکم التی لا تلیق. وإذا کنتم قد ارتکبتم ـ لا سمح الله ـ ذنباً فتوبوا إلى الله قبل الدخول فی شهر رمضان المبارک.. عوّدوا ألسنتکم على ذکر الله ومناجاته.. إیاکم أن تصدر منکم غیبة أو تهمة أو نمیمة أو أی ذنب فی هذا الشهر، وأن تدنسوا أنفسکم بالمعاصی وتسیئوا آداب الضیافة وأنتم ضیوف الله سبحانه.
لقد دعیتم فی هذا الشهر الفضیل إلى ضیافة الحق تعالى: "دعیتم فیه إلى ضیافة الله"، فهیئوا أنفسکم لهذه الضیافة العظیمة.. تحلوا ـ على الأقل ـ بالآداب الصوریة والظاهریة للصیام. (فالآداب الحقیقیة موضوع آخر، حیث هی بحاجة إلى جهد وجد وتعب). فالصوم لا یعنی الإمساک عن الطعام والشراب فحسب؛ بل ینبغی اجتناب المعاصی أیضاً. إن هذه من الآداب الأولیة للصوم بالنسبة للمبتدئین. (أما آداب الصیام بالنسبة لرجال الله الذین یتطلعون لبلوغ معدن العظمة فهی شیء آخر). فاعملوا ـ على الأقل ـ بالآداب الأولیة للصیام. فمما تمسکون البطن عن الطعام والشراب، فامسکوا عیونکم وأسماعکم وألسنتکم عن المعاصی. عاهدوا أنفسکم من الآن أن تکفوا اللسان عن الغیبة والتهمة والکذب والإساءة، وأخرجوا من قلوبکم الحسد والحقد وسائر الصفات الشیطانیة القبیحة. حاولوا قدر المستطاع أن تحققوا معنى الانقطاع إلى الله تعالى، وأن تؤدوا أعمالکم بعیدة عن الریاء، وخالصة لوجه الله تعالى، وانقطعوا عن شیاطین الإنس والجن.
لکن یبدو أننا لسنا أهلاً لتحقیق هذه الدرجة من الإیمان وکسب هذه السعادة الکبرى. فحاولوا ـ على الأقل ـ أن لا یکون صومکم مقروناً باقتراف الذنوب. وفیما عدا ذلک، وعلى فرض أن صیامکم کان صحیحاً من الناحیة الشرعیة، فإنه لن یقبل ولا یرفع إلى الله، لأن ارتفاع الأعمال إلى الله وقبولها لدیه ـ جل وعلا ـ یختلف کثیراً عن صحتها الشرعیة.
فإذا انقضى شهر رمضان المبارک ولم یطرأ على أعمالکم وسلوککم أی تغییر، ولم یختلف نهجکم وفعلکم عما کان علیه قبل شهر الصیام، فاعلموا أن الصوم الذی طلب منکم لم یتحقق، وأن ما أدیتموه لم یکن أکثر من صوم الحیوانات.
لقد دعیتم فی هذا الشهر الشریف إلى ضیافة الله تبارک وتعالى؛ فإذا لم تتحقق معرفتکم بالله، أو لم یضف لها، فاعلموا أنکم لم تلبوا دعوة الله کما ینبغی ولم تؤدوا حق الضیافة.
یجب أن تعلموا أنه إذا لم تتمکنوا فی هذا الشهر المبارک، الذی هو شهر الله وتفتح فیه أبواب الرحمة الإلهیة لعباده وأن الشیاطین والمردة ـ کما تفید الأحادیث1 ـ یرسفون فی الأغلال والقیود، إذا لم تتمکنوا من إصلاح نفوسکم وتهذیبها ومراقبة النفس الأمارة والتحکم بها، وإذا لم تتمکنوا من سحق الأهواء النفسیة وقطع علائقکم المادیة بالدنیا؛ فإن من الصعب أن تقدروا على ذلک بعد انتهاء شهر الصیام.
فاغتنموا الفرصة وهبّوا قبل انقضاء هذا الفیض الأعظم، لإصلاح أمورکم وتزکیة النفوس وتطهیرها، وهیئوا أنفسکم لأداء واجبات شهر الصیام، ولا تکونوا کمن عبّأه الشیطان ـ مثلما تعبأ الساعة ـ وشحنه قبل حلول شهر رمضان لأن یفعل بشکل تلقائی فی هذا الشهر حیث یرسف الشیاطین فی الأغلال، فی ارتکاب المعاصی والانشغال بالأعمال المنافیة التعالیم الإسلام.
إن الإنسان المرتکب للذنوب والمعاصی ینغمس فی الظلم والجهل نتیجة لبعده عن الحق وکثرة الذنوب والمعاصی، إلى درجة لم یعد معها بحاجة إلى وسوسة الشیطان، بل ینطبع سلوکه وینصبغ بصبغة الشیطان، لأن "صبغة الله"2 مقابل صبغة الشیطان، وأن الذی یسایر هوى النفس ویتبع الشیطان یکتسب صبغته بالتدریج.
عاهدوا أنفسکم ـ على الأقل فی هذا الشهر ـ بمراقبة سلوککم وتجنب الأفعال والأقوال التی لا ترضی الله تبارک وتعالى. الآن وفی هذا المجلس، عاهدوا الله تعالى بأن تتجنبوا فی شهر رمضان المبارک، الغیبة والتهمة والإساءة للآخرین، وأن تتحکموا بألسنتکم وعیونکم وأیدیکم وأسماعکم وبقیة الأعضاء والجوارح، وراقبوا أقوالکم وأفعالکم عسى أن یکون ذلک سبباً فی استحقاقکم عنایة الله تعالى ورحمته وتوفیقه، وتکونوا بعد انقضاء شهر الصیام وتحرر الشیاطین من الأغلال، قد هذبتم أنفسکم وأصبحتم من الصالحین ولم یعد بمقدور الشیطان إغواءکم وخداعکم.
أعود وأکرر: اتخذوا قرارکم وعاهدوا أنفسکم بمراقبة جوارحکم فی هذه الثلاثین یوماً من شهر رمضان المبارک، وکونوا حذرین دائماً وملتفتین إلى الحکم الشرعی لهذا العمل الذی تنوون الإقدام علیه، والقول الذی تریدون أن تنطقوا به، والموضوع الذی تستمعون إلیه.
هذه آداب الصوم الأولیة، فتمسکوا بهذه الآداب الظاهریة على الأقل.. فإذا رأیتم شخصاً یرید أن یغتاب، حاولوا أن تردعوه وقولوا له: لقد تعهدنا أن نجتنب المحرمات فی هذا الشهر. وإذا لم تستطیعوا منعه من الاغتیاب اترکوا المجلس، فلا تجلسوا وتستمعوا إلیه؛ إذ یجب أن یأمن المسلمون جانبکم. ومن لا یأمن المسلمون یده ولسانه وعینه فهو فی الحقیقة لیس بمسلم1. إنما هو مسلم فی الظاهر والاسم، وینطق بـ (لا إله إلا الله) فحسب.
فإذا أردتم ـ لا سمح الله ـ إهانة أحد من المسلمین واغتیابه والمساس بکرامته، فاعلموا أنکم فی محضر الربوبیة وفی ضیافة الله تبارک وتعالى، وأنکم بمحضره تسیئون الأدب مع عباده. وأن إهانة عباد الله هی بمثابة إهانة الله تبارک وتعالى. فهؤلاء عباد الله لا سیما إذا کانوا من أهل العلم والتقوى وعلى الصراط المستقیم. فأحیاناً ترون أن الإنسان ونتیجة لهذه الأفعال، یصل إلى مرحلة تکون عاقبته عند الموت بأن یکذّب الله تعالى وینکر آیاته: {ثم کان عاقبة الذین أساءوا السوأى أن کذّبوا بآیات الله وکانوا بها یستهزئون}2.
وإن مثل هذه النتیجة السیئة المدمرة لا تحصل دفعة واحدة، بل بالتدریج، فالیوم نظرة غیر سلیمة وغداً کلمة غیبة، وفی یوم آخر إهانة مسلم و... هکذا شیئاً فشیئاً تتکدس هذه المعاصی فی القلب فیسود. وإن القلب الأسود المظلم یمنع الإنسان من معرفة الله تعالى حتى یصل إلى مرحلة ینکر الحقائق الإیمانیة ویکذّب بآیات الله تعالى.
إن أعمال الإنسان ـ طبقاً لبعض الآیات واستناداً إلى تفسیر بعض الأحادیث ـ تعرض على رسول (ص) والأئمة الأطهار (ع)3 وتمر من أمام أنظارهم المبارکة. فعندما ینظر الرسول (ص) إلى أعمالکم ویراها ملیئة بالأخطاء والذنوب، فکم سیتأثر ویتألم؟ فلا تکونوا ممن یؤلم رسول الله ویثیر تأثره. لا تکونوا ممن یثیر الحزن والألم فی قلب رسول الله.
فعندما یرى (صلوات الله علیه وآله) صفحات أعمالکم زاخرة بالغیبة والتهمة والإساءة إلى المسلمین، ویرى کل توجهاتکم وهمومکم منحسرة فی الدنیا والمادیات، ویشاهد قلوبکم طافحة بالبغضاء والحسد والحقد وإساءة الظن بعضکم ببعض؛ عندما یرى رسول الله (ص) کل هذه، من الممکن أن یستحی أمام الله تبارک وتعالى وملائکته؛ لأن أمته وأتباعه لم یشکروا نعم الله تعالى، وخانوا بکل وقاحة وجرأة أمانات الله تبارک وتعالى. فالشخص الذی یرتبط بک ـ ولو کان خادمک ـ یخجلک إذا ما ارتکب عملاً مشیناً، وأنتم مرتبطون برسول الله (ص). إنکم بمجرد دخولکم الحوزات العلمیة تکونون قد ربطتم أنفسکم بفقه الإسلام وبالرسول الأکرم والقرآن الکریم. فإذا ما ارتکبتم عملاً قبیحاً فسوف یمس رسول الله (ص) ویسیء إلیه، ومن الممکن أن یلعنکم لا سمح الله. فلا تسمحوا لأنفسکم أن تحزنوا قلب رسول الله (ص) وقلوب الأئمة الأطهار، وتکونوا سبباً فی آلامهم.
إن قلب الإنسان کالمرآة صافٍ ومضیء، ولکنه یتکدر نتیجة تکالبه على الدنیا وکثرة المعاصی. فإذا استطاع الإنسان أن یؤدی ـ على الأقل ـ الصوم بنیة خالصة منزهة من الریاء (ولا أقول إن العبادات الأخرى لا ینبغی توافر الإخلاص فیها، بل إن الصدق والنیة الخالصة شرط فی جمیع العبادات)، وإذا تمکن أن یبقى طیلة هذا الشهر المبارک معرضاً عن الشهوات مجتنباً اللذائذ منقطعاً عما سوى الله تعالى، وقام بعبادة الصوم کما ینبغی، فقد تشمله عنایة الله فتزول عن مرآة قلبه ما علق بها من الغبش وما اعتراها من الکدر وما خیّم علیها من ظلام الذنوب، ویکون ذلک سبباً فی أن یعرض الإنسان کلیاً عن الدنیا المحرمة ولذائذها، وحینها یرغب فی ورود "لیلة القدر" یکون قد أصبح أهلاً لأن ینال الأنوار التی یتحقق فی تلک اللیلة للأولیاء والخلص من المؤمنین.
وإن الذی یجزی مثل هذا الصوم هو الله تبارک وتعالى کما قال عنه جل وعلا: "الصوم لی وأنا أجزی به"4. فلیس بمقدور شیء آخر أن یکون ثمناً لمثل هذا الصوم؛ حتى جنات النعیم لا تعنی شیئاً أمام صومه ولا یمکن أن تکون ثمناً له.
أما إذا أراد الإنسان أن یکون صیامه حبس الفم عن الطعام وإطلاقه فی اغتیاب الناس وفی قضاء لیالی شهر رمضان المبارک حیث تکون المجالس اللیلیة عامرة وتوافر فرصة أکبر لتمضیة الوقت إلى الأسحار فی اغتیاب المسلمین وتوجیه التهم والإهانة لهم، فإنه لن یجنی من صومه شیئاً؛ بل یکون بهذا الصوم قد أساء آداب الضیافة وأضاع حق ولی نعمته الذی خلق له کل وسائل الحیاة والراحة، ووفّر له أسباب التکامل، حیث أرسل الأنبیاء لهدایته وأنزل الکتب السماویة ومنح الإنسان القدرة للوصول إلى معدن العظمة والنور الأبهج، وأعطاه العقل والإدراک وکرّمه بأنواع الکرامات. 
وها هو قد عاد إلى ضیافته، والجلوس إلى مائدة نعمته، وحمده وثنائه بکل ما تقدر على أدائه الأیدی والألسن. فهل یصح أن یتمرد العباد الذین نهلوا من نعمته واستفادوا من وسائل وأسباب الراحة التی وضعها تحت تصرفهم، یتمردوا على مولاهم ومضیفهم وینهضوا لمعارضته ویطغوا؟. لقد هیّأ لهم الله تبارک وتعالى کل الأسباب، فهل یصح أن یسخروها لمعصیته وخلافاً لمرضاته؟
ألیس هذا کفراناً للنعمة؛ بأن یجلس الإنسان إلى مائدة مولاه ثم یتجرأ علیه بأفعاله القبیحة وتصرفاته المشینة ویسیء أدبه مع مضیفه وولی نعمته، ویرتکب أعمالاً قبیحة لدى مضیفه؟
ینبغی ـ على الأقل ـ للضیف أن یکون عارفاً بالمضیف مدرکاً لمقامه؛ ومن خلال اطلاعه على عادات وتقالید المجلس یحرص أن لا یصدر عنه ما ینافی الأخلاق ویسیء إلیه.. فلابد لضیف الله سبحانه أن یکون عارفاً بمقامه العظیم ذی العزة والجلال.. المقام الذی کان الأنبیاء العظام والأئمة الکرام یسعون دوماً للاستزادة من معرفته والإحاطة به إحاطة کاملة، وکانوا یتمنون أن یصلوا إلى معدن العظمة هذا: "وأنر أبصار قلوبنا بضیاء نظرها إلیک، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة"، وإن ضیافة الله هی "معدن العظمة" هذا. وقد دعا الله سبحانه عباده واستضافهم لیمکنهم من بلوغ معدن النور والعظمة. ولکن إذا لم یکن العبد لائقاً، فلن یتمکن من بلوغ مثل هذا المقام السامی والعظیم.
لقد دعا الله تبارک وتعالى العباد لکل الخیرات والمبرات والکثیر من اللذائذ الروحیة والمعنویة. ولکن إذا لم یکن العباد أهلاً للحضور فی مثل هذه المقامات السامیة، فلن یتمکنوا من بلوغ ذلک؛ فکیف یمکن الحضور فی حضرة الحق تعالى والدخول فی ضیافة رب الأرباب الذی هو "معدن العظمة"، مع کل هذه التلوثات الروحیة والرذائل الأخلاقیة والمعاصی القلبیة والظاهریة؟.
إن الأمر بحاجة إلى لیاقة واستحقاق، ولا یمکن إدراک هذه المعانی بوجوه مسودة وقلوب ملوثة بالمعاصی وملطخة بالآثام. فلابد من تمزیق هذه الحجب وإزالة هذه الغشاوة المظلمة والمضیئة التی کست القلوب ومنعتها من الوصول إلى الله، حتى یمکن الدخول فی المجلس الإلهی النورانی ذی العظمة.

حجب النور والظلام
إن التوجه إلى غیر الله تعالى یحجب الإنسان بحجب "ظلمانیة" وحجب "نورانیة". فالأمور الدنیویة بأجمعها إذا ما تسبب فی انشداد الإنسان إلى الدنیا وغفلته عن الله تبارک وتعالى، فإنها تبعث على الحجب "الظلمانیة". وعندما تکون الدنیا وسیلة التوجه إلى الله تعالى والوصول إلى دار الآخرة، التی هی "دار التشریف"، فإن حجب الظلام هذه تتبدل بحجب النور. وإن "کمال الانقطاع" هو تبدد کل الحجب النورانیة منها والمظلمة، لکی یمکن الورود إلى الضیافة الإلهیة التی هی "معدن العظمة". ولذا نرى فی هذه "المناجاة" یطلبون من الله تعالى، البصیرة والنور القلبی حتى یتسنى لهم خرق حجب النور وبلوغ معدن العظمة: "حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة".
ولکن الإنسان الذی لم یبدد بعد حجب الظلم؛ الإنسان الذی ما تزال کل توجهاته إلى عالم الطبیعة ومنحرفاً عن الله ـ والعیاذ بالله ـ ویجهل أساساً عما وراء الطبیعة والعالم الروحی وهو منکوس إلى الطبیعة، ولن یفکر ـ فی أی وقت ـ بتهذیب نفسه والاستفادة من القوى الروحیة والمعنویة الذاتیة لإزالة ما ران على قلبه من ظلمة الذنوب.. إن إنساناً هذا شأنه هو فی الحقیقة فی أسفل سافلین، الذی هو أدنى حجب الظلام وأشدها: {ثم رددناه أسفل سافلین}5؛ فی حین إن الله سبحانه خلق الإنسان فی أسمى مرتبة ومقام: {لقد خلقنا الإنسان فی أحسن تقویم}6.
إن الإنسان الذی یتبع هوى نفسه ولا یهتم منذ أن عرف نفسه بغیر عالم الطبیعة المظلم، ولا یفکر مطلقاً فی أنه من الممکن أن یکون بعد هذا العالم الملوث ثمة مکان ضیق ومنزل آخر، ولذا تراه غارفاً فی حجب الظلمة؛ إن مثل هذه الإنسان هو مصداق لقوله تعالى: {أخلد إلى الأرض واتبع هواه}7. فقد ابتعد عن الله تعالى لأن قلبه ملوث بالذنوب وتغلف بحجب الظلام، ولأن روحه ضمرت نتیجة کثرة معاصی؛ ذلک أن عبادة الأهواء وحب الدنیا والجاه، یعمی العقل والعین ویحول دون رؤیة الحقیقة، فلا یعود بمقدوره التخلص من حجب الظلام، ناهیک عن التخلص من حجب النور وتحقق مرتبة الانقطاع إلى الله سبحانه.
أجل، فمثل هذا إذا کان یؤمن بشیء، فإن غایة إیمانه لا تتعدى عدم إنکاره لمقام أولیاء الله، ولا یصف عوالم البرزخ والصراط والمعاد والقیامة والحساب والکتاب والجنة والنار، بالخرافة! فالإنسان یبدأ یتنکر لهذه الحقائق بالتدریج نتیجة لکثرة ارتکابه المعاصی وتعلقه الشدید بالدنیا. إنه ینکر مکانة الأولیاء ومقامهم، مع أن ذلک أمر جلی لا یتعدى عدة عبارات وردت فی الدعاء والمناجاة.

مرحلة العلم والإیمان
تارة نرى الإنسان یعلم بهذه الحقائق ولکنه لا یؤمن بها.. إن من یتولى غسل المیت لا یخاف منه لأنه متیقن أنه غیر قادر على إیذائه، فهو عندما کان على قید الحیاة وکانت الروح تدب فی بدنه، کان عاجزاً عن الإیذاء، فکیف به الآن وقد أصبح جثة هامدة لا حراک فیها.. أما أولئک الذین یخافون من الموتى، فهو لأنهم لا یؤمنون بهذه الحقیقة وإنما على علم بها فحسب..
إنهم عالمون بالله ویوم الحساب، ولکنهم غیر متیقنین. فالقلب لا علم له بما أدرکه العقل. إنهم یعلمون بأن الدلیل یقودهم إلى الإیمان بالله والمعاد ویوم القیامة. ولکن هذا البرهان العقلی نفسه من الممکن أن یکون حجاباً على قلوبهم یمنع نور الإیمان من أن یسطع علیها، ولا ینقذهم من ذلک إلا الله سبحانه: {الله ولی الذین آمنوا یخرجهم من الظمات إلى النور}8. فالذی ولیّه الله ویخرجه من الظلمات، لا یرتکب الذنوب، لا یغتاب، ولا یتهم، ولا یحقد على أخیه المؤمن أو یحسده، ویشعر بالنور یملأ قلبه فلا یعود یقیم وزناً للدنیا وما فیها، ویصبح کما قال أمیر المؤمنین (ع): "والله لو أعطیت الأقالیم السبعة بما تحت أفلاکها، على أن أعصی الله فی نملة أسلبها جلب شعیرة، ما فعلت"9.
إلا أن بعضکم یدوس على کل شیء ویغتاب عظماء الإسلام. فإذا کان الآخرون یغتابون بقال المحلة ویتحدثون ضده، فإن هؤلاء ینسبون التهم لعلماء الإسلام ویهینونهم ویتطاولون علیهم، لأن الإیمان لم یترسخ فی النفوس ولم یؤمنوا بجزاء أعمالهم وأفعالهم.
"فالعصمة" لیست غیر الإیمان الکامل. إن عصمة الأنبیاء والأولیاء لا تعنی أن جبرئیل ـ مثلاً ـ یأخذ بأیدیهم ویرشدهم إلى ما ینبغی فعله. (وبطبیعة الحال لو أن جبرائیل أخذ بید شمر بن ذی الجوشن على هذا النحو لما ارتکب محرماً أبداً). بل العصمة ولیدة الإیمان؛ فإذا آمن الإنسان بالله تعالى ورآه بعین القلب کما یرى الشمس بناظریه، فمن غیر الممکن أن یرتکب ذنباً أو معصیة. فإذا کنت على رأى ومسمع من رجل قوی مسلح، فإنک تجتنب القیام بما یسوءه. وهکذا الإنسان الذی یعتقد ویتیقن من أنه على مرأى ومسمع من الله تبارک وتعالى وأنه حاضر بین یدیه سبحانه دائماً، فإنه لن یتجرأ على ارتکاب ما لا یرضاه الله تعالى.
فالمعصومون (ع) وبعد أن خلقوا من طینة طاهرة ونتیجة للریاضات واکتساب الملکات الخلقیة الفاضلة، أصبحوا یرون أنفسهم دائماً فی محضر الله سبحانه الذی یعلم ویحیط بکل شیء، ویؤمنون بمعنى "لا إله إلا الله"، وعلى یقین من أن کل شیء زائل إلا الله ولیس بمقدور أحد التأثیر على مصائرهم: {کل شیء هالک إلا وجهه}10. فإذا ما تیقن الإنسان وآمن بأن کل العوالم الظاهرة والباطنة هی فی محضر الله تعالى، وأنه سبحانه حاضر وناظر فی کل مکان، یستحیل أن یصدر منه ذنب أو معصیة.
إن الإنسان لیمتنع عن ارتکاب ذنب على مرأى من طفل ممیز. إنه یمتنع عن کشف عورته أمامه، فکیف یاترى یکشف عوراته بحضور الله تعالى دوى أی حیاء أو خجل؟ والسبب فی ذلک هو إیمانه بوجود الطفل. ولکن رغم علمه بحضور الله تعالى إلا أنه لا یؤمن به. بل إن قلبه أصبح مظلماً نتیجة لکثرة المعاصی ولذا لا یستطیع أن یقبل هذا النوع من الحقائق أصلاً. بل ربما لا یحتمل حتى صحة وحقیقة وجودها أیضاً. إن الإنسان لو کان یحتمل ـ ولا أقول یتیقن ـ صحة هذه الإخبارات التی وردت فی القرآن الکریم، وصحة هذا الوعد والوعید، لأعاد النظر فی سلوکه وأفعاله ولم یترک العنان لنفسه یفعل ما یشاء دونما حیاء أو خجل.
إنکم إذا احتملتم ـ مجرد احتمال ـ أن فی الطریق الذی ستقطعونه حیواناً مفترساً من الممکن أن یلحق بکم أذى، أو قاطع طریق یمکن أن یتعرض لکم؛ فإنکم لا شک سوف تتوقفون عن المسیر وتتدارسون الموقف وتتأکدون من مدى صحة ذلک.. فهل من الممکن أن یحتمل الإنسان وجود جهنم والخلود فی النار، ومع ذلک یقدم على ارتکاب المعاصی؟ هل یمکن القول أن شخصاً یعتبر الله سبحانه حاضراً وناظراً ویرى نفسه فی محضر الربوبیة، ویحتمل أن ثمة جزاء لأفعاله وأقواله، وأن کل کلمة ینطق بها فی هذه الدنیا وکل خطوة یخطوها وکل عمل یرتکبه، تکتب وتحفظ، ذلک أن ملائکة الله "رقیب" و"عتید"، حیث یقول عز من قائل: {ما یلفظ من قول إلا لدیه رقیب عتید}11، یراقبونه ویکتبون کل أعماله وأقواله.. فهل من الممکن أن یعتقد إنسان بکل هذا أو یحتمله، ولا یتورع عن معصیة الله تبارک وتعالى؟
إن الطامة الکبرى هی أنهم لا یحتملون حتى وقوع هذه الحقائق. إذ إن ما یستفاد من سلوک بعض الناس وطریقتهم فی الحیاة، أنهم حتى لا یحتملون وجود عالم ما وراء الطبیعة؛ لأن مجرد احتمال ذلک کاف فی ردع الإنسان عن ارتکاب کثیر من الأمور الشائنة.

الخطوة الأولى فی التهذیب
حتى متى تریدون أن تظلوا تغطون فی نوم الغفلة، ومنغمسین فی الفساد والضیاع؟.. اتقوا الله.. اخشوا عاقبة الأمور.. أفیقوا من غفلتکم.. إنکم لم تفیقوا بعد ولم تخطوا الخطوة الأولى. إن "الیقظة" تمثل الخطوة الأولى فی السلوک. ولکنکم مازلتم تغطون فی نوم عمیق. فلو لم تکن الأفئدة ملوثة بنوم الغفلة، والقلوب اسودت وصدئت نتیجة للذنوب، لما کنتم هکذا غیر مبالین وغیر مهتمین، تواصلون الأعمال والأقوال المشینة. فلو فکرتم قلیلاً بأمور آخرتکم وعقباتها الکأداء لأولیتم اهتماماً أکبر للمسؤولیات الجسام الملقاة على عواتقکم.
إن وراءکم حساباً، کما أن أمامکم معاداً وقیامة (فلستم کسائر الکائنات التی لا معاد لها ولا حساب علیها). فلماذا لا تتعظون؟ لماذا لا تفیقون وتتیقظون؟ لماذا تخوضون مطمئنین فی الاغتیاب والإساءة إلى إخوتکم المسلمین أو تستمعون إلى ذلک؟. هل تعلمون أن هذه الألسن التی تمتد لاستغابة الآخرین، سوف تداس بأرجل الآخرین یوم القیامة؟ هل تعلمون أن الغیبة إدام کلاب النار12. هل فکرتم أصلاً فی العواقب الوخیمة السیئة لهذه الاختلافات والعداوات والحسد وإساءة الظن والأنانیة والغرور والتکبر؟ هل تعلمون أنه من الممکن أن تکون جهنم عاقبة هذه الأفعال الدنیئة المحرمة وتقود إلى الخلود فی نار جهنم؟
لا قدر الله أن یبتلى الإنسان بأمراض لا تبدو آلامها. إن الأمراض المؤلمة تدفع الإنسان لأن یفکر بعلاجها، فیذهب إلى مراجعة الطبیب أو المستشفى. بید أن المرض الذی لا یرافقه الألم ولا یشعر الإنسان بتبعاته، مرض خطر لأنه عندما یتنبه الإنسان إلیه یکون قد فات الأوان واستحال العلاج.
والأمراض النفسیة هی من هذا النوع. فلو کانت مصحوبة بالألم المباشر لحرّکت المصاب ودفعته إلى معالجتها. ولکن ماذا نفعل؟ ماذا نفعل مادامت هذه الأمراض لا یحس بآلامها رغم خطورتها؟
إن مرض الغرور والأنانیة، من الأمراض التی لا تظهر آلامها.. المعاصی الأخرى تفسد القلب والروح دونما ألم. إن هذه الأمراض لیست فقط غیر مصحوبة بالألم، بل تتسم بظاهر یبعث على التلذذ. إذ إن مجالس الغیبة والنمیمة قد تکون محببة!. فالإنسان یشعر مع حب النفس وحب الدنیا ـ اللذان هما مصدر جمیع الذنوب13 ـ بلذة ونشوة.
إن المبتلى بالاستسقاء یقضی علیه الماء، إلا أنه یتلذذ به إلى آخر نفس من أنفاسه. ولا شک فی أن الإنسان إذا ما تلذذ بمرض لا یصاحبه ألم، لم یذهب لمعالجته ولا یعبأ بکل من یحذره من خطورة هذا المرض.
فإذا ما ابتلی الإنسان بحب الدنیا واتباع الهوى، واستحوذ حب الدنیا على قلبه، فإنه یتألم من کل شیء عدا الأمور الدنیویة، ویعادی ـ والعیاذ بالله ـ الله وعباد الله والأنبیاء والأولیاء وملائکة الله، ویحس بالحقد والبغضاء. وحینما یأتی أجله وتأتی ملائکة الله لتتوفاه یشعر بالاستیاء الشدید وینفر منهم، لأنهم یریدون أن یبعدوه عن محبوبته (الدنیا والأمور الدنیویة)، ولذلک یبغضهم وینفر منهم، وربما یخرج من هذه الدنیا وهو عدو لله تعالى.
حدث أحد الأکابر من أهالی قزوین ـ رحمة الله ـ فقال: إنه کان جالساً عند رأس شخص یحتضر فسمعه یقول: إن الظلم الذی ظلمنی إیاه الله تعالى لم یظلمنی مثله أحد. لقد بذلت مهجتی فی تربیة أولادی، وهاهو یرید أن یبعدنی عنهم! فهل هناک ظلم أشد من هذا وأعظم؟
فإذا لم یهذب الإنسان نفسه، ولم یعرض عن الدنیا ویخرج حبها من قلبه، فیخشى علیه أن یترک الدنیا وقلبه مملوء بالحقد على الله وأولیائه وأن یواجه مثل هذا المصیر المشؤوم.
هل حقاً إن هذا الإنسان الصلف هو أشرف المخلوقات، أم هو فی الحقیقة أشر المخلوقات؟: { والعصر * إن الإنسان لفی خسر * إلا الذین آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}14.
إن المستثنى فی هذه السورة هم "المؤمنون" الذین عملوا الصالحات فحسب. و"العمل الصالح" هو الذی ینسجم مع الروح. ولکن کثیراً من أعمال الإنسان ـ کما ترون ـ تنسجم مع الجسم دون أن یوجد من التواصی المذکور فی السورة المبارکة عین أو أثر.
فإذا کان الأساس أن یسیطر علیکم حب الدنیا وحب النفس ویحول دون درککم للحقائق والواقعیات، ودون أن یکون عملکم خالصاً لوجه الله تعالى، ویمنعکم عن التواصی بالحق والتواصی بالصبر، وسد طریق الهدایة أمامکم؛ فإذا کان هذا الأساس فستبوؤون بالخسران المبین وتکونون ممن خسر الدنیا والآخرة، لأنکم قد أضعتم شبابکم وحُرمتم من نعم الجنة ونعیم الآخرة، أضعتم دنیاکم وآخرتکم. فالآخرون إذا ما أغلقت طریق الجنة أمامهم، وسدت فی وجوههم أبواب رحمة الله، واستحقوا الخلود فی النار، فإنهم قد حظوا ـ على الأقل ـ بالدنیا وتمتعوا بلذائذها. أما أنتم..
احذروا أن یستفحل ـ لا سمح الله ـ حب الدنیا وحب النفس شیئاً فشیئاً فی نفوسکم، ویصل بکم الأمر إلى أن یتمکن الشیطان من سلب إیمانکم؛ إذ یقال أن کل جهود الشیطان تتکرس لسرقة الإیمان وسلبه15..
إن کل جهود إبلیس ومساعیه مکرسة لاختطاف إیمان الإنسان. فلم یقدم لکم أحد تعهداً أو مستنداً ببقاء إیمانکم. فما أدراکم لعله إیمان مستودع16 یتمکن الشیطان فی النهایة من سلبه منکم، فتخرجون من الدنیا بعداوة الله وأولیائه.. عمر قضیتموه تتنعمون بالنعم الإلهیة وتجلسون على مائدة الإمام صاحب الزمان (عج)، وفی النهایة تفارقون الحیاة عدیمی الإیمان والعیاذ بالله، وتعادون ولی نعمتکم.
وعلیه، فإذا کانت لدیکم علاقة بالدنیا ومحبة لها، فحاولوا بکل جهدکم أن تقطعوا هذه العلائق. إن هذه الدنیا مع کل زخارفها وبهارجها، أحقر من أن تستحق المحبة، فکیف إذا ما کان الإنسان محروماً حتى من هذه المظاهر. فماذا تملکون أنتم من الدنیا حتى تنشد قلوبکم إلیها؟ فهل لدیکم غیر المسجد والمحراب والمدرسة؟ فهل من الصحیح أن تتنافسوا على المسجد والمحراب وتثیروا النزاعات وتفسدوا المجتمع؟ وإذا افترضنا أن لکم من الدنیا ما للمرفهین والمترفین، فإنکم ستقضون ـ لا سمح الله ـ عمرکم باللذائذ ثم ترون عند انتهاء العمر أن کل ذلک لیس أکثر من حلم جمیل سرعان ما انقضى، بید أن تبعاته ومسؤولیاته سوف تبقى تلاحقکم وتأخذ بخناقکم دوماً. فما قیمة هذه الحیاة السریعة الفناء الحلوة الظاهر ـ هذا إذا انقضت دونما غصص ـ فی مقابل العذاب الدائم؟.
إن عذاب "أهل الدنیا" یکون أحیاناً غیر متناه؛ هذا فضلاً عن أن أهل الدنیا یتصورون أنهم قد ملکوا الدنیا واستمتعوا بجمیع مزایاها ومنافعها، إلا أنهم مخطئون وغافلون. إن کل واحد ینظر إلى الدنیا من نافذة محیطه وبیئته، ویتصور أن الدنیا هی کما یرى. بید أن هذا العالم أوسع من أن یستطیع الإنسان أن یتصوره ویتمکن من اکتشافه وسبر أغواره. وقد ورد فی الحدیث الشریف عن هذه الدنیا، بأن الله تبارک وتعالى "ما نظر إلیها نظر رحمة"17.
وعلیه ینبغی لنا أن نتعرف على حقیقة ذلک العالم الذی نظر إلیه الله تعالى "نظرة رحمة".. ما هو "معدن العظمة" الذی دُعی إلیه الإنسان؟ وما هی حقیقته؟. إن الإنسان أصغر من أن یدرک حقیقة "معدن العظمة".
إنکم إذا أخلصتم نوایاکم وأصلحتم أعمالکم وأخرجتم من قلوبکم حب النفس وحب الحیاة، فإن الدرجات الرفیعة والمقامات العالیة قد أعدت لکم وهی فی انتظارکم.. إن الدنیا وما فیها بکل بهارجها وزخارفها لا تساوی ذرة من المقام الذی أعد لعباد الله الصالحین. فجدوا واجتهدوا لبلوغ هذه المقامات السامیة. وإذا ما استطعتم فابنوا أنفسکم واسموا بها إلى درجة لا تعبأوا حتى بهذه المقامات العالیة والدرجات الرفیعة.
لا تعبدوا الله تعالى من أجل نیل هذه الأمور. بل اعبدوه لأنه أهل للعبادة18.. اسجدوا لله وعفّروا جباهکم بالتراب، حینها تخترقون "حجب النور" وتصلون إلى "معدن العظمة". فهل بمقدورکم أن تحققوا هذه المکانة والمنزلة من خلال أعمالکم هذه وهذا الطریق الذی تسلکونه؟. هل تتصورون أن النجاة من عقاب الله تعالى واجتیاز العقبات المهولة والتخلص من نار جهنم، یتحقق بهذه السهولة؟ هل تتصورون أن بکاء الأئمة الأطهار ونحیب الإمام السجاد (ع)، هو من أجل تعلیمنا؟ إنهم رغم منزلتهم العظیمة السامیة ومقامهم الذی لا یضاهى، کانوا یبکون من خشیة الله تعالى، لأنهم یعلمون مدى خطورة الطریق الذی سیجتازونه. کانوا مطلعین على المشاکل والصعوبات التی تعترض اجتیاز الصراط؛ الصراط الذی یمثل أحد طرفیه الدنیا وطرفه الآخر الآخرة.. کانوا مطلعین على عوالم القبر والبرزخ والقیامة وعقباتها الکأداء؛ لذلک لم یکن یقر لهم قرار، وکانوا دائماً یلجأون إلى الله ویدعونه للنجاة من هول یوم القیامة.
فماذا أعددتم أنتم لهذه العقبات الکأداء والعقوبات التی لا تطاق، وأی طریق نجاة اخترتم؟ متى تریدون أن تهتموا بأنفسکم وتعلموا على تهذیبها وإصلاحها؟ إنکم الآن فی ریعان الشباب قادرین على التحکم بقواکم ولم یدب الضعف بعد إلى أبدانکم؛ فإذا لم تفکروا الآن بتزکیة أنفسکم وبناء ذواتکم، فکیف ستتمکنون من ذلک غداً عندما یتغلب الضعف علیکم ویسیطر الوهن، وتفقدون العزم وتضمحل فیکم الإرادة، فیکون ثقل الذنوب قد زاد من ظلمة القلب، عندها کیف یتسنى لکم بناء أنفسکم وتهذیبها؟
إن کل نفس تتنفسونه، وکل خطوة تخطونها، وکل لحظة تنصرم من أعمارکم، یزید من صعوبة إصلاحکم أنفسکم، وربما زاد أیضاً فی ظلمة القلب والتباهی والغرور. فکلما یتقدم العمر بالإنسان تزداد هذه الأمور التی تتعارض مع سعادة الإنسان، وتضعف القدرة على الإصلاح. فإذا بلغتم مرحلة الشیخوخة فمن الصعب أن توفقوا لاکتساب الفضیلة والتقوى. لیس بمقدورکم أن تتوبوا، لأن التوبة لا تتحقق بمجرد لفظة "أتوب إلى الله"، بل تتوقف على الندم والعزم على ترک الذنوب19. وإن الندم والعزم على ترک الذنوب لن یحصلا للذین أمضوا عمراً فی الغیبة والکذب وابیضت لحاهم على المعصیة والذنوب، فمثل هؤلاء یظلون أسارى ذنوبهم إلى آخر أعمارهم.
فلیتحرک الشباب قبل أن یداهمهم المشیب. ـ لقد بلغنا هذه المرحلة ونحن أعلم بمعاناتها ومصائبها ـ. إنکم مادمتم فی مرحلة الشباب تستطیعون أن تفعلوا کل شیء. فما دمتم تملکون عزیمة الشباب وإرادة الشباب، باستطاعتکم أن تتخلصوا من أهواء النفس ورغباتها الحیوانیة. ولکن إذا لم تبادروا إلى ذلک، ولم تفکروا بإصلاح أنفسکم وبنائها، فسوف یکون ذلک ضرباً من المحال عندما تبلغون مرحلة الهرم.. فکروا بأنفسکم مادمتم شباباً ولا تنتظروا إلى أن تصبحوا شیبة ضعافاً عاجزین.
إن قلب الشباب قلب رقیق وملکوتی، ودوافع الفساد فیه ضعیفة. ولکن کلما کبر الإنسان استحکمت فی قلبه جذور المعصیة إلى أن یصبح استئصالها من القلب أمراً مستحیلاً. کما ورد فی الحدیث الشریف عن أبی جعفر (ع) أنه قال: ما من عبد إلا وفی قلبه نکتة بیضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج فی النکتة نکتة سوداء فإن تاب ذهب ذلک السواد، وإن تمادى فی الذنوب زاد ذلک السواد حتى یغطی البیاض، فإذا تغطى البیاض لم یرجع صاحبه إلى خیر أبداً20.
إن إنساناً من هذا النوع قد لا یمر علیه یوم أو لیلة دون أن یعصی الله تعالى، وحینها یکون من الصعب أن یرجع قلبه فی سن الشیخوخة إلى حالته الأولى. فإذا لم تصلحوا أنفسکم ـ لا سمح الله ـ وخرجتم من الدنیا بقلوب سوداء وعیون وآذان وألسنة ملوثة بالذنوب، فکیف ستقابلون الله تعالى؟ کیف ستؤدون هذه الأمانات الإلهیة التی استودعکم الله إیاها بمنتهى الطهارة والبراءة، مدنسة بالقذارة والرذالة؟
هذه العین وهذه الأذن اللتان هما تحت تصرفکم، وهذه الید وهذا اللسان اللذان تحت سلطتکم، وهذه الأعضاء والجوارح التی تعیشون معها، کلها أمانات الله سبحانه وتعالى، وقد منحکم إیاها فی غایة السلامة والطهارة، فإذا ابتلیت بالمعاصی فسوف تتلوث، وإذا تلوثت ـ لا سمح الله ـ بالمحرمات فسوف تجد طریقها إلى الرذالة، وآنذاک عندما تریدون إعادة هذه الأمانة فقد تسألون: أهکذا تحفظ الأمانة؟ هکذا کان القلب عندما أعطی لکم؟ العین التی استودعناکم إیاها، هکذا کانت؟ وسائر الأعضاء والجوارح التی جعلناها تحت تصرفکم، هل کانت هکذا ملوثة وقذرة؟
بماذا ستجیبون عن هذه الأسئلة؟ وکیف ستواجهون الله الذی خنتم أماناته إلى هذا الحد من الخیانة؟ إنکم الآن شباب، وقد قررتم أن تفنوا شبابکم فی هذا الطریق الذی لن ینفعکم دنیویاً بما یستحق الذکر. فإذا أمضیتم أوقاتکم الثمینة هذه وقضیتم ربیع شبابکم فی طریق الله ومن أجل هدف مقدس، فإنکم لیس فقط لم تخسروا شیئاً بل تربحون الدنیا والآخرة.
ولکن إذا ما استمرت أوضاعکم على هذا المنوال الذی علیه الآن، فإنکم تتلفون شبابکم وتهدرون خیرة سنوات عمرکم، وستکونون مسؤولین أعظم مسؤولیة عند الله تعالى فی العالم الآخر. علماً أن جزاء أعمالکم الفاسدة والمفسدة هذه لا ینحصر بالعالم الآخر، بل إنکم سترون أنفسکم فی هذه الدنیا وقد أحاط بکم البلاء من کل جانب، وسدت علیکم الآفاق وضیق الخناق.

تحذیر آخر
إن مستقبلکم مظلم؛ یحیط بکم أعداء کثیرون من کل صوب، وقد وضعوا الخطط الجهنمیة الفتاکة للقضاء علیکم وعلى الحوزات العلمیة.. لقد وضعت الأیادی الاستعماریة خططاً خطیرة للإحاطة بکم.. خططاً جهنمیة تستهدف الإسلام والمسلمین. إنهم وتحت ستار الإسلام وضعوا لکم خططاً خطیرة، وإنکم لن تستطیعوا أن تتخلصوا من خططهم الشیطانیة إلا فی ظل بنا الذات والتهذیب والنظم والترتیب السلیم. فبهذا وحده تستطیعون أن تحبطوا محاولاتهم المجرمة هذه.
إننی أقضی الآن آخر أیام حیاتی، وسأفارقکم عاجلاً أو آجلاً، ولکنی أتوقع لکم مستقبلاً مظلماً وأیاماً سوداء. فإذا لم تصلحوا أنفسکم وتتجهزوا وتجعلوا النظام والانضباط حاکماً على دراستکم وحیاتکم، فإنکم محکومون بالفناء والاندثار ـ لا سمح الله ـ.
ففکروا قبل أن تضیع الفرصة، وقبل أن یستولی الأعداء على جمیع شؤونکم الدینیة والعلمیة. فکروا وانتبهوا وتحرکوا.. ففی المرحلة الأولى اهتموا بتهذیب النفس وتزکیتها، وإصلاح ذات بینکم. خذوا بوسائل العصر.. نظموا أمورکم، وابسطوا النظام والانضباط على کل شؤون الحوزات العلمیة.. لا تدعوا الآخرین یحاولون تنظیم هذه الحوزات. لا تسمحوا للأعداء أن یتسلطوا علیها زاعمین أن العلماء لیسوا أهلاً لشیء ولا یقدرون أن یفعلوا شیئاً، إنما هم مجموعة عاطلین عن العمل.. إنهم بهذه الذرائع یریدون إفساد هذه الحوزات بذریعة إصلاحها وتنظیمها. یریدون أن یتسلطوا علیکم، فلا تدعوا لهم عذراً. فإذا نظمتم أمورکم وهذبتم أنفسکم وضبطتم کل أوضاعکم فلن یطمع الآخرون بکم، ولن یعد بمقدورهم النفوذ إلى حوزاتنا العلمیة ومؤسساتنا العلمائیة.
هذبوا أنفسکم، وتجهزوا واستعدوا للحیلولة دون وقوع المفاسد التی یمکن أن تعترضکم. حصنوا الحوزات العلمیة واجعلوها قادرة على التصدی للمشاکل التی ستواجهها.. إن أیاماً سوداء بانتظارکم، ویبدو أن أیاماً عجافاً ستواجهکم.. إن عملاء الاستعمار یتطلعون للقضاء على الإسلام ومحو کل أثر له. ولابد لکم من الوقوف فی وجه ذلک وقفة شجاعة. ولن یتسنى لکم ذلک مع وجود حب النفس والجاه والغرور والتکبر.
إن عالم السوء.. العالم الغارق فی حب الدنیا.. العالم الذی لا یفکر بغیر البقاء فی مرکزه والحفاظ على زعامته؛ إن مثل هذا العالم لا یستطیع مجاهدة أعداء الإسلام، وإن ضرره أکثر من غیره.. فلتکن خطواتکم ربانیة.. أخرجوا حب الدنیا من قلوبکم، وآنذاک یمکنکم أن تجاهدوا.. فلیحاول کل واحد منکم أن یلقن نفسه من الآن بأنه یتطلع لأن یکون جندیاً یضحی من أجل الإسلام.. یتطلع للتضحیة من أجل الإسلام.. لا تتشبثوا بالذرائع وتخلقوا لأنفسکم الأعذار بأن المرحلة لا تقتضی ذلک.. جدوا واجتهدوا لتکونوا فی المستقبل نافعین للإسلام، وباختصار أن یکون کل واحد منکم إنساناً.
إن عملاء الاستعمار یخشون الإنسان.. المستعمرون الذین لا یفکرون بغیر نهب ثرواتنا، ولا یسمحون أن یتربى فی جامعاتنا "إنسان"، لأنهم یخشون الإنسان. فإذا ما وجد إنسان فی دولة ما فإنه سوف یهدد مصالحهم.
إنکم تتحملون مسؤولیة بناء أنفسکم لیصبح کل واحد منکم إنساناً سویاً ومتکاملاً، یقف فی وجه مخططات أعداء الإسلام المشؤومة. فإذا لم تنظموا أنفسکم وتعدوا العدة للتصدی للضربات التی تکال کل یوم للإسلام، فسوف تقضون على أنفسکم وکذلک على أحکام الإسلام، وستکونون مسؤولین عن ذلک کله.
أنتم أیها العلماء.. وأنتم أیها الطلاب.. یا طلبة العلوم الدینیة.. ویا أیها المسلمون، کلکم مسؤولون.. مسؤولیتکم أیها العلماء وطلبة العلوم الدینیة تأتی فی الدرجة الأولى، ثم مسؤولیة بقیة المسلمین. "کلکم راع وکلکم مسؤول عن رعیته"21.
أنتم أیها الشباب، ینبغی لکم أن تقووا من إرادتکم لکی یتسنى لکم مجابهة کل أنواع الظلم والاستبداد، ولا سبیل غیر ذلک.. إن کرامتکم وکیان الإسلام وکرامة الدول الإسلامیة منوطة بمدى استعدادکم للتضحیة والبذل والعطاء.
نسأل الله تعالى أن یحفظ الإسلام والمسلمین والدول الإسلامیة من شر الأعداء، وأن یحمی الإسلام والحوزات العلمیة الإسلامیة من المستعمرین والخونة، وأن یوفق علماء الإسلام والمراجع العظام للدفاع عن أحکام الشریعة المقدسة ونشر تعالیم القرآن المجید، وأن یوفق العلماء وطلاب العلوم الدینیة للتنبه للأخطار المحدقة بهم، ووعی مسؤولیاتهم الجسیمة فی عصرنا الحاضر.
کما نسأله تعالى أن یحفظ الحوزات العلمیة الإسلامیة والمؤسسات العلمائیة ویصونها من أیدی ونفوذ أعداء الإسلام وعملاء الاستعمار، وأن یوفق الجیل الشاب من طلبة العلوم الدینیة والجامعیین وعامة المسلمین لبناء أنفسهم وتهذیبها وتزکیتها. کذلک یوفق الأمة الإسلامیة للتحرر من نوم الغفلة واجتناب الخمول والتحجر والکسل، لکی تعود إلى ذاتها من خلال استلهام تعالیم القرآن النورانیة والثوریة، وینهضوا ویقطعوا أیادی الاستعمار وأعداء الإسلام الألداء عن البلدان الإسلامیة بوحی من الاتحاد والوحدة، ویحققوا الحریة والاستقلال والمجد والعظمة الضائعة.
{ربنا أفرغ علینا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الکافرین}22. ربنا وتقبل دعاء.
أقوال مختارة
* کل الصفات الإنسانیة الحمیدة تمکن فی الانقطاع الکامل إلى الله.
* إن الدنیا وما فیها بکل بهارجها وزخارفها، لا تساوی ذرة من المقام الذی أُعدّ لعباد الله الصالحین.
* إن هذه الدنیا بکل مظاهرها الساحرة، أحقر من أن تستحق المحبة.
* ما قیمة هذه الحیاة الفانیة ذات المظهر الخادع، فی مقابل العذاب الأبدی؟.
* التوجه إلى غیر الله تعالى یحجب الإنسان یحجب ظلمانیة وحجب نورانیة.
* الأمور الدنیویة بأجمعها إذا ما تسببت فی انشداد الإنسان إلى الدنیا وغفلته عن الله تبارک وتعالى، فإنها تبعث على الحجب الظلمانیة.
* کونوا حزب الله، وابتعدوا عن زخارف الحیاة الدنیا ومظاهرها الخادعة.
* إن رجل الدین الذی یعتبر نفسه من أتباع وشیعة علی بن أبی طالب (ع)، لا یمکن أن ینخدع ببهارج الدنیا.
* إن جذور کل الاختلافات التی تفتقد إلى الهدف المحدد والمقدس، تعود إلى حب الدنیا.
* لقد بعث أنبیاء الله تعالى لبناء الإنسان وتربیته، وإبعاده عن القبائح والخبائث والمفاسد والرذائل الأخلاقیة، وترغیبه بالفضائل والآداب الحسنة.
* إذا خطوتم من أجل الله، فإن الله تبارک وتعالى مقلب القلوب یجعل القلوب تهفو إلیکم.
* لا تعبأوا بأحد غیر الخالق الصمد.
* إن قلب الإنسان کالمرآة صاف ومضیء، ولکنه یتکدر نتیجة تکالبه على الدنیا وکثرة المعاصی.
* کیف یتسنى الحضور فی حضرة الحق تعالى والدخول فی ضیافة رب الأرباب، الذی هو "معدن العظمة"، مع کل هذه التلوثات الروحیة والرذائل الأخلاقیة والمعاصی القلبیة والظاهریة؟
* اتقوا الله.. واخشوا عاقبة الأمور، وأفیقوا من نوم الغفلة.
* کونوا بعیدی النظر.. زنوا عواقب الأمور.. تذکروا العقبات الخطیرة التی ستواجهونها.. تذکروا عذاب القبر وعالم البرزخ والشدائد والأهوال التی تعقبه.
* إن نیران جهنم تتأجج بإیحاء من أعمال الإنسان وأفعاله القبیحة.
* إذا لم یفعل الإنسان ما یؤجج نار جهنم فإن جهنم خامدة.. إن باطن هذه الدنیا جهنم، وإن الإقبال على الدنیا إقبال على جهنم ولعب بنارها.
* ما یحصده الإنسان فی العالم الآخر، هو ثمرة زرعه فی هذه الدنیا.
* فکروا بعاقبة أمورکم قبل أن تضیع الفرصة من أیدیکم.
* أنتم أیها الشباب، تسیرون نحو الهرم والشیخوخة، ونحن الشیوخ نسیر نحو الموت.
* إن کل نفس تتنفسونه، وکل خطوة تخطونها، وکل لحظة تنصرم من أعمالکم؛ یزید من صعوبة إصلاحکم أنفسکم، وربما زاد من ظلمة القلب والتباهی والغرور.
* مادمتم تملکون عزیمة الشباب وإرادته، باستطاعتکم أن تتخلصوا من أهواء النفس ورغباتها الدنیویة وغرائزها الحیوانیة.
* إن قلب الشاب قلب رقیق وملکوتی ودوافع الفساد لدیه ضعیفة. ولکن کلما تقدم العمر بالإنسان استحکمت فی قلبه جذور المعصیة إلى أن یصبح استئصالها من القلب أمراً مستحیلاً.
* التوبة النصوح لا تتحقق بمجرد النطق بکلمة أتوب إلى الله، بل من الضروری تحقق الندم والعزم على ترک المعاصی.
* توددوا إلى خلق الله وتعاملوا معهم بالحسنى، وانظروا إلیهم نظرة عطف ومحبة.
* أحسنوا إلى عباد الله الصالحین.
* إن الذی لا یسلم بقیة المسلمین من یده ولسانه ونظره، فهو فی الحقیقة لیس بمسلم.
* الإساءة إلى عبد الله هی إساءة إلى الله تعالى.
* الذی ینصاع لهوى النفس ویتبع الشیطان، یکتسب صبغته بالتدریج.
* أهل الآخرة یعیشون فی سلام ومحبة، وقلوبهم مفعمة بحب الله وعباده.
* محبة عباد الله هی ظل محبة الله.
* القرآن الکریم أمانة الله العظمى، وعلماء الدین ورجاله هم الأمناء الربانیون.
* وظائف العلماء خطیرة للغایة، ومسؤولیة العلماء أعظم من مسؤولیة باقی الأفراد.
* ورد فی الحدیث الشریف أن الروح عندما تکون فی النزع الأخیر، لم یعد للعالم موضع للتوبة.
* إذا انحرف العالم فقد یحرف أمة ویجرها للانحطاط.
* إذا کان العالم مهذباً ومراعیاً للأخلاق والآداب الإسلامیة، فسوف یعمل على تهذیب المجتمع وهدایته.
* العلم فی النفس التی لم تهذب لیس أکثر من حجاب ظلمانی.
* العلم نور، إلا أنه فی الفؤاد المظلم والقلب الفاسد یزید من دائرة الظلمة والعتمة.
* العلم الذی یقرب الإنسان إلى الله تعالى، یمسی فی النفس المتعلقة بالدنیا سبباً فی ابتعادها أکثر عن عرش ذی الجلالة.
* علم التوحید أیضاً إذا کان لغیر الله تعالى یمسی حجاب ظلمانی.
* إذا لم یخرج الإنسان الخبائث من باطنه، فمهما درس وتعلم لن یجدیه نفعاً، بل یلحق به أضراراً.
* العالم الفاسد یقود العالم إلى الفساد.
* (مخاطباً طلبة العلوم الدینیة): إذا لم تدرسوا ـ لا سمح الله ـ فإنه یحرم علیکم الإقامة فی المدارس الدینیة.
* فی کل خطوة تخطونها على طریق کسب العلم، اخطوا خطوة أخرى أیضاً على طریق کبح جماع الأهواء النفسیة، وتقویة القوى المعنویة، وکسب مکارم الأخلاق، وتحصیل المعنویات والتقوى.
* إذا لم یکن الإخلاص وقصد القربى، فلا جدوى من هذه العلوم. 
* اسعوا لإصلاح أنفسکم وتهذیبها قبل أن تنزلوا إلى المجتمع.
* عندما تغادرون مرکز الفقه ـ الحوزة ـ ینتظر منکم أن تکونوا قد هذبتم أنفسکم وزکیتموها لکی یتسنى لکم تربیة الناس وإصلاحهم.
* إذا انحرف شخص وارتد عن الإسلام بسبب أعمالکم وأفعالکم وسلوککم غیر السلیم، فإنکم ترتکبون بذلک أعظم الکبائر.
* لا قدر الله أن یحتفی المجتمع بإنسان قبل أن یهذب نفسه، وأن یجد له نفوذاً ومکانة فی أوساط الناس، فإنه سوف یخسر نفسه.
* هذبوا أنفسکم واعملوا على إصلاحها قبل أن یسلب زمام الاختیار من أیدیکم.
* تحلوا بالأخلاق الحسنة، وابتعدوا عن الرذائل الأخلاقیة، ولیکن رائدکم الإخلاص فی الدراسة والبحث لیقربکم إلى الله تعالى.
* إذا لم تتوافر النیة الصادقة فی الأعمال، فسوف یبتعد الإنسان عن عرش الربوبیة.
* احرصوا على إشاعة النظم والانضباط فی الحوزات العلمیة.
* أیادی الاستعمار تتطلع للقضاء على کیان الإسلام، وینبغی لکم مواجهة مخططاتهم.
* مع وجود حب النفس والجاه والکبر والغرور، لا یمکن المقاومة.
* لیس باستطاعة عالم السوء، العالم المشدود إلى الدنیا، العالم الذی لا یفکر بغیر الحفاظ على المنصب والرئاسة؛ أن یجاهد ضد أعداء الإسلام.
* اخطوا خطوة إلهیة، وأخرجوا حب الدنیا من القلب، عندها یتسنى لکم النضال.
1 یذکر أن بحوث کتاب الجهاد الأکبر مستقاة من إرشادات وتوجیهات سماحة الإمام الخمینی، کانت قد صدرت عن سماحته فی فترات مختلفة أثناء وجوده فی النجف الأشرف بالعراق، وقام بتدوینها سماحة حجة الإسلام والمسلمین السید حمید روحانی.
1 قال أمیر المؤمنین (ع): "لما وجهنی رسول الله (ص) إلى الیمن قال: یا علی لا تقاتل أحداً حتى تدعوه إلى الإسلام، وأیم الله لأن یهدی الله عز وجل على یدیک رجلاً خیر لک مما طلعت علیه الشمس وغربت ولک ولاؤه". الکافی، ج5، ص36، "کتاب الجهاد"، "باب الدعاء إلى الإسلام قبل القتال"، حدیث2.
2 أصول الکافی، "کتاب فضل العلم"، أبواب: صفة العلماء، بذل العلم، النهی عن القول بغیر علم، استعمال العلم، المستأکل بعلمه والمباهی به، لزوم الحجة على العالم، و"باب النوادر".
3 وسائل الشیعة، ج18، ص9 ـ 17، وص98 ـ 129، "کتاب القضاء"، "أبواب صفات القاضی"، باب4، 11، 12.
1 أصول الکافی، ج1، ص59، "کتاب فضل العلم"، "باب لزوم الحجة على العالم.."، الحدیث3.
2 أصول الکافی، ج1، ص59، "کتاب فضل العلم"، "باب لزوم الحجة على العالم.."، الحدیث2.
3 قال رسول الله، (ص): "صنفان من أمتی إذا صلحا صلحت أمتی وإذا فسدا فسدت أمتی. قیل: ومن هم؟ قال (ص): العلماء والأمراء" کتاب الخصال، "باب الاثنین"، ص37. وکذلک انظر تحف العقول، ص50.
4 عن سلیم بن قیس الهلالی قال: سمعت أمیر المؤمنین (ع) یحدث عن النبی (ص) أنه قال فی کلام له: "العلماء رجلان: رجل عالم آخذ بعلمه، فهذا ناج. وعالم تارک لعلمه، فهذا هالک. وإن أهل النار لیتأذون من ریح العالم التارک لعلمه" کتاب أصول الکافی، ج1، ص55، "کتاب فضل العلم"، "باب استعمال العلم"، الحدیث1.
5 ورد عن الإمام الصادق (ع) قوله: "کونوا دعاة للناس بالخیر بغیر ألسنتکم لیروا منکم الاجتهاد والصدق والورع" کتاب الکافی، ج3، ص164، "کتاب الإیمان والکفر"، "باب الصدق وأداء الأمانة"، الحدیث 10.
1 غرر الحکم، ج7، ص269.
2 من أمثال محمد بن عبد الوهاب مؤسس الحرکة الوهابیة, والشیخ أحمد الإحسائی والسید الکاظم الرشتی مؤسسی الفرقة الشیخیة، وأحمد کسروی، وغلام أحمد مؤسس القادیانیة.
1 آیة الله العظمى الشیخ عبد الکریم الحائری الیزدی (1276 ـ 1355هـ)، أحد الفقهاء العظام ومراجع التقلید الشیعة فی القرن الرابع عشر الهجری. حضر فی مدینتی النجف وسامراء دروس أساتذة کبار أمثال المیرزا الشیرازی الکبیر والمیرزا محمد تقی الشیرازی، والآخوند الخراسانی، والسید الکاظم الیزدی، والسید محمد الإصفهانی الفشارکی. انتقل عام 1340هـ إلى مدینة قم للإقامة فیها وتأسیس حوزتها العلمیة. من مصنفاته: درر الفوائد فی الأصول، والصلاة والنکاح والرضاع والمواریث فی الفقه.
1 أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی (385 ـ 460هـ)، ویلقب بشیخ الطائفة، من فحول علماء الإمامیة. کان رئیس فقهاء ومتکلمی عصره، وکان بارعاً فی الأدب وعلم الرجال والتفسیر والحدیث أیضاً. ومن أساتذته الشیخ المفید والسید المرتضى وابن غضائری وابن عبدون. والشیخ هو صاحب کتابی الاستبصار والتهذیب فی الحدیث، اللذین یعدان من کتب الإمامیة الأربعة. وکان الشیخ الطوسی قد جعل من النجف الأشرف مرکزاً علمیاً للشیعة.
2 بدأ الشیخ الطوسی بتألیف کتاب التهذیب، الذی هو شرح لکتاب المقنعة للشیخ المفید، فی حیاة أستاذه (الشیخ المفید المتوفى عام 413هـ)، وکان له من العمر وقتئذ نحو 26 عاماً. راجع مقدمة تفسیر التبیان بقلم الشیخ آقا بزرک الطهرانی.
3 علی بن الحسین بن موسى المعروف بالسید المرتضى أو علم الهدى (355 ـ436هـ). من عظام علماء الإسلام والشیعة. حضر درسه العدید من کبار علماء الإمامیة بما فیهم الشیخ الطوسی. من تصانیفه: الأمالی، والذریعة إلى أصول الشریعة، والناصریات، والانتصار، والشافی.
1 الکلمات المکنونة للفیض الکاشانی، ص123.
2 الشیخ مرتضى الأنصاری (1214 ـ 1281هـ) الملقب بـ "خاتم الفقهاء والمجتهدین"، وهو من أحفاد الصحابی جابر بن عبد الله الأنصاری. کان من نوابغ علم الأصول، وقد أوجد تحولاً کبیراً فی هذا العلم. ومن أساتذته: الشیخ موسى کاشف الغطاء، والشیخ علی کاشف الغطاء، والملا أحمد النراقی والسید محمد مجاهد. ربى الشیخ الأنصاری فقهاء کباراً؛ منهم الآخوند الخراسانی، والمیرزا الشیرازی، والمیرزا محمد حسن آشتیانی. من تصانیفه: فرائد الأصول (المعروف بالرسائل)، والمکاسب وهو من الکتب الحوزویة الشهیرة.
3 هو السید علی بن السید محمد (المتوفى عام 1283هـ) من کبار زهاد وعرفاء عصره. وقد أجازه کل من الشیخ الأنصاری والسید الحسین إمام جمعة شوشتر. اشتغل فترة فی القضاء والإفتاء فی مدینة شوشتر، ثهاجر إلى النجف الأشرف لیحضر دروس الشیخ الأنصاری فی الفقه. وکان الشیخ بدوره یحضر دروس السید فی الأخلاق. وکان السید وصی الشیخ الأنصاری، وبعد وفاة الشیخ حل محله فی التدریسذلک کان المرحوم السید علی أستاذ ومربی الآخوند ملا حسین قلی الهمدانی الذی کان لدیه تلامذة کثیرون وکان یتولى إرشادهم، وإن أساتذة کبار نظیر المیرزا جواد ملکی التبریزی، والسید أحمد الکربلائی، والشیخ محمد البهاری، والسید علی قاضی التبریزی، والعلامة الطباطبائی، هم من خریجی مدرسته.
4 مجمع البیان، تفسیر الآیة الرابعة من سورة "القلم".
1 سورة مریم، الآیة 96.
1 ورد عن الإمام علی بن أبی طالب (ع) قوله: "لو أن حملة العلم حملوه بحقه، لأحبهم الله وملائکته وأهل طاعته من خلقه. ولکنهم حملوه لطلب الدنیا فمقتهم الله وهانوا على الناس" تحف العقول، ص201، باب کلمات أمیر المؤمنین (ع).
1 صفات الشیعة تألیف الشیخ الصدوق، کذلک یراجع بحار الأنوار، ج65، ص83 ـ 95 وص149 ـ 196، "کتاب الإیمان والکفر"، "باب أن الشیعة هم أهل دین الله..."، "باب صفات الشیعة وأصنافهم...". ویراجع أیضاً شرح الأربعین حدیثاً للإمام الخمینی، الحدیث 29.
1 سورة ص، الآیة 64.
2 إشارة إلى الحدیث: ولهذا لما سئل بعض أئمتنا عن عموم الآیة المذکورة (آیة 71 من سورة مریم)، قال: "جزناها وهی خامدة". کتاب علم الیقین، ج2، ص917.
3 سورة آل عمران، الآیة 182.
4 سورة الکهف، الآیة 49.
5 سورة الزلزال، الآیتان 7 و8.
1 سورة فصلت، الآیة 21.
1 سورة النبأ، الآیة 23.
2 أورد العیاشی باسناده عن حمران قال: "سألت أبا جعفر (ع) عن هذه الآیة: {لابثین فیها أحقاباً} فقال: هذه فی الذین یخرجون من النار". مجمع البیان، ج10، ص424، فی تفسیر آیة 23 من سورة النبأ.
3 سورة المجادلة، الآیة 22.
1 إقبال الأعمال، أعمال شهر شعبان، ص685.. مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ص374. بحار الأنوار، ج91، ص97 ـ 99. "کتاب الذکر والدعاء"، الباب 32، الحدیث 12.
2 المصدر نفسه.
3 بحار الأنوار: الأدعیة والمناجاة.
1 وسائل الشیعة، ج7، ص227، "کتاب الصوم"، "أبواب أحکام شهر رمضان"، الباب 18، الحدیث20.
1 عن جابر عن أبی جعفر (ع) قال: "کان رسول الله (ص) یقبل بوجهه إلى الناس فیقول: معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان، غلت مردة الشیاطین وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرحمة، وغلقت أبواب النار واستجیب الدعاء" کتاب وسائل الشیعة، ج7، ص224، "کتاب الصوم"، "أبواب أحکام شهر رمضان"، الباب 18، الحدیث14.
2 مستوحى من الآیة 138 من سورة البقرة: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون}.
1 عن أبی جعفر (ع) قال: قال رسول الله (ص): "ألا أنبئکم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم. ألا أنبئکم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه ویده". کتاب الکافی، ج3، ص331، "کتاب الإیمان والکفر"، "باب المؤمن وعلاماته وصفاته"، الحدیث 19.
2 سورة الروم، الآیة 10.
3 کما تشیر إلى ذلک الآیة 105 من سورة التوبة: {وقل اعملوا فسیرى الله عملکم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغیب والشهادة فینبئکم بما کنتم تعملون}. وینقل أبو بصیر عن الإمام الصادق (ع) قوله: "تعرض الأعمال على رسول الله (ص)، أعمال العباد کل صباح أبرارها وفجارها فاحذروها، وهو قول الله تعالى: {وقل اعملوا فسیرى الله عملکم ورسوله}." أصول الکافی/ ج1، ص318، "کتاب المحجة"، "باب عرض الأعمال على النبی (ص) والأئمة علیهم السلام"، الأحادیث 1 ـ6.. کذلک انظر تفسیر البرهان، ج2، ص157.
4 الکافی، ج4، ص63، "کتاب الصوم"، "باب ما جاء فی فضل الصوم والصائم"، الحدیث6.
5 سورة التین، الآیة 5.
6 سورة التین، الآیة 4.
7 سورة الأعراف، الآیة 176.
8 سورة البقرة، الآیة 257.
9 نهج البلاغة، الخطبة: 215.
10 سورة القصص، الآیة 88.
11 سورة ق، الآیة 18.
12 جاء فی موعظة أمیر المؤمنین (ع) لنوف البکالی: "اجتنب الغیبة فإنها إدام کلاب النار.." وسائل الشیعة، ج8، ص600، کتاب الحج، أبواب أحکام العشرة، الباب 152، الحدیث 16.
13 عن أبی عبد الله (ع) قال: "رأس کل خطیئة حب الدنیا". الکافی، ج2، ص2، کتاب الإیمان والکفر، باب حب الدنیا والحرص علیها، الحدیث 1. انظر أیضاً: بحار الأنوار، ج70، ص1، وج74، ص178.
14 سورة العصر.
15 {قال فبما أغویتنی لأقعدن لهم صراطک المستقیم}، سورة الأعراف، الآیة 16. وقد ورد فی تفسیر علی بن إبراهیم فی ذیل الآیة 17 من سورة الأعراف: "إذ ما سلک الأفراد طریق الهدایة، فإن الشیطان یسعى لحرفهم عن طریق الدین". تفسیر علی بن إبراهیم. ج1، ص224.. انظر أیضاً تفسیر البرهان، ج2، ص5.
16 نقل محمد بن الفضیل عن الإمام موسى بن جعفر (ع) قوله: "ما کان فی الإیمان المستقر، فمستقر إلى یوم القیامة [أو أبداً]؛ وما کان مستودعاً سلبه الله قبل الممات". انظر تفسیر العیاشی، ج1، ص401. کما ورد فی نهج البلاغة أیضاً قوله (ع): "فمن الإیمان ما یکون ثابتاً مستقراً فی القلوب، وما یکون عواری بین القلوب والصدور إلى أجل معلوم".. نهج البلاغة، الخطبة 231.
17 ونص الحدیث: "فما لها عند الله عز وجل قدر ولا وزن؛ ولا خلق فیما بلغنا خلقاً أبغض إلیه منها، ولا نظر إلیها مذ خلقها" انظر بحار الأنوار، ج70، ص110، کتاب الإیمان والکفر، الباب 122، الحدیث 109.
18 روی عن الإمام الصادق (ع) قوله: "العبادة ثلاثة: قوم عبدوا الله عز وجل خوفاً، فتلک عبادة العبید. وقوم عبدوا الله تبارک وتعالى طلب الثواب، فتلک عبادة الأجراء. وقوم عبدوا الله عز وجل حباً، فتلک عبادة الأحرار، وهی أفضل العبادة". انظر وسائل الشیعة، ج1، ص45، أبواب مقدمة العبادة، الباب 9، الحدیث 1. کذلک أصول الکافی، ج3، ص131، کتاب الإیمان والکفر، باب العبادة، الحدیث5.
19 عن الإمام أمیر المؤمنین (ع) أنه قال: "إن الاستغفار درجة العلیین، وهو اسم واقع على ستة معان: أولها الندم على ما مضى. والثانی العزم على ترک العَوْد إلیه أبداً". انظر نهج البلاغة، الحکمة409. وللمزید من الاطلاع حول التوبة، انظر شرح الأربعین حدیثاً للإمام الخمینی، الحدیث 17.
20 الکافی، ج3، ص274، کتاب الإیمان والکفر، باب الذنوب، الحدیث20.
21 عوالی اللئالی، ج1، ص129، الفصل8، الحدیث3. کذلک انظر الجامع الصغیر، ج2، ص45، و95.
22 سورة البقرة، الآیة 250.
If you want to submit a comment, you should login to the system first. To login please click the login button.