Articles

الفقه الإسلامی ومفهوم المواطنة

 7/14/2015
کتبه: محمد محفوظ
استطاع العلماء والفقهاء المسلمین وعبر حقب زمنیة عدیدة ، بفضل جهادهم العلمی واجتهادهم الفقهی المنفتح على کل العلوم والمعارف ، أن یؤسسوا مکتبة إسلامیة فقهیة ضخمة ، تستوعب کل موضوعات وقضایا الحیاة الإسلامیة ، سواء کانت للأفراد أی آحاد المسلمین أو للمجتمع والأمة الإسلامیة بشکل عام . ولا یمکن لأی باحث الیوم ، أن یغفل أو یتجاوز التراث الفقهی الضخم الذی ترکه فقهاء وعلماء الأمة .

ودائما کان العلماء والفقهاء هم السباقین لبیان وجهة نظر الدین تجاه کل القضایا والموضوعات الجدیدة والمستجدة ، والتی هی بحاجة إلى بیان الرؤیة الفقهیة تجاهها .

وبفعل مبدأ الاجتهاد وآلیات الاستنباط الفقهی المدونة فی کتب الفقه وعلم أصول الفقه ، تمکن الفقهاء من صیاغة رؤیة أو موقف فقهی من کل القضایا المستجدة فی حیاة المسلمین.

ولعلنا لا نبالغ الیوم حین القول : أن أحد منجزات الثقافة الإسلامیة والحضارة الإسلامیة التی قدمتها للإنسانیة جمعاء ، هو المنجز الفقهی - القانونی ، الذی دونه آلاف الفقهاء والعلماء فی کتبهم وأبحاثهم ودروسهم العلمیة . والفقه الإسلامی فی بنیته المعرفیة والذاتیة ، یمتلک القدرة لتقدیم إجابات ناضجة على أسئلة وقضایا العصر والاجتماع الإنسانی .

ولقد أثبت الفقه الاسلامی هذه الحقیقة ، من خلال العطاء النوعی والمتمیز ، الذی قدمه بعض العلماء والفقهاء فی عصور زمنیة للمسلمین وللمعرفة الإنسانیة .

وما نود أن نثیره فی هذا السیاق ، هو أحد الموضوعات الهامة والقضایا الملحة ، التی تتطلب بحثا أو أبحاثا فقهیة مستفیضة ، حتى یتبلور الرأی والموقف الاسلامی بتفاصیله من هذا الموضوع الملح والحیوی والهام . وهذا الموضوع هو موضوع المواطنة . حیث أن من أنماط العلاقة الإنسانیة المستجدة ،والتی یترتب علیها حقوق وواجبات متبادلة هو علاقة المواطنة . فالدول والمجتمعات القائمة فی حیز جغرافی واحد ، أضحت الیوم من حقائق العصر الثابتة . فالأوطان الیوم حقیقة دستوریة وقانونیة ، والعلاقة بین أبناء ومکونات هذه الأوطان قائمة على حقوق وواجبات المواطنة ، بصرف النظر عن دین وقومیة أبناء الوطن.

 فکل الأوطان الیوم ، تضم أجناس بشریة متعددة ، ومکونات أیدلوجیة أو قومیة أو عرقیة متنوعة ، إلا أن الجامع الذی یجمع هؤلاء جمیعا ، ویحتضنهم ویوفر لهم الحیاة اللازمة هو نظام الوطن والمواطنة . واختلافات المواطنین بکل مستویاتها وأشکالها ، لا تلغی حقوق
أحد منجزات الثقافة الإسلامیة والحضارة الإسلامیة التی قدمتها للإنسانیة جمعاء ، هو المنجز الفقهی - القانونی ، الذی دونه آلاف الفقهاء والعلماء فی کتبهم وأبحاثهم ودروسهم العلمیة . والفقه الإسلامی فی بنیته المعرفیة والذاتیة ، یمتلک القدرة لتقدیم إجابات ناضجة على أسئلة وقضایا العصر والاجتماع الإنسانی.
المواطنة وواجباتها . ولقد تمکنت المجتمعات المتقدمة بفضل هذا النظام ( المواطنة ) أن تتجاوز الکثیر من انقساماتها وحروبها الداخلیة ، کما بنت أمنها واستقرارها السیاسی والاجتماعی على قاعدة هذا النظام الدستوری إننا نعتقد أن هذا الموضوع من الموضوعات الهامة والحقائق الإنسانیة الثابتة ، الذی یتطلب رؤیة فقهیة - قانونیة ، تجیب على أسئلة هذا الموضوع ، وتحدد الرؤیة الشرعیة من کل مقتضیات ومتطلبات هذا النظام ، الذی ینظم العلاقة بین أفراد ومکونات إنسانیة متعددة ، یجمعهم وطن واحد ومواطنة واحدة متساویة فی الحقوق والواجبات .

وإننا نرى أن علماء وفقهاء الأمة ، أفرادا ومؤسسات ، لم یبذلوا الجهود العلمیة المطلوبة تجاه هذا الموضوع الهام والحیوی ، والذی یؤثر على علاقة المسلمین مع بعضهم البعض . فمصالح الأوطان التی یتواجد فیها المسلمین الیوم ، لیست بالضرورة منسجمة ومتطابقة ، لذلک من المهم بیان الرؤیة الفقهیة تجاه هذه المقولة (  الوطن والمواطنة ) والتی هی لیست علاقة عاطفیة فحسب ، بل هی علاقة قانونیة - دستوریة - سیاسیة - اقتصادیة - اجتماعیة - ثقافیة ، تتطلب صیاغة نظریة فقهیة معاصرة تجاه هذا الموضوع أو الظاهرة الإنسانیة المعاصرة .

ولا ریب أن غیاب العلماء والفقهاء عن مناقشة هذا الموضوع مناقشة علمیة مستفیضة ، له أسبابه الموضوعیة التی ینبغی أن لا نغفلها حین الحدیث عن أهمیة أن یبذل الفقهاء جهدهم لصیاغة نظریة فقهیة - إسلامیة تجاه مبدأ المواطنة . ولکن هذه الأسباب الموضوعیة ، لیست مبررا نهائیا لغیاب هذا الجهد العلمی والفقهی . بل إننا نعتقد وبشکل جازم أن الیوم هناک مبررات وحاجات ماسة وملحة لضرورة الإسراع فی بلورة الموقف الفقهی من مبدأ المواطنة .

ولعل من أهم هذه الحاجات والمبررات النقاط التالیة :
1- إن المواطنة الیوم من الحقائق الدستوریة والقانونیة والسیاسیة الهامة ، والتی تؤثر فی واقع المجتمعات الإسلامیة على أکثر من صعید ومستوى .  فالأمة الإسلامیة الیوم ، موزعة فی أوطان متعددة ، وفی کل وطن مکونات متعددة ، وقوانین مختلفة ، مما یفضی إلى حقیقة وهی أن العلاقة الوطنیة ، هی العلاقة الحاکمة والتی تتجاوز کل العلاقات أو لها الأولویة على بقیة العلاقات ودوائر الانتماء . ولا ریب أن هذه المسألة ، تثیر الکثیر من الأسئلة والإشکالیات التی لا یمکن الإجابة علیها إلا بصیاغة نظریة فقهیة متکاملة تجاه مبدأ وواقع الوطن والمواطنة الیوم .

2- إن الإنسان ، أی إنسان ، فی حیاته وممارساته الاجتماعیة الطبیعیة ، ینتمی إلى دوائر إنسانیة عدیدة ، تتکامل هذه الدوائر فی حیاته ، دون تناقض والتباس . والانتماء الوطنی هو من أحد هذه الدوائر التی ینتمی إلیها الإنسان ، دون أن یشعر أنها متناقضة مع انتمائه الأسری أو ما أشبه ذلک .

ویشیر إلى هذه الحقیقة الشیخ محمد أبو زهرة بقوله : تبتدئ ( أی عملیة التوفیق بین الانتماءات ) بمحبة الأسرة والعشیرة ، ثم الجماعة ، ثم الوطن ، ثم الجماعة الکبرى فی الإسلام ، ولا تلغی الدرجة العلیا ما دونها ، ولکن المنهی عنه المحبة التی تؤدی إلى الفرقة والانقسام ، وتحرض على الظلم ، وهی العصبیة الجاهلیة . ونحن نرى أن وجود تنظیرات فقهیة - تفصیلیة حول مسألة الانتماء الوطنی بکل مقتضیاته ومتطلباته ، یساهم فی سلامة واستقرار الإنسان النفسی والثقافی والاجتماعی .

3- إن الظروف السیاسیة والثقافیة والاجتماعیة ، التی تعیشها المجتمعات الإسلامیة الیوم ، هی ظروف حساسة وصعبة على أکثر من صعید ومستوى ، کما أن التحدیات التی تواجهها ، تحدیات مرتبطة باستقرارها ووحدتها الداخلیة . لهذا فإن الحاجة ماسة الیوم ، لکل الجهود والمبادرات التی تساهم فی تعزیز الجبهة الداخلیة والوحدة الداخلیة للمجتمعات الإسلامیة . ومن المؤکد أن خروج العلماء والفقهاء من ترددهم من بحث وبیان مسألة الانتماء  الوطنی وقضایا المواطنة ، سیساهم مساهمة کبیرة وأساسیة
المواطنة فی جوهرها وحقیقتها العمیقة, لیست هی العلاقة العاطفیة و الوجدانیة التی تربط الإنسان بمسقط رأسه, وإنما هی مشارکة متکاملة, وتکافؤ دائم فی الحقوق و الواجبات, و علاقات اجتماعیة وثقافیة ودستوریة متکاملة, تفرض حقوقا متبادلة بین جمیع أطراف الوطن والمواطنین .
فی مشروع تعزیز الوحدة الداخلیة والاستقرار السیاسی لهذه المجتمعات .

4- إن الانتماء الوطنی یتجذر ویتعمق فی واقع المجتمعات الإسلامیة المعاصرة ، ویأخذ دوره الطبیعی فی حیاة الإنسان الخاصة والعامة ، حینما ینفتح هذا المفهوم على الخصوصیات الثقافیة والاجتماعیة والإنسانیة التی یختزنها الإنسان من روافد متعددة . وانفتاح الجهد العلمی - الفقهی على هذه المسألة الحیویة ، سیضیف لهذا الانتماء أبعاده الثقافیة والإنسانیة التی تبعده عن کل أشکال الشوفینیة والنرجسیة .

فحینما ینفتح انتماؤک الوطنی على إنسانیتک ومخزونک الثقافی والإنسانی ، حینذاک سیثرى هذا المفهوم إنسانیة ونبلا . أما حینما ینغلق هذا المفهوم وتحول عوامل ذاتیة أو موضوعیة دون التواصل والانفتاح على إنسانیة الإنسان ، فإنه سیصاب بالبساطة والتصحر ، لأنه لم ینفتح ولم یستفد من البعد الإنسانی الذی  یختزنه کل مواطن .

إن المواطن هو الذی یمنح مفهوم الانتماء الوطنی حرکیته ودینامیته وفعالیاته . لذلک فإن انفتاح هذا المفهوم على المواطن بخصوصیاته الثقافیة والإنسانیة ، سیساهم فی تحریک کل المواطنین باتجاه إثراء مفهوم الانتماء الوطنی بالمزید من الحقائق الثقافیة والإنسانیة .

لکل هذه الاعتبارات المذکورة أعلاه ، فإننا نرى أهمیة أن یبادر علماء الأمة وفقهائها لبلورة الرأی والنظریة الفقهیة المتکاملة تجاه هذه المسألة الهامة . ولا ریب أن صیاغة النظریة الفقهیة حول هذه المسألة المتشعبة والمرکبة ، لا یمکن أن یتحقق بمقال فقهی أو فتوى فقهیة ، وإنما عبر عمل مؤسسی تتراکم فیه العطاءات والجهود حتى نصل إلى مستوى بلورة نظریة فقهیة - إسلامیة حول مسألة المواطنة .

لهذا فإننا ندعو المؤسسات البحثیة والفقهیة ، إلى العنایة بهذه المسألة ، وتخصیص ندواتهم ومؤتمراتهم القادمة حول هذه المسألة بکل جوانبها وأبعادها . لأنها من المسائل الحیویة التی تؤثر فی واقع المسلمین الیوم على أکثر من صعید ومستوى . فلینفتح الفقه الاسلامی بآلیاته الاستنباطیة المتمیزة على هذا الموضوع الذی یمس حیاة المسلمین الیومیة کأفراد ومجتمعات ، وذلک بهدف العمل على صیاغة نظریة فقهیة متکاملة حول الوطن والمواطنة . ولا یکفی الیوم فی ظل هذه الظروف الحساسة ، القول بأن الإسلام لا یعارض الانتماء الوطنی ، وإنما من المهم بیان التأصیل الفقهی لهذه المسألة بکل متطلباتها ولوازمها . لأننا نعتقد أن وجود رؤیة فقهیة متکاملة حول هذه المسألة ، سیساهم فی اندفاع الکثیر من الفئات والشرائح الاجتماعیة للتعاطی الایجابی والفعال مع کل مقتضیات الوطن والمواطنة. وما أحوجنا الیوم لکل الجهود والمبادرات التی تعزز وحدة المسلمین وأوطانهم ، وتجاوز کل المخططات والمؤامرات التی تسعى نحو المزید من تجزئتنا وتفتیتنا .

ونحن هنا حینما نطالب العلماء والفقهاء ، ببلورة رؤیتهم الفقهیة حول مسألة الوطن والمواطنة ، لإدراکنا التام أن هذا الموضوع من الموضوعات المرکبة ، والتی لها أبعاد متعددة ، قانونیة وشرعیة وسیاسیة وثقافیة واقتصادیة . لذلک فأن یدلوا الفقهاء بدلوهم ، ویوضحوا رؤیة الفقه الإسلامی حول هذه المسائل ، سیساهم فی تقدیرنا فی تجلیة الکثیر من القضایا الهامة المتعلقة بهذا الموضوع .

ولعل قائلا یقول : أن مفهوم الأمة الإسلامیة ، أوسع کما ونوعا من مفهوم الوطن . وفقهاء الأمة وعلماؤها یلتزمون بحدود ومقتضیات الأمة . ولکننا نقول : أن أبناء الأمة الإسلامیة الیوم ، یتوزعون على أوطان إسلامیة متعددة ، ولا ریب أن إصلاح الجزء مقدمة لإصلاح الکل . کما أن مفهوم الانتماء الوطنی ، لا یناقض بأی حال من الأحوال الانتماء إلى أمة الإسلام . وعلیه فإننا نشعر بأهمیة أن یسعى فقهاء الأمة ومؤسساتها
علماء وفقهاء الأمة ، أفرادا ومؤسسات ، لم یبذلوا الجهود العلمیة المطلوبة تجاه موضوع المواطنة ، والذی یؤثر على علاقة المسلمین مع بعضهم البعض . فمصالح الأوطان التی یتواجد فیها المسلمین الیوم ، لیست بالضرورة منسجمة ومتطابقة ، لذلک من المهم بیان الرؤیة الفقهیة تجاه هذه المقولة ( الوطن والمواطنة ) والتی هی لیست علاقة عاطفیة فحسب ، بل هی علاقة قانونیة - دستوریة - سیاسیة - اقتصادیة - اجتماعیة - ثقافیة .
الفقهیة والعلمیة ، لمقاربة هذا الموضوع ، وبیان وجهة نظر الشرع فی کل جوانبه وأبعاده.  

والمواطنة فی  جوهرها وحقیقتها العمیقة, لیست هی العلاقة العاطفیة و الوجدانیة التی تربط الإنسان بمسقط رأسه, وإنما هی مشارکة متکاملة, وتکافؤ دائم فی الحقوق و الواجبات, و علاقات اجتماعیة وثقافیة ودستوریة متکاملة, تفرض حقوقا متبادلة بین جمیع أطراف الوطن والمواطنین . والمجتمعات الإنسانیة  الیوم, لا تختلف عن بعضها البعض, فی علاقتها الوجدانیة والعاطفیة بأوطانها. إذن کل الأمم والمجتمعات, تحب أوطانها،  وتربط أبناء هذه المجتمعات بأرضها وتاریخها وشخوصها علاقات وجدانیة وعاطفیة إنما المجتمعات الإنسانیة تختلف وتتمایز عن بعضها البعض فی مدى تحقق معنى المواطنة فی أبعادها الدستوریة والسیاسیة والحقوقیة..

فالمجتمعات المتقدمة, هی تلک المجتمعات التی ترتبط  ببعضها البعض على الصعید الداخلی برباط المواطنة, الذی یحدد الحقوق والواجبات, ویفرض أنماطا للعلاقة لا یمکن تجاوز مقتضیاتها ومتطلباتها. أما المجتمعات المتخلفة والمتأخرة حضاریا, فهی التی لازال نظام العلاقة الداخلی فیها, یستند إلى عناوین ویافطات ما قبل الموطنة والدولة الدستوریة الحدیثة.

لذلک تکثر فی هذه المجتمعات عناوین الانتماء التقلیدیة, التی تحبس الجمیع , وتحول دون بناء وحدتهم وتضامنهم على قاعدة حقوق المواطنة وواجباتها. من هنا ومن أجل بناء مجتمعاتنا العربیة والإسلامیة على أسس تحفظ حقوقها من الجمیع ، وتصون الخصوصیات الثقافیة واللغویة الموجودة فی الفضائین العربی والإسلامی,من المهم أن تبادر المؤسسات والمعاهد العلمیة والفقهیة إلى إنضاج رؤیتها تجاه مفهوم المواطنة, والعمل على بناء العلاقات الداخلیة فی المجتمع الواحد على أساس المواطنة.وإننا نعتقد أن انفتاح الفقة الاسلامی بعدته العلمیة وثروته القانونیة ومرجعیته المعرفیة, سیساهم فی إثراء مفهوم المواطنة ثقافیا وقانونیا, وسیوفر الأرضیة النظریة  المناسبة للخروج من الکثیر المآزق والتوترات التی تسود بین مکونات المجتمع واحد..

فالمواطنة بما تتضمن من واجبات وحقوق متساویة بین جمیع أبناء الوطن الواحد, هی خشبة الخلاص من الکثیر من التوترات التی تسود الیوم فی العلاقة بین المکونات المتعددة التی یحتضنها الوطن الواحد..

فالمواطنة بما تتضمن من واجبات وحقوق متساویة بین جمیع أبناء الوطن الواحد ، هی خشبة الخلاص من الکثیر من التوترات التی تسود الیوم فی العلاقة بین المکونات المتعددة التی یحتضنها الوطن الواحد .

فالأوطان الواحدة, لا تتشکل من کانتونات دینیة أو مذهبیة أو قومیة متحاجزة ومنفصلة عن بعضها البعض, وإنما من وطن ومجتمع واحد, یحتضن کل التنوعات والتعددیات , ویحترم وفق إجراءات قانونیة ودستوریة کل الخصوصیات الثقافیة,ولکن  دون الانحباس فیها.. بمعنى إن العلاقة التی تربط الدولة بمواطنیها, علاقة قائمة على قاعدة  المواطنة, ولیس على قاعدة الانتماءات الدینیة أو المذهبیة أو القومیة. کما أن علاقة أبناء المجتمع والوطن الواحد, لا تستند إلى الانتماءات  التقلیدیة للمواطنین, وإنما للعقد الجدید الذی یربط أبناء المجتمع الواحد, والذی یتجلى فی مفهوم المواطنة..

ویشیر إلى هذه الحقیقة المفکر المغربی (طه عبد الرحمن ) بقوله "إن هذا المفهوم ( المواطنة ) اقترن بالفصل بین دائرتین من دوائر الحیاة و هما : الدائرة العامة والدائرة الخاصة,ویدخل فی دائرة الحیاة العامة ـ کما هو معلوم ـ کل المعاییر والقوانین والمؤسسات التی تتوسل بها الدولة فی تنظیم علاقات الأفراد بعضهم ببعض, حفظا للصالح العام, فی حین یدخل فی دائرة الحیاة الخاصة کل ما أختص به الأفراد من حریات وحقوق لا تشملها سلطة القانون ولا تخضع لنظام المجتمع. والمواطنة تتحدد فی سیاق نظریة مخصوصة فی العدل قائمه على هذا الفصل الحداثی بین الدائرتین.إذ تقتضی هذه النظریة بأن یتمتع أفراد المجتمع الحداثی بحق المساواة فی وضعهم القانونی بما یمکنهم من النهوض بواجب المشارکة فی تدبیر الحیاة العامة, بصرف النظر عن اختلافاتهم فی الاختیارات والانتماءات التی تعد جزءا من الحیاة الخاصة" [راجع کتاب روح الحداثة ـ المدخل إلى تأسیس الحداثة الإسلامیة ـ ص216]..وخلاصة القول :إن المطلوب الیوم هو العمل على تظهیر مفهوم المواطنة وبناء المواطن على أسس الحریة والعدالة والمساواة ..
If you want to submit a comment, you should login to the system first. To login please click the login button.