Articles

دور المسجد فی بناء المجتمع

 5/4/2015

إن کیان هذه الأمة و الفضائل السمحة ، التی تتحلى بها نابعة من تراثنا و من دیننا ، فالقیم الروحیة و التقالید الدینیة ، هی التی تحکم حیاتنا ، و توجه سلوکنا ، و تکسبنا ما نحن علیه الیوم من تماسک و تعاون ، و توحد فی الفکر و العمل ، و قد ظللنا نتوارث ذلک خلفاً عن سلف ، یسلمه الأجداد أمانة للآباء و ینتقل من الآباء للأبناء ، لیترکز مع الزمن ، و یصبح دعامة من دعامات المستقبل المشرق بإذن الله.

و قد ظلت هذه الأمانة باقیة على الزمن طوال هذه القرون تغذی أرواحنا ، و تبنی شخصیاتنا ، و تحافظ على وجودنا ، رغم کل نکبات الدهر و ظروف الفقر و القهر و الطغیان التی تعرضت لها أمتنا فی تاریخها الطویل . ظلت هذه الروح حیة مشرقة دون رعایة من حاکم أو سند من مؤسسة أو جماعة ، ولکنها کانت تستمد حیویتها و قوتها من إیمان الناس بأنفسهم و بتراثهم ، الذی هو مصدر قوتهم و سبیل بقائهم . و کانت المساجد و خلاوى القرآن الکریم و الزوایا هی مراکز الإشعاع فی حیاة الناس ، هی التی حفظت للأمة تراثها ، و صانت عقولها و قلوبها من ظلمات الجهل و الخرافة ، و رفعت أمیتها فی زمان کان الجهل فیه سمة العصر.

إننا أیها الأخوة مدینون لبیوت الله و خلاوى القرآن بکل ما نحن علیه الیوم من صفات ، إذ لولا هذه البقاع الطاهرة التی یشع منها نور العلم على حیاتنا ، دون رعایة من حاکم أو عنایة من سلطان ، لفقدنا کل تراثنا و انفصلنا عن ماضینا ، و صرنا نهباً للمستعمرین و المتسلطین الذین سعوا و ما یزالون یسعون لتصبح حیاتنا صورة من حیاتهم مهما بلغت التکالیف.

و ما دامت هذه المراکز الروحیة هی سر بقائنا و مصدر عزتنا و کرامتنا ، و إلیها یرجع الفضل فی المحافظة على ماضینا و رعایة تراثنا ، فإننا نریدها فی حاضرنا أن تؤدی رسالتها کما فعلت بالأمس ، و أن تزید على ذلک بأن تصبح سبیلاً لتطویر حیاتنا ، و دفعنا إلى الأمام على هدى و بصیرة ، حتى یکون تقدمنا نابعاً من أصالتنا و من تراثنا ، و حتى یشترک الشعب بکل طبقاته و أفراده فی عملیة البناء و تعمیر المستقبل ، لأنه یحس بالدافع من ضمیره و من أعماق أعماقه.

لقد قامت کل هذه المساجد و الخلاوى و الزوایا بعون الناس و بإیمانهم بالرسالة العظیمة التی تؤدیها هذه الأماکن فی حیاتهم ، ولکن ظروف الحیاة الحدیثة جعلت الکثیرین من الناس ، خاصة من الأجیال الناشئة ینصرفون عن هذه المنابع الروحیة ، دون أن یعلموا أن روح أمتهم و سر عظمتها و سبیل بقائها ، یرتکز على الصلة القویة القائمة بین الجماعة و الجامع ، فالجامع لم یسم الجامع إلا لهذه الصلة القویة بینه و بین الجماعة ، لأنه یجمع شتات الناس ، و یوحد ما بینهم حین یجتمعون فیه ، و قد تجردوا من کل شیء إلا الإیمان بالله ، و العمل لصالح الجماعة ، و على هذین الأساسین تقوم التضحیة و نکران الذات اللذین هما علامة المواطن الصالح .

فواجبنا الیوم کأمة تسعى إلى تأکید ذاتها و إبراز وجهها الحضاری المشرق ، أن نربط حیاتنا أکثر و أکثر بمصدر القوة و الإیمان فی حیاتنا و هو المسجد ، و أن نجعل منه مرة أخرى مرکز إشعاع فی حیاتنا مثل ما کان فی ماضینا ، و أن نستفید منه روحیاً و ثقافیاً و اجتماعیاً مثلما نستفید من کل أوجه النشاط الثقافی الأخرى فی حیاتنا، ولابد أن نعید ثقتنا بأنفسنا بعد أن شککنا المستعمِرون فی ذلک، ولن نستعید هذه الثقة بالنفس إلا إذا استعدنا ثقتنا بتراثنا و قدرته على صنع المستقبل ، ولن ننجح فی صنع المستقبل إلا إذا اعتنینا بأدوات المستقبل ، و هم أطفالنا و ملأنا أنفسهم بالثقة فی ماضی أمتهم ، فینشأون و هم فخورون بتراثهم ، یفکرون فیه و یسعون لتطویره . ولکننا لابد أن نتطور مع الزمن ، و نطور المساجد ، حتى تجاری تطور الزمن ، و حتى یجد فیها أبناؤنا و شبابنا ما یغریهم بالتردد علیها و الاستفادة من إمکانیاتها الروحیة  والاجتماعیة.

فلذلک رأینا أن یکون المسجد حلقة وصل بین المدرسة و المنزل ، و ذلک بأن نسعى لأن نجعل من المسجد عبارة عن مجمع لایقتصر دوره على العبادة فحسب ، بل یضم روضة الأطفال حتى یعاد الطفل منذ الصغر على الذهاب للمسجد ، و یضم قاعة الدرس للشباب و الشیب ، و یضم إلى جانب ذلک مختلف أوجه النشاط الاجتماعی و الثقافی ، و بذلک یسهم المسجد فی تأکید القیم التی ننادی بها فی مجتمعنا الجدید.


If you want to submit a comment, you should login to the system first. To login please click the login button.