Articles

القدس عصیة على النسیان

 7/7/2015
الامام الخمینی اعطى القضیة الفلسطینیة عموماً و القدس خاصة ، بعداً دینیاً و استراتیجیاً ، حیث کان سماحته یردد أن اسرائیل غدة سرطانیة فی جسد العالم الاسلامی ینبغی استئصالها .
کانت القدس و مازالت احدى المفردات الکبیرة فی مسیرة الثورة الاسلامیة منذ انتصارها عام 1979. فشعار القدس کان مرفوعاً فی التظاهرات الملیونیة الى جانب لافتات اسقاط النظام الشاهنشاهی و الموت لأمیرکا و اسرائیل . ومع ان الشعب الایرانی المسلم یعشق القدس ، فان الامام الخمینی  اعطى القضیة الفلسطینیة عموماً و القدس خاصة  ، بعداً دینیاً و استراتیجیاً ، حیث کان یردد  أن اسرائیل غدة سرطانیة فی جسد العالم الاسلامی ینبغی استئصالها . إذ کان سماحته یرى ثمة ارتباطاً وثیقاً بین انظمة الحکم فی المنطقة الاسلامیة و اسرائیل و الدول الاستعماریة ، و بالتحدید الولایات المتحدة الامیرکیة . و لذلک فان مواجهة أی من هذه الدوائر فی نظر الامام الخمینی (قدس سره) یجب أن تکون متزامنة .

و فی ضوء هذا الفهم الاستراتیجی للقضیة الفلسطینیة ، رفض الامام الخمینی عرضاً من حکومة الشاه بأن تقدم له کل ما یرید مقابل ترک الحدیث عن ثلاثة أمور  هی ( الشاه  و امیرکا و اسرائیل ) . و یومها قال الامام للوسیط الشاهنشاهی : إذا سکت عن هذه القضایا فاذا بقی ؟ .

کان هذا العرض الحکومی على الامام الخمینی قبل اندلاع انتفاضة " الخامس عشر من خرداد " - حزیران 1963 -  ، التی نفی بسببها سماحته الى ترکیا و من ثم الى العراق ، و هو ما یعطی انطباعاً واضحاً عن مرکزیة القضیة الفلسطینیة  فی فکر الامام الخمینی ( قدس سره) .

و من هنا جاء اعلان الامام لیوم القدس  عام 1980 ، لیمثل حالة التواصل الاستراتیجی لدى سماحته ازاء القضیة الفلسطینیة ، خاصة و ان یوم القدس یقام  - حسب اعلان الامام - فی آخر جمعة من شهر رمضان المبارک .

لقد اراد الامام الخمینی ، شدّ انظار المسلمین وهم  یؤدون فریضة الصوم ، و فی ظل لیالی القدر  العظیمة ، الى ضخامة الجریمة التی یرتکبها الصهاینة فی اغتصاب اولى القبلتین و ثالث الحرمین ، بالاضافة الى ما یعانیه الفلسطینیون من مآسی و آلام .

أن یوم القدس لا یقل خطورة و اهمیة عن یوم انتصار الثورة الاسلامیة المبارکة . فالامام الخمینی لم یکن یرید من الاعلان عن یوم القدس مجرد تنظیم الاحتجاجات و اقامة المسیرات ، و براز روح التضامن مع الشعب الفلسطینی المسلم ، بل دفع الامة الاسلامیة نحو التفکیر جدیاً فی انقاذ القدس من قبضة الصهاینة المجرمین . و لا أدل على  التشابه الکبیر بین عظمة یوم انتصار الثورة و یوم القدس ،  من الاندفاعة الجماهیریة العظیمة فی هذین الیومین .

ففی الجمهوریة الاسلامیة ایام خالدة لها وقع خاص فی حیاة الشعب الایرانی المسلم ، و لیس مبالغة القول أن هناک یومین یتمیزان بخصوصیات استثنائیة . یوم الحادی عشر من شباط  ذکرى انتصار الثورة ، و یوم القدس .

ففی یوم انتصار الثورة یخرج الجمیع فی مسیرات حاشدة وهم یجددون الولاء و الوفاء للقیادة الاسلامیة ، و الاستمرار فی مواجهة قوى الاستکبار العالمی . إذ یعتقد الایرانیون بأنهم حصلوا على حریتهم و استقلالهم فی مثل هذا الیوم الذی یجب ان یحتفل به الجمیع مهما کانت اتجاهاتهم السیاسیة و الفکریة . و لذلک و رغم مرور ستة و ثلاثین عاماً على انتصار الثورة الاسلامیة ، و هی أعوام ملیئة بالمخاطر والتحدیات ، یصرّ الایرانیون على زرع الیأس و الاحباط  فی نفوس الاعداء الذین  یراهنون باستمرار على احتمال حصول التباعد  بین الثورة و الامة .

و فی یوم القدس یخرج الجمیع ایضاً ، ابتداءً من رئیس الجمهوریة و الوزراء و النواب و القادة العسکریون ، و مروراً بباقی فئات الشعب ، و انتهاء بالاطفال و الشیوخ و حتى العجائز، حیث یحرص الجمیع على المشارکة فی مسیرات یوم القدس رافعین لافتات کتب علیها مقولات للامام الخمینی تؤکد على ضرورة تحریر القدس .

أن ذکرى یوم انتصار الثورة الاسلامیة تعطی الامل بانتصار الاسلام فی جمیع ارجاء العالم الاسلامی . کما ان ذکرى یوم القدس تجدد التحدی و تقوی عزیمة المسلمین فی مواجهة الاستکبار و الصهیونیة العالمیة و الکیان الغاصب للقدس .
 
لقد احتفلت الجمهوریة الاسلامیة بیوم القدس عام 1980 وکان العالم الاسلامی یومئذ یعیش بدایات الصحوة الاسلامیة ، و لم یکن احد یتوقع أن تتعاظم هذه الصحوة بمثل ما هی علیه الیوم ، بحیث اعتقد الکثیرون أن النهوض الاسلامی لیس اکثر من فورة عاطفیة سرعان ما تزول مع اشتداد عملیات القمع و الاضطهاد التی تمارسها انظمة الحکم فی الدول الاسلامیة . لکن الذی حدث کان العکس تماماً ، رغم قسوة ما یواجه المسلمون من تحدیات و صعوبات . و لم یمض وقت طویل حتى اتضح أن هناک جبهتان الاولى  تمثل الاستکبار و الصهیونیة و الانظمة المتخاذلة ، و الثانیة الحالة الاسلامیة التی اخذت تتنامى و تستقطب الساحة على نطاق واسع .

لقد کان الانزعاج واضحاً لدى جمیع الدوائر السیاسیة الاقلیمیة و الدولیة من اعلان الامام الخمینی لیوم القدس العالمی . واذا کان عدم الارتیاح الدولی مبرراً و معروفاً سلفاً ، فان تشکیک الاطراف الاقلیمیة و عدم تفاعلها مع هذه المبادرة ، قد کشف لکثیرین زیف هذه الاطراف فی الدفاع عن فلسطین فضلاً عن تحریرها.

ولا شک فی ان السبب المباشر وراء هذا الانزعاج ، یعود الى أن الامام الخمینی اعطى للقضیة  بعداً دینیاً ، حیث تدرک جمیع الجهات خطورة الطرح الاسلامی للقضیة الفلسطینیة ، خاصة و ان هذا الطرح  تزامن مع الهزائم المتکررة التی منی بها الخط القومی و الیساری فی المنطقة العربیة و الاسلامیة .

ان الاحتفاء  بیوم القدس العالمی هذا العام ، یتزامن مع تطورات  فی غایة الخطوة  تمرّ  بها المنطقة الاسلامیة . فالارهاب التکفیری یوغل فی اراقة  دماء المسلمین ، و التحالف الامیرکی – الصهیونی  لا یألوا جهداً فی تقطیع اوصال العالم الاسلامی و مساندة  ظاهرة العنف الداخلی فی العالمین العربی  و الاسلامی . و فی ظل کل هذه التحدیات التی تواجه الامة الاسلامیة ، فان الخیار الوحید یکمن فی تضامن المسلمین و  وحدتهم ، و المواجهة المفتوحة مع قوى الاستکبار بمختلف مسمیاتها .
منیر مسعودی
If you want to submit a comment, you should login to the system first. To login please click the login button.