أی إسلام بقی من "منظمة التعاون" ؟
۱۳۹۵/۰۲/۰۱

لم تجد المنظمة بدلاً من ذلک سوى الإمعان فی التنکّر لهویتها عندما عملت على ترکیز الهجوم فی بیانها على إیران، والأقبح من ذلک تصنیف "حزب الله" کمنظمة إرهابیة. غاب انتقاد إسرائیل عن خطاب أردوغان وغیره، وحضر العداء لإیران و "حزب الله" فی البیان الختامی، فی مفارقة لیست سوى ورقة نعی لهذه المنظمة التی یریدون تمثیلها فی مجلس الأمن.

یمکن القول إن اجتماع منظمة التعاون الإسلامی فی اسطنبول على مستوى القمة کان من أکثر الاجتماعات فشلاً. وقد ظهرت شائعات کثیرة تتحدّث عن مصالحات وتقاربات بین مختلفین، لکن مسار القمة وخطاباتها ولقاءاتها أظهرت عکس ذلک.

فترکیا تحدیداً کانت من أکثر الدول انتقاداً لمنظمة التعاون الإسلامی، بسبب عدم تقدیم دولها الغنیة، وقد سمّى الرئیس رجب طیب أردوغان أکثر من مرة دول الخلیج (الفارسی)، ومنهم السعودیة، مساعدات لمسلمی میانمار وأیضاً لقطاع غزة.

وکان انتقاده الأکبر للمنظمة فی عهد أمینها العام السابق إکمال الدین إحسان أوغلو، عندما لم تندّد المنظمة بما أسماه اردوغان "انقلاب" الرئیس المصری عبد الفتاح السیسی على الشرعیة التی کان یمثلها الرئیس السابق محمد مرسی. وکان أردوغان یستهدف بشدة الملک السعودی الراحل عبدالله، الذی حصلت فی عهده تلک الأحداث. بل إن ترشیح إحسان اوغلو للرئاسة الترکیة بوجه أردوغان، فی صیف العام 2014، إنما کان وفق المراقبین بتشجیع من السعودیة.

الیوم یقف أردوغان والأمر لم یتغیّر. لم یتغیر موقف المنظمة من الفلسطینیین وعجزها عن دعمهم، ولم تساهم المنظمة فی أیة مدفوعات هنا أو هناک للمسلمین فی العالم. لم یجد أردوغان سوى صبّ جام غضبه على النظام الدولی الذی یحصر مصیر العالم بین شفتی خمسة أعضاء دائمین فی مجلس الأمن، وکلهم غیر مسلمین.

لکن انتقادات اردوغان هذه لم تحجب تذاکیه فی المواقف، خصوصاً من القضیة الفلسطینیة وإسرائیل. غاب الخطاب المتشدد ضد إسرائیل. ربما لم یکن مناسباً إخبار المنظمة عن قرب إعادة تطبیع العلاقات، التی لم تنقطع فی الأساس، مع إسرائیل، علماً أن هذا لا یزعج أبداً عدداً کبیراً من أعضاء المنظمة.

لم تبذل منظمة التعاون الإسلامی فی اجتماعها فی اسطنبول أی جهد جدی من اجل رأب الصدع بین بعض دولها. لم تتشکل حتى لجنة للمصالحات تدور على العواصم، وتحمل مقترحات جدیة، لا بین السعودیة وإیران، ولا بشأن الحرب فی سوریا وفی العراق والیمن. أما العلاقة بین ترکیا ومصر فتلقت من جدید ضربة لم تکن فی حسبان البعض، وهو أن وزیر خارجیة مصر سامح شکری، وباسم الرئیس عبد الفتاح السیسی "قال کلمته ومشى"، مغادراً ترکیا من دون حتى أن یشارک فی الصورة التذکاریة، ولا فی الاستماع إلى کلمة أردوغان وبالکاد بلغت إقامته فی اسطنبول الساعتین.

ولم تجد المنظمة بدلاً من ذلک سوى الإمعان فی التنکّر لهویتها عندما عملت على ترکیز الهجوم فی بیانها على إیران، والأقبح من ذلک تصنیف "حزب الله" کمنظمة إرهابیة. غاب انتقاد إسرائیل عن خطاب أردوغان وغیره، وحضر العداء لإیران و "حزب الله" فی البیان الختامی، فی مفارقة لیست سوى ورقة نعی لهذه المنظمة التی یریدون تمثیلها فی مجلس الأمن.

 تتحمّل ترکیا جزءاً کبیراً من مسؤولیة تصعید الحملة على إیران؟ البعض رأى، وأنقرة أیّدت ولم تعترض على ما سُمی بتدخل إیران فی الشؤون الداخلیة للدول العربیة. أمر یثیر السخریة والاستهزاء من جانب دولة مثل ترکیا باتت استراتیجیتها الأساسیة التدخل فی شؤون الدول الأخرى، الإسلامیة تحدیداً، سواء فی سوریا أو غیرها. بل ماذا یفعل الأتراک فی بعشیقة فی العراق، رغم أن الحکومة العراقیة طلبت رسمیاً منهم الانسحاب لأنهم جاؤوا من دون طلب؟ وماذا تفعل المعارضة السوریة المسلحة على الأراضی الترکیة؟ ألیس هذا تدخلاً بل عدوان ترکی على سوریا؟ أی قرار دولی سمح لها بذلک؟ لماذا لا تدرج هذه الحالات، وهی مجرد غیض من فیض، فی بیان منظمة التعاون الإسلامی؟

أما اقتراح تصنیف "حزب الله" تنظیماً إرهابیاً فی مؤتمر منظمة التعاون الإسلامی، فهذا له مع ترکیا قصة أخرى. فموقف أنقرة من حزب الله اللبنانی کان سباقاً على مواقف باقی الدول الإسلامیة، وکان جزءاً من الموقف الترکی من محور المقاومة من سوریا إلى ایران والعراق.

لا نبالغ بالقول إن "حزب الله"، بدوره الرئیسی فی معرکة القصیر فی ربیع العام 2013، کان أحد أهم عوامل إلحاق الهزیمة بالمشروع الترکی، ومَن معه، فی سوریا.

معرکة القصیر من المعارک المفصلیة فی الحرب السوریة، کما هی معارک سلمى فی ریف اللاذقیة ومعرکة تدمر وکما ستکون معرکة حلب. لذا لا ینسى الأتراک لـ "حزب الله" دوره فی الحرب السوریة.

باستثناء "دیفرسوار عرسال" فإن معرکة القصیر فتحت الباب أمام إغلاق معظم الحدود اللبنانیة أمام موجات الدعم للمجموعات المسلحة فی الداخل السوری. ضاق حینها هامش المناورة الترکیة الذی انحصر بالحدود الترکیة.

معرکة القصیر کانت سبباً لکی یطلق بکر بوزداغ نائب رئیس الحکومة الترکیة حینها، أی فی 26 أیار 2013، کلاماً حاداً بحق «حزب الله». قال بوزداغ، الذی یشغل الآن منصب وزیر العدل، فی ندوة لوقف «خیرات» فی أنقرة: «یجب أن یکون واضحاً أن حزب الله یجب أن یغیر اسمه. هو لیس حزب الله بل حزب الشیطان».

ولا أحد یمکن أن ینسى کلام أردوغان عن الشیعة بتاریخ 12 آذار 2014 على إحدى المحطات التلفزیونیة الترکیة، عندما اتهمهم بالنفاق والکذب والتقیة. وقد لاقى هذا الکلام غیر المسؤول من رئیس الحکومة الترکیة حینها ردود فعل مستهجنة فی إیران ولبنان والعراق. ولا ندری کیف یلتقی کلام أردوغان هذا عن الشیعة، والذی رفض الاعتذار عنه، مع کلامه هو نفسه أمس فی اجتماع اسطنبول حول خطر المذهبیة على وحدة المسلمین؟

الیوم مع قرار منظمة التعاون الإسلامی اعتبار "حزب الله" إرهابیاً، وموافقة أنقرة على هذا القرار، لم تفعل ترکیا سوى تأکید المؤکد، بل التشاوف بأنها سبقت الجمیع إلى ذلک، وبتصنیفات أبشع قبل ثلاث سنوات.

إذا کانت بعض الدول العربیة أو الإسلامیة تخضع للإغراءات المادیة، لأنها فی الأساس لم تستطع أن توفر تنمیة وخبزاً لشعوبها، فإن ترکیا بموقفها الجدید من "حزب الله تنسف خشبة أخرى فی جسر علاقاتها مع مکونات أساسیة فی المنطقة. وهی تضع نفسها أیضاً فی موقع الطرف من التوازنات الداخلیة اللبنانیة، وما یترتّب على ذلک من نتائج، حتى على العلاقات الثنائیة.

ولا یُخفى على قادة "حزب العدالة والتنمیة" أن لـ "حزب الله ودوره فی النضال ضد إسرائیل، ورغم کل محاولات تشویه صورته بسبب الحرب فی سوریا، جمهوراً کبیراً فی ترکیا، بین الأتراک والأکراد وبین العلمانیین والإسلامیین وبین السنة والعلویین على حد سواء. وفی هذا الموقف الترکی السلبی من الحزب تأکید على صورة ترکیا التی لا تبارح العقل العربی، وهی صورة تلک المتحالفة مع إسرائیل والمساعدة على ترسیخ وجودها واحتلالها للأراضی الفلسطینیة.

تؤکد منظمة التعاون الإسلامی أنها لم تعد قادرة على أن تحمی مصالح المسلمین فی العالم، ولا وحدتهم ولا کرامتهم. وهی بهذه المواقف المتخاذلة من قضیة المسلمین الأولى فی فلسطین، وبهذه البیانات المثیرة للتفرقة بین المسلمین ودولهم، إنما توجه الإساءة الأکبر للإسلام فی القرن الحادی والعشرین.
محمد نور الدین